مراجع خارجى
مرحبا وأهلا بكم معنا فى منتديات مراجع خارجى
وكل عام وأنتم بالف ألف خير
مراجع خارجى
مرحبا وأهلا بكم معنا فى منتديات مراجع خارجى
وكل عام وأنتم بالف ألف خير
مراجع خارجى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يهتم بنشر ثقافة الجودة فى مجال التعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:27 am

كما سبق رأينا الكاتبة ذات ميل أسرى ، عائلى ، لذا عالجت موضوعاتها المخيفة برهافة عالية ، وبلا أى ميل للاستنزاف اللغوى الذى يصيب بعض الكاتبات ، كما أنها لم تصرح مطلقا بلفظ جارح ، ولم تعط وجهة نظرها ، إنما تركت للقارىء حرية اتخاذ الموقف الذى يتقبله .. لذا نجدها فى قصة " أول يوم فى العام الدراسى " ورغم رداءة العنوان مقاليته ، فقد قدمت مشهدا حيا منقولا بصدق من المدارس الحكومية ، فتاة فقيرة – أمل – تسير كيلو متر حتى تصل إلى مدرستها ، لكنها تحمل حميمية العلاقة بأبويها ، وفخرها بالأب البناء الفقير ، والأم التى تتمنى أن تعطى لابنتها الدنيا ، فى المقابل هناك "سامية " – لاحظ دلالات الأسماء المباشرة – ابنة الإقطاعى الجاهل ، والذى يأتى للفصل بصحبة الناظر ، الذى يتجاوز اختصاصاته ، ويعيث فى الفصل فسادا ، وحين يأتى وقت الراحة ، تحاول الفتاة أمل البحث عن من يقرضها لتشترى ساندويتش ، لكن يد أبيها تمتد بالطعام من بين قضبان الباب الحديدى ، وتحاول – هى المتفوقة – أن يدخل أبوها للمدرسة كما دخل والد سامية ، لكنها بالطبع تفشل ,,,
بناء شديد المتانة ، رغم تقليديته التى وصلت لتسمية الموجه مفتشا كما كان قديما ، لكنها أقامت البناء على عمودين متقابلين تماما ، الغنى والفقر ، البناء والهدم ، التعاطف الكاذب ، والجحود الظالم ، لكن نورا ضئيلا يشرق مع كلمات المدرس ( لم يبق إلا الإقطاعى الجاهل ) رغم أن كثيرين عايشوا هذه الحالة إلا أن الكاتبة نجحت فى اكتساب تعاطفنا معها ، واحترامنا وشفقتنا على بطلتها ، وانحيازها دائما ياتى عفويا ،والعفوية أجمل ما فى الفن .
فى القصة السابقة وفى قصة " جملة اعتراضية " تلجأ "سهام العربى " أيضا لضمير المتكلم ، بما يحمله من قدرة على الإقناع ، وكشف عن دواخل الناس ، ومن قدرة على إحداث التعاطف ، لأنه يجعل الحكاية المسرودة مندمجة فى روح المؤلف ، فيذوب الحاجز الزمنى ، بحكم أن المؤلف يغيب فى الشخصية التى تسرد عمله – كما يقول د. مرتاض .
ولذا فنحن مع الطفل وأبيه القاسى ، وهو يدفعه أثناء الأجازة للعمل تباعا ، فتبدأ القصة هكذا :
ـ دمنهور .. دمنهور .
ـ ارفع صوتك يا خرع .
صورة للأب القاسى ، فى أبشع حالاته ، سائق يجذب ابنه للعمل فى مجال غير متناسب مع الطفل ، بل يدفعه دائما لإشعال السيجارة ، وشد النفس الأول ، قبل أن يتلقاها الأب ، عمل الأب لا يعكس نظرة دونية لدى الكاتبة للمهنيين ، فقد رأينا صورة غاية فى النبل للأب البناء ، إنما القسوة تتعلق بمفاهيم تربوية لا علاقة لها بالعمل بالضرورة .
لكن الملاحظ أن الكاتبة تميل بشكل واضح للكتابة الميلودرامية الباكية الكئيبة الحزينة ، لمسة أنثوية ، رغم هجران الكاتبة لما سعت له بعض الكاتبة من " تأنيث كتاباتهن ، لذا فى قصة معذبة وعذبة مثل " أنا والعندليب " نرى الأم الأسيانة وهى تسعى لانتشال ابنها من الاستسلام للمرض والموت ، وتلذذه بألمه ، وهو يكتب فوق الأعمدة ( توفى إلى رحمة الله تعالى عصام درويش ويوقع بين قوسين حليم ) ولا أدرى سببا لهذه القصة التى انتهت أزمانها منذ أكثر من ربع قرن زمنيا وفكريا ، والعودة بالقص إلى لغة المنفلوطى وعذرية لغته التى وصفها المازنى بالميوعة . أما لغة " سهام العربى " فهى لغة فصيحة راقية جدا ، بسيطة جدا ، لا تقف فصحاها عائقا أمام التلقى البسيط للقارىء العادى ، والحوار دوما فصيحا مختصرا مركزا :
قال من بين لهاثه :
ـ سمعتها تبكى .
سألته فى شك :
ـ هل صعدت فوقها ؟
قال : أجبرنى رفيقى على تسلقها معه .
ـ ألم أنهك عن الذهاب إليها ؟
ـ قال إن ثمارها لذيذة .
وفى قصة " من ثقب إبرة " يبرز عنصر الحكى رائقا عذبا لديها ، وبنفس قدرتها الواضحة على الوصف ، مع لغة إيحائية ذكية ، تستقطب وعى القارىء حتى يتابع سيل الضمائر التائهة ، كذلك قدمت صورة الفتاة المجنونة ، بشكل طيب ، ولم تسقط ضحية الاستسهال فى تناول شخصية الفتاة ، بل اكتفت فقط بجملة واحدة
ـ رب موت ؟؟ تقصد يارب تموت .
بهذا الرقى اللغوى والفكرى قدمت الكاتبة مجموعة مميزة ، كاشفة عن كاتبة لها مشروعها ، لكنها تحتاج توسيع دائرة وعيها عبر قراءة أكثر عمقا ، لتضفر لغتها ورؤيتها بوجهة نظرها .
الجمعة 18/6/2010م .













الهوامش والمراجع
(1) سيد الوكيل – أفضية الذات – س كتابات نقدية – المقدمة .
(2) وليم فوكنر ـ الصوت المنفرد – ترجمة دكتور محمود الربيعى - هيئة الكتاب – مصر – 1993م صـ 23
(3) د. عبد الملك مرتاض – فى نظرية الرواية – عالم المعرفة – الكويت ديسمبر 1998م صـ 264
(4) السابق صـ 184.
(5) نقلا عن أصوات مصرية فى الشعر والقصة القصيرة – س أصوات معاصرة – يناير 2002م صـ 84
(6) روجيه جارودى – واقعية بلا ضفاف – ترجمة حليم طوسون ومراجعة فؤاد حداد – هيئة الكتاب 1998م صـ 147
(7) جان مارى شيفر – ما الجنس الأدبى – ترجمة غسان السيد – مطبوعات اتحاد الكتاب العرب – دمشق – صـ 16، 17.
(8) الصوت المنفرد ـ سابق ـ صـ 26
(9) عبد الله إبراهيم – المتخيل السردى – المركز الثقافى اللبنانى – 1990 صـ 9
(10) انظر دراسة "الحيوان الروائى " للباحث منشورة بمجلة "الفصول الأربعة الليبية " أغسطس 2009م صـ65
(11) د. محمود الضبع –الشعرى فى السردى – ضمن كتاب أسئلة السرد الجديد – هيئة قصور الثقافة 2008م صـ 372
(12) عن د. سيزا قاسم – بناء الرواية - الهيئة المصرية العامة للكتاب – عام 2004م صـ 104
(13) سامية أسعد/ القصة القصيرة وقضية المكان/ مجلة فصول/ المجلد2 العدد4 السنة1982ـ صـ 191
(14) الاقتباس عن بوتوبر نقلا عن كتاب " الرواية ايوم " تحرير مالكوم برادبرى – ترجمة أحمد عمر شاهين – الهيئة 2005م – صـ 9 وصفحات أخرى – بتصرف يسير . * البو : جلد الجمل الصغير يحشى بالقش ويقام أمام الناقة لتعتقد أنه وليدها لتظل تحنو باللبن ، وفى القصة جلد العجل الصغير ، وقد ذكر هذا التعريف الكاتب الراحل محمد مستجاب فى قصة بنفس العنوان – البو – نشرت ضمن مجموعة "قيام وانهيار آل مستجاب " نشرت بسلسلة أصوات أدبية نوفمبر 95 صـ 79
(15) ميخائيل باختين – الخطاب الروائى – ت محمد برادة – دار الفكر – 1987م صـ 60
(16) بناء الرواية – سابق – 39




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:29 am

المؤتمر الأول لسلسلة " أصوات معاصرة "
الصراع في قصص مصرية معاصرة.
بقلم : سمير الفيل
السرد في بعض النماذج القصصية التي سنتعرض لها في هذا البحث ينهض على مستويين . المستوى الأول يخص الاستخدام المباشر للغة ، القريب لذائقة المتلقي وخبرته . أما المستوى الثاني غير المباشر فيظهر في اللعب الفني في التعامل مع اللغة مما يجعل المتلقي بحاجة إلى التأويل ومحاولة الوصول إلى صرة المعنى، ومما لاشك فيه أن قوة التوتر ومدى ما يحمله النص من تموجات سردية عميقة له أثر كبير في حمل الخطاب مع نشوء صراع قد لا يبدو ظاهرا بين المعنى السطحي والمعنى المضمر المتأصل في الجوهر ذاته.
يبدأ الناقد عمله بتفكيك بنية الحكاية ومحاولة الوصول إلى مادتها الخام مع تحليل أوجه الصراع بين الشخصيات ، والتي عليها ينهض القص بمفهومه الحديث.
ولاشك أن الصراع داخل النص القصصي هو عنصر حاكم وشديد الأهمية في تشكيل بقية العناصر الفنية ؛ فهو الذي يمنح العمل تفرده وتميزه، ويحقق نجاحه في الوصول للمتلقي .
• الصراع مع الماضي في " ابتسامة كريستال "(1) لسلوى الحمامصي :
هي دورة الزمن ما تقصه الكاتبة في عملها السردي فتبدأ اللقطة الأولى بمشهد الجدة ، وهي تجلس لتحيك من خيوط النسيج قطعة ملابس للمولود القادم . إنها الجدة التي عاشت لتجاهد الحياة كي تصل إلى لحظة الطمأنينة تلك فترى حفيدها الصغير يأتي إلى الدنيا وسط فرحة الأهل وبهجة الأقارب .
وهي لحظة نقيض لمشهد مغاير مر عليه خمسة وعشرين عاما لزوجة توشك على الوضع ، وحيدة في سرير أبيض ، يشعرها بالوحدة و الفراغ ، وحين يظهر الأب في اليوم الثالث من الوضع تشعر به يخطو في بركة فتوره البارد ، حتى أنه لم يؤذن في أذن الوليدة كما تقضي بذلك الأعراف الشعبية . ربما لأنه كان يريد الولد وهي لم تسعفه به ، وربما لأنه ارتبط بامرأة أخرى فانطفأت البهجة في صدرها .
وهو ما توضحه لقطة أخرى ـ مثيرة للحنق ـ للزوج حين يمد يده بصورة شخصية لامرأة غريبة ثم يخبرها أنها زوجته الثانية . لحظة كاشفة ، تخلو من الإنسانية واللياقة ، وتشي بدونية ، وتنم في ذات الوقت عن قلب قاس ، ووجدان خشن فهي لحظة خاصة ، تحتاج للدفء والحنان لا الخديعة والقهر.
لذا تنطلق الكاتبة في رسم ظلال المشهد المأساوي حين تعود إلى عملها بعد انتهاء إجازة الوضع فتأتي زميلاتها مهنئات مهللات بالمولودة الجديدة فتخفي عنهن نبأ طلاقها حتى لا تزعجهن وتقع ـ هي ـ في شباك الارتباك . تكون التهاني في ظرف كهذا أقرب ما يكون بطعنات دامية تتجه إلى قلبها.
يدور الصراع هنا بين طرفين : الطرف الأول يمثله الزوج بمكره وغدره وهو يسلب الزوجة بهجة الأمومة بالانسلاخ عن عالمها في أدق مرحلة من حياتها حين تكون الولادة مقدم حياة جديدة .
الطرف الثاني هو الزوجة المطعونة في كبريائها ، والتي تميد الأرض تحت قدميها وهي تواجه مصيرها التعس . يدخل بؤرة الصراع الطفلة التي هي ثمرة العلاقة بين الزوجين فهي تواجه مصير مظلم بالرغم من كونها ليست طرفا في القضية الشائكة؛ فهي بالكاد ترى الأشياء مضببة في لفافتها القطنية .
الجدة عبر تيار التداعي تستعيد الحكاية كأنها تقوم بعقد مقارنة ما ، بين زمنين وبين واقعين ، إحداهما لماض قد ولى ، والآخر لحاضر يتشكل في ظروف أفضل كثيرا.
فالأب هذه المرة ـ زوج ابنتها الوفي ـ يكون حاضرا للولادة ، وينحني ليطبع قبلة على جبهتها الدافئة في حين تدخل الممرضة حاملة لفافة بيضاء يبزغ منها وجه ملائكي صغير . حين تضعه بين يدي الجدة تحمله بحنان وخشية كقطعة كريستال نفيسة ، ترسل إنعكاساتها الضوئية في كل مكان.
من هنا تستعير الكاتبة عنوان قصتها ، وهي عبر هذا الاختيار تعلن أيضا عن نفوس كبيرة ، تمتليء بالوفاء والخير في مقابل نفوس أخرى صغيرة ، غادرة ، لا تبث السكينة والطمأنينة لدى من يرتبط بها برابطة قدسية هي الزواج .
الحس الأنثوي يسيطر على أجواء القصة ، وأغلب نصوص سلوى الحمامصي في مجموعتها بها هذا الإحساس الرقيق بمعاناة الأنثى وامتهان كرامة المرأة ، لكن سردها ـ وللحق ـ يتسلل برقة وعذوبة عبر حدث أو حكاية أو طرفة أو ملهاة ، لذا يمكن القول أن الصراع الذي تشمله تلك القصة يمكن أن نرصده عبر أكثر من محور ، كالتالي :
ـ صراع بين الماضي الحزين الذي يمتد للحظة الآنية بكل ترديداته ، وبين الحاضر الذي يختلف في الأسباب والنتائج ، في التوجهات والمصائر.
ـ صراع قديم بين الأم التي وضعت طفلها وبين زوج لا يجد غضاضة في إخبارها بزواجه من أخرى في لحظة تحتاج فيها المرأة لمن يحنو عليها بكلمة مشجعة حانية، تطبب أوجاعها .
صراع بين جيل قديم من النساء كان يركن للصمت كلما ألمت به ضائقة ، فيضع كل شيء في كفة " القضاء والقدر" والرضا بالنصيب والصمت الجميل ، وبين جيل جديد تكتشف فيه المرأة قدراتها المتزايدة في مقاومة العسف والقهر، وعدم السكوت على ظلم بيّن .
ما أعتقده أن البداية التي جاءت موفقة بمشهد الجدة وهي تغزل ثوب الحفيد القادم كان معاودة لنسج حكاية من حكاية ، وقد يكون من اللائق هنا أن نشير إلى نوع آخر من الصراع بين لغتين في النص الواحد : لغة السرد المتهادية السهلة ، ولغة تجنح إلى الخشونة في استخدام ألفاظ توضح معنى الفجيعة حين يطال امرأة مسكينة ، لا حول لها ولا قوة.
سلوى الحمامصي في نصها تكشف عن انحياز تام للمرأة ، وتفاعل حميم مع قضاياها لكنها لا تشتط في تعاملها مع الأحداث بقدر ما تصيغ مواقفها في صرة حكائية منتزعة من الواقع ، وإن كنت اتأمل الموقف فأجد الرجل قد خان نفسه حين فرط في عطية السماء بعدما منحه الله طفلة جميلة فرفس النعمة مفضلا متعة جسدية عابرة.
إنه صراع آخر ، محتدم داخل النفس الإنسانية ولا تخلو قصص سلوى الحمامصي من النزعة الأخلاقية فهي تساند قضايا المرأة ، وتكشف ما تمر به من محن وأزمات طبيعة للحراك المجتمعي ( 2) ونجدها في نفس الوقت تعلن عن مواقفها الواضحة عبر اختيار نهايات قصصها ، وقد وجدنا الجدة تحتضن الصغيرة في لفتها كتعويض حقيقي لسنوات الجدب ، جاء من السماء كمكافأة لها بعد حقبة طويلة من المكابدة والمعاناة والألم. هذا ما فهمناه من النص ، دون ثرثرة أو لغو لا طائل من ورائه.


الصراع مع الذات في " عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لحسين علي محمد:
يحرص فعل الحكي في هذا النص على أن يبرز كيف للحدث المحوري أن يأخذ شكل الصراع عبر بنيات حكائية صغرى تعيد ترتيب الوقائع وتنضيد المواقف من خلال عملية استرجاع يقوم بها الراوي من خلال استخدام ضمير المخاطب .
الحكاية تنهض في مادتها الخام على علاقة حب طاهرة وبريئة بين بطل النص وبين زميلته ، ابنة مدرس التاريخ الذي يشكل الوعي الجنيني للطلاب ، ومن المحتم هنا أن نرصد أهمية الفترة التاريخية التي جرت خلالها الأحداث فهي تشير إلى ما بعد هزيمة يونيو 1967 حين دنس العدو الإسرائيلي أرض سيناء ونزلت مجنداته للاستحمام في مياه قناة السويس . كان صوت المعلم الأب يأتي قويا ، متخطيا حالة الانكسار ، مبشرا بالانتصار القادم لا محالة.
البطل من قرية ريفية صغيرة ، ومرجعيته كما سنرى شعبية ، بسيطة ، لكنها ضاربة في عمق التاريخ ، والفتاة متفوقة دراسيا ، وهي زميلة في المدرسة الثانوية ثم في فسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة في وقت لاحق .
من خلال عرض الأحداث التي تبدو كشذرات مهشمة نكتشف أن " حياة " ـ وهذا هو اسم الفتاة ـ قد ماتت في 15 مايو 1971 وهو زمن يوافق ثورة التصحيح التي قادها السادات ضد مراكز القوى ، ونكل فيها بخصومه ـ وقد كان منهم الولد الشقي محمود السعدني الذي توفى منذ أسابيع قلائل قبل إعداد تلك الورقة البحثية ـ وحين يقف الطالب الزميل أي البطل على رأس المقبرة يسمع صوت أستاذه ، وهو يهتف بأسى بالغ : أين ذهبت وتركتنا يا حياة ؟
لنلاحظ دلالة الاسم ؛ فحياة هي التي تموت في مفارقة لفظية وحياتية مثيرة للدهشة ، فلقد دهمتها سيارة طائشة في ميدان رمسيس ، وهي في طريق العودة إلى القرية بعد أن انتهت الامتحانات . حاول الزملاء إنقاذها لكنها فارقت الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى .
ظل التساؤل الذي يطارد الأستاذ هو : لماذا لم تعط الحياة فرصتها ل" حياة " ؟ وهو سؤال كما نرى خارج نطاق القدرة على الإجابة . لقد أراد الأب لابنته أن تواصل مسيرته في البحث والتنقيب عن تاريخ مصر . كانت الفتاة واعدة ، واعية ، مدركة لأهمية ما تقوم به ، وكانت نشيطة ، ثورية ، ملتزمة في سلوكها ومواقفها ؛ فهي تحرر صحف الحائط ، وتعلقها على جدران الجامعة ، كما كانت قادرة على أن تبصر النصر قادما على بعيد ، وللأسف من بعده يأتي الانفتاح حيث يصعد نجم " القطط السمان " فيغتصبون خير الوطن . أبصرتهم بثاقب بصيرتها دون أن تعاصر حضورهم الذي جعل ملامح الحياة في المحروسة قبيحة ، متردية . إنها بهذا تشبه زرقاء اليمامة التي أخبرت قومها بالأشجار تسير فكذبوها ، ودخل الأعداء مدينتها وخلعوا عينيها.
السرد في النص يأتي متمهلا ،لكن بإيقاع متسارع ، به نبرة أسى ودفقات لوعة ، وسوف نعثر على ملامح فتاة ريفية ، مرحة ، مستبشرة بالحياة رغم كل شيء . فهل جاء الموت نذيرا بالكارثة المقبلة أو مرهصا بفترة تحولات سياسية وانكسارات اقتصادية لصالح شرائح من الانتهازيين والطفيليين ؟
يبدو أن هذا صحيح إلى حد بعيد فمثل هذه الطالبة المتفوقة في دراستها ، والرومانسية في قراءتها حيث كانت تميل لمطالعة المنفلوطي ومحمد عبدالحليم عبدالله تسقط تحت عجلات سيارة مسرعة في حادث سير عبثي ، هو إشارة للروح العبثية التي ستسود الوطن فيما تلا ذلك من سنوات .
حين تنقضي السنون يذهب البطل لزيارة الأب المكلوم فيلاحظ وجود تجاعيد حول العينين في صورة الفتاة المعلقة على الحائط إلى جوار أبطال وزعماء الوطن ، ربما من آثار التراب على الصورة التي يؤطرها الحزن.
يتساءل الراوي عن سر صمتها ونظرتها الساهمة التي لا تغادر أفق الحجرة ؟
بعد مرور ثمانية وعشرين عاما يعاود اكتشاف أنها لا تبوح وتفضل الصمت ربما احتجاجا على ما يحدث على أرض الواقع .
كان الحب الحبيس في الصدر ينتظر فرصة البوح ، وقد راح يؤجله إلى ما بعد التخرج لكن الحادثة تقضي على المشروع في مهده . إن الزمن ينقضي ، وها هو في سن التاسعة والأربعين لم يتزوج كأنه ينتظرها في عودة أسطورية قد تزلزل قوانين الكون.
حديثها القديم بعذوبته ينبعث فيكاد يشك في أنها حية وأنها ستواصل البوح بما ترى وراء طبقات الغيب ، حتى تنقذ بني جلدتها من مصير مظلم، مؤلم .
نكاد نعثر في النص على ثلاث مستويات من الصراع.
المستوى الأول : يخص تلك العلاقة المسكوت عنها بين البطل الذي يحب الزميلة وبين ذاته ، فهو ينتظر اللحظة المناسبة ليبثها عشقه .
المستوى الثاني : يتمثل في ذلك الصراع الضاري بين الموقف الوطني الذي تمثله " حياة " وجيلها وبين سدنة النظام الذين يحرصون على مكاسبهم الشخصية بغض النظر عن مستقبل الوطن.
المستوى الثالث : يتحدد في هذا الصراع التحتي السري العميق بين الماضي بكل تداعياته وحكاياته المتفجرة بالمشاعر العميقة وبين حاضر يخلو من الفرح والأمل والصدق . يتولد إحساس قوي بالمحنة التي واجهت جيل صدمته الهزيمة ولم تسعفه حرب أكتوبر كي يعود له الشعور بالكرامة الوطنية ،والعزة القومية ؛ فثمة أعداء من الداخل لا يقلون وحشية عن أعداء الوطن من صهاينة وأمريكان ، وإن لم يحدد الكاتب ملامحهم لكن تأمل الفترة الزمنية بقليل من الجهد تسعفنا بالإجابة.
القصة التي كتبها حسين علي محمد في الرياض في 15 مايو 1997 تقع بين مسافتين تجعل من الحتمي أن يرى البطل الموقف عبر صيرورة الزمن فالتأمل هنا يمنح الحدث بعدا تأويليا فكأن الكاتب يقدم مرثية للزمن الجميل ، وحتى على مستوى تقنيات الكتابة يخلص الكاتب لغته من المعاظلة ويتجه للبساطة في التعامل مع الحدث عبر عين بصيرة وقدر من الصدق الفني الذي يجعلنا نشعر معه أننا افتقدنا زرقاء اليمامة حيث تضببت المرئيات وسرنا لا نرى الأشياء في حقيقتها بعد أن اختلت النسب وغابت الرؤية تماما.
سنعود للعنوان فنتوقف أمامه قليلا فنزعم أن " العرض الموجز " يمتليء بتفصيلات تجعل الفتاة " حياة " حاضرة رغم موتها المادي ، وهذا متحقق بالفعل ، فلم يكن الموت نهاية لحضورها بقدر ما شكل تواجدا رمزيا للفكرة التي مثلتها كواحدة من بنات جيلها الرافض للهزيمة والمنتظر بكل عنفوان الإرادة لعودة الإحساس بالمعنى ، والقيمة ، والكرامة .
نص يبدأ بأداة الاستفهام " هل" فكأن الكون كله يبدأ بالأسئلة ، ولا ينتهي بإجابات محددة ، نهائية ، حاسمة.

* صراع الإرادات في " الحقيبة " (4) لمحمد الحديدي :
لأسباب كثيرة يمكننا اعتبار تلك القصة ممثلة لصراع الإرادات بين قوى مختلفة التوجهات رغم الانتماء الواضح لعالم الطفولة .
الراوي هو بائع مياه غازية في سيارة أتوبيس ، وبينما هو يتنقل بين المقاعد تقع عينه على زميل الدراسة بمدرسة المنشأة الابتدائية في إحدى قرى بلقاس . عبدالكريم الديب هو التلميذ النجيب الذي طالما أشبعه رفاق فصله ضربا بسبب أنه كان ذكيا يحفظ الدروس فيما ينالون الأذى بالضرب على أياديهم الصغيرة في عز طوبة لتقصيرهم وبلادتهم . يصبح عبدالكريم رئيسا للفصل ، وتختاره إدارة المدرسة طالبا مثاليا لتفوقه ، وهذا لا يمنع التلاميذ من إيقاع الأذى به ، فيوميا ، وحين يكون في طريقه للعودة إلى البيت متأبطا حقيبته المصنوعة من القماش الرديء يتقدم منه عادل مصطفى المسمى بالعفريت لشقاوته ويخطف منه الحقيبة ويرمي بها في بحر " السماعنة " . لا يجد الطالب النجيب مفرا من التدحرج عبر شاطيء البحر ليلقي بنفسه في الماء ولا يخرج إلا وبيده حقيبته .
تكشف القصة عن مفارقة غاية في الغرابة فالتفوق في تلك البيئة الفقيرة المعدمة يكون عقابه قاسيا وعنيفا ، وهي نزعة طفولية موجودة فعلا لدى بعض الأطفال الذين يدبرون المقالب والمؤامرات الصغيرة للانتقام مما يلحق بهم من أذى جراء شيء لا إرادة فيه للطالب المتفوق . وكأن عدالة السماء تقوم بفعل التعويض ، ومهمة الإنقاذ ففي إحدى المرات التي يلقى فيها الزملاء الحقيبة المصنوعة من القماش في البحر ينزل الطالب لينقذ أشياءه فتعلق يده بصرة من القماش ، وحين يعود بها إلى أمه وتفكها تجد كمية من المصوغات ، تبيعها وتترك الأسرة " فاقوس " ليستقر بها المقام في " الزقازيق " ، وبهذه المصادفة الغريبة تتحسن أحوال أسرة عبدالكريم ، وحين يلتقي به الراوي بعد سنوات طويلة ، يكون قد صار أستاذا بكلية الحقوق جامعة الزقازيق.
هي قصة تقترب في مصادفاتها القدرية مما نجده في حكايات " ألف ليلة وليلة " حيث يتداخل الواقعي بالخيالي ، وتقترب القصة في خطابها من نزعة الحكمة الأخلاقية حيث الخير العميم عاقبة الشخص الصابر المثابر في الوقت الذي يكون فيه الراوي مجرد بائع مياه غازية يقترب من حدود الكفاف.
في القصة جوانب مختلفة من الصراع تتداخل ، وتتشابك ، كما يلي:
وجه أول : الصراع بين الطالب الذكي من جهة وبين بقية تلاميذ الفصل المتبلدين من جهة أخرى ، والذي يصل إلى حد الإيذاء الجسدي حتى أن أمه تصرخ بهم، وهم يطاردونه : إنه يتيم ، إرحموه.
وجه ثان: الصراع الداخلي بين الطالب الذكي وبين نفسه حين يكتشف وجود " محمد الغلس " فلا يشحذ أفكاره للانتقام منه ، بل يتعامل معه تعاملا حضاريا حين يمنحه ورقة مالية فئة المائة جنيها. إنه يتعالى على جرحه القديم بنفحة كريمة تعلن عن معدنه الطيب.
وجه ثالث : يتبدى في محنة الفقير في القرية المصرية فهو يبحث عن تسريب مشاعره لدى خصوم افتراضيين حيث يمرر سخطه عبر أفعال المناوءة والإيذاء لدى من يقلون عنه قوة .
وجه رابع: يتشكل عبر الزمن فالحكاية الجنينية الصغرى تنفلت من داخل واقعة عصرية بعد أن دار الزمن دورته فيخلص الراوي الزمن من عكارته ويلج الماضي كذكريات مطوية محاولا بث روح الحياة فيه ، والمفترض أن يكون رد الفعل مساويا لمقدر الألم القديم غير أن التعالي على تفصيلات المحنة تحيل المسألة كلها لمنطقة الطفولة التي تحتمل كل النقائض من براءة وفظاظة ، من طيبة وشر ، من تعاطف ومكائد.
إن " الحقيبة " في نفس الوقت تمثل رمزا للحيلة القدرية التي تحدث انعطافة قوية في حياة الأشخاص لكنها تعبر في ذات الوقت عن عتبة لتجاوز الفقر كأنه نداء من السماء لمكافأة المجد عن جده ومعاقبة المخطيء على أفعاله حين يتحسر لعدم وصوله لنفسي المركز المرموق أو ما يقاربه قيمة ومنزلة .
يتوقف الأتوبيس في محطة الزقازيق ومع النفحة المالية يضع الأستاذ الجامعي قبلة حنونة على وجه الراوي ، وهو ما استغربه فعلا لأنني أتصور أن الوصول لهذا المنصب الرفيع له مقتضياته . ربما يصبح مدخلا للتعاطف مع من هم في أسفل السلم الاجتماعي لكن الأمر لا يصل إلى حد رفع الكلفة كما أعتقد.
ولا يغيب عنا النزعة الأخلاقية التي تؤطر القصة ، وتصب في تيار النصوص التي تحمل خطابا يقترب من حدود الحكمة التي تصبح مثلا شعبيا داعما لأفكارنا الأساسية عن العلاقة بين الأضداد فالخير يحقق لصاحبه الأمان فيما الشرير يحصد مرارة الحنضل ، قولا وعملا.
نأتي للعنوان الذي جاء موفقا ، وفيه شبهة ترميز ف" الحقيبة " هي الشيء المغلق الذي يحمل أسرارنا ، وأوراقنا وأقلامنا ، وهي في ذات الوقت دليل على الخصوصية التي ظلت تنتهك على يد الصغار حتى جاء الفرج بعد الشدة حسب التعبير الشائع في التراث العربي ممثلا في " ألف ليلة وليلة (5) درة الكتابات العربية الأصيلة.
* الصراع الداخلي في قصة " صفية " (6) لحسني سيد لبيب :
يمكننا تمييز الصوت السردي الرئيسي في النص عبر حكاية تقترب من مفهوم القص التقليدي . فبطلة النص مات أبواها وهي في سن الخامسة عشرة ، مما جعلها تذهب لتعيش مع عمها مجاهد الذي يربي خمسة من أبنائه تربية صالحة ، وقد تأقلمت في بيت العم ، وهو أراد أن يكمل رسالة شقيقه الراحل بمواصلتها التعليم.
لا يحب عمها أن يجرح كرامته إنسان ، وقد ظهر هذا عندما عاتبه جاره مسعود على معاكسة ابنه أحمد لابنة جاره، سعاد. لقد راح يؤنب ابنه على ما فعله ، وفي توقيت متقارب تتعرف صفية على صديقة لها اسمها ياسمين تسكن مصر القديمة حيث مسقط رأسها . تثور " صفية " على وضعها في بيئة محافظة ، مثقلة بالعادات والتقاليد ، وتنتقل للعيش مع عمها سعيد الذي يمثل الوجه الآخر من الحياة فهو متحرر من العادات الاجتماعية ، ويساير عصره كما يشغل مركزا مرموقا بصفته مديرا عاما بمخازن إحدى الشركات مما يدر عليه ربحا كبيرا. إنه يقيم الحفلات التي ترتادها الشخصيات البارزة ، وتبهرها الحياة الجديدة بصخبها وضوضائها وهنا تنتبه لأهمية التغيير بدلا من الحياة الرتيبة التي تعودتها في بيت العم مجاهد.
تسنى لها أن تتعرف على شاب اسمه " نبيه" يرافقها في حفلات السينما والمسرح ، ويخطف منها قبلة تجعلها تظن أن خطوبته لها قد صارت قريبة لكنه يواجهها بحقيقته المخادعة . لقد بلغت العشرين وتخرجت وعملت في الشركة التي يعمل بها عمها . هناك تلتقي مصادفة بزغلول الجار القديم ولا تحفل كثيرا بما يمثله من قيم مثالية قديمة كانت إلى عهد قريب تتمسك بها ، وصار لزاما عليها أن تهجرها لترقى لطبقة أخرى .
بعد تخلي نبيه عنها تنخرط في بكاء مرير ولم تجد من يخفف عنها أحزانها سوى زغلول الذي كان قد سبقها لاكتشاف خواء العالم الذي صدمه فانتبه لأهمية أن يخلص نفسه من شروره ، بالانحياز للقيم الأصيلة التي تربى عليها .
بضربة حظ تعتمد على المصادفة يقترب زغلول منها في لحظة ضياع أملها في الاقتران بالشاب الوسيم الذي يمثل لها الفتى العصري " المودرن " ، ويكون عرض الزواج الذي قدمه لها زغلول متسقا مع طبيعتها الفطرية فهي توافق على ذلك العرض ، وتنتشل نفسها من عالم الضجيج والنفاق حيث تخفي القشرة الحضارية الزائفة ممارسات عقيمة ترفضها من داخلها ، لتعود لبيت العم مجاهد بكل ما فيه من أصالة وصدق وقوة انتماء.
لا يغيب عن بالنا النبرة الوعظية التي تتسلل في فضاء القصة ، والنفس الروائي الذي شحن النص بتفصيلات عديدة ، كذلك السرد الخطي الذي يتمهل في تعقب الزمن وصيرورته ثم في ملاحقة الأحداث بحس تبريري ينفذ الفتاة من شرور أفعالها في اللحظات الأخيرة.
أما عن الصراع فيبدو عبر مستويات متشابكة ، تسير جنبا إلى جنب في النص ، قد تتلاقى ثم تعود للانفصال التلقائي:
المستوى الأول هو الصراع المعلن والواضح بين عالم العم مجاهد الفطري النقي ، الطيب ، المحافظ وبين عالم العم سعيد بتحرره وحفلاته وانطلاقاته.
المستوى الثاني ويتمثل في الصراع الداخلي بين الرغبة في الاقتران بزميلها القديم زغلول وبين رغبة مضادة توشك أن تسقط خلالها في براثن الشاب الوسيم الذي يتلاعب بقلبها ويعبث بمشاعرها.
المستوى الثالث ، ويتحدد في التساؤلات العميقة التي تصطرع في أعماقها حول مفهوم الحرية والشرف والرغبة العارمة في عدم الاستسلام لقدرها بالقفز فوق طبقتها والانتماء لطبقة صاعدة ترى فيها خلاصها غير أنها سرعان ما تخذلها، فتنفر منها تماما .
المستوى الرابع : يدور بين ولائها التلقائي للعم الطيب مجاهد وتربيته الواعية لأبنائه وبين نفورها من روتينية الحياة وضيق أفقها.
هنا يعلن الكاتب عن انحيازه للجانب الأخلاقي فهو يجعلها تخسر كثيرا بالتعرف على الشاب نبيه بوسامته وشعره الناعم الطويل وقامته الفارعة فيما يكون الحل الموفق مع زغلول الذي لا تصفه القصة بأكثر من صفات معنوية كالتدين والالتزام والحدب على معارفه القدامى.
العنوان الموجز والدال الذي اختاره الكاتب هو "
صفية " ، يحمل اسم بطلة النص ، وفيه إيحاء بالاصطفاء فبطلته تعبر تعبيرا واضحا عن مواقفه من القضايا المعاصرة فهي تجسيد حي لتلك المنطقة الغائمة التي تبحث فيها الفتيات عن اقتناص الفرصة المناسبة كي تعثر فيها على خلاصها الشخصي ، متخطية ظروفها وسقف معيشتها الواطيء .
اختيار أسماء الشخصيات الأخرى بالقصة فيها ايحاءات ودلالات لا تخفي عن فطنة القاريء فمجاهد تعبير عن مجاهدة النفس لكل المغريات فيما " سعيد" هو من يرفل في سعادة مزيفة بلا قيمة أصيلة . وصديقتها " ياسمين" تدل على رائحة ذكية ، وفي أفعالها إغراء ما ، وهكذا. النص الذي نشر في مجلة " الثقافة " بتاريخ يونيو 1978 ينتصر للقيم الأخلاقية ويرفض المغامرة غير المأمونة العواقب ، ويتصف بتقليدية الحكي وخطيته ، وبتنامي الصراع عبر خيوط متشابكة ألمحنا إليها غير انه يلزم الاعتراف أن الشباب الذي يعيش اللحظة الراهنة في سنة 2010 ، والتي أكتب فيها هذه الدراسة قد صار أقرب للمغامرة واجتراح آفاق جديدة للتفاعل الحر مع العالم ، ونفض العوالم القديمة حيث الحياة مرتبكة والعلاقات الإنسانية قلقة ، وهذا لا يسقط بالقطع العنصر الأخلاقي ، لكن يضيف إليه وبقوة العناصر الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية ، وكلها عناصر مهمة ، ملحة ، تؤدي لمفاهيم جديدة في النص السردي ، وفي الحياة .
* صراع الموت و الحياة في قصة " نقوش على جبين الأيام " (7) ، لوائل وجدي
منذ الكلمات الأولى للنص يتمثل لنا الوجه المضيء للجد ، وقد راح الحفيد يستعيده متخطيا عتبة الزمن ، متوغلا في دقائق الماضي ، منحازا لتيار التداعي الذي تسوقه ذكريات لا يمكن أن تنسى جمعت بين اثنين من جيلين متباعدين : الجد والحفيد .
الزمن المراوغ ينصب شباكه وتبدأ الضربة الأولى للقص مع سقوط سماعة الهاتف من يد الحفيد الذي يقوم بدور الراوي فهو حين يعلم بالنبأ ترتعش أطرافه وتتشابك الرؤى في عينيه ويضع رأسه بين راحتيه وقد استسلم لمنطق الاستدعاء وصوت العجوز يترقرق متهاديا: متى تزورني؟
كان يعلم أن جده يستشرف دنو أجله ، ورغم ذلك فالابتسامة العذبة لا تغادر وجهه ، وهو ـ أي الحفيد ـ حين يمد يده بمفاتيح سيارته يقفز طاويا درجات السلم لتلسع وجهه نسمات الهواء الشتوية ، وبوصوله إلى الطريق الزراعي يبدأ المطر في الهطول ، وهنا تروح " المسّاحات " تزيل القطرات من فوق الزجاج ، الرؤية عن ذكريات عزيزة جمعت الجد بحفيده.
كانت البلدة في انتظار إجازاته الصيفية كي يأخذه إلى الحقول ويركب ( الحنطور ) ، مستنشقا نسمات الهواء المعبقة برائحة زهور البرتقال واليوسفي ، تطالعه الخضرة على امتداد الأفق .
الجد يمثل حياة فطرية عامرة بالمشاعر الودودة ، وهو يمتلك كنز لا ينضب من الذكريات ففي نفس البلدة يجلس تحت شجرة الجميز يرقب الساقية وهي تدور ، ويتصنت اندفاع الماء في " القناية " يصيخ سمعه إلى الخرير ويتساءل سؤال البراءة الأولى : هل يجد أسماكا؟
عالم الجد مكتنز بالسحر وبدايات المعرفة والحفيد يبدو في تأملاته متلمسا الحقائق في طلوعها وبوحها بأسرارها.
علاقة شديدة الخصوصية بينه وبين هذا الجد الذي يحمل داخله بكارة الأشياء ، ورقة الأحاسيس .
نتعرف على سمات الراوي فنكتشف انه يحب قراءة الروايات والقصص ، ففي يده كتاب يغذي وعيه وهو في هذه القصة بالذات يقرأ ملحمة " الحرافيش " لنجيب محفوظ بلغتها الرقراقة وما تتميز به من براعة في نسج الأحداث .
هنا إشارة إلى نوع من تواصل الأجيال فعلى المستوى الحياتي يتواصل الابن المثقف بالجد ، وعلى مستوى عوالم الابتكار والكتابة ثمة تواصل بين حكي وحكي مع وجود عنصر حاكم في العلاقتين هو شيوع نوع من التقدير والاحترام مع اختلاف سمات وملامح كل جيل عن الآخر.
الصراع في النص يمكن رصده عبر مستويات متدرجة نلخصها في الآتي :
المستوى الأول : وهو صراع شديد الوعورة بين الحياة بما تمور به من مسرات ومتع وبين الموت الذي يفضي إلى صمت لا كلام بعده.
المستوى الثاني : ويخص الأصوات التي هي إشارات وعلامات للتواصل بين الجد وحفيده وبين الصمت الكامل منذرا بفناء نهائي متمثلا في صمت الجد.
المستوى الثالث : ينشأ من لغة إشارية ، متقشفة ، مقتصدة ، يتوسل بها الكاتب ليشكل نصه السردي وبين مرجعية سردية ناجزة ومكتملة تطل علينا من بين ثنايا نصوص قديمة منها " الحرافيش " على سبيل المثال. وهو صراع مضمر وغير علني لكنه يتأكد مع نص قصير ، مكتنز بالمشاعر الفياضة ، يلمح أكثر مما يصرح ، ويبعث شفرته لكي نفهم ما وراء الكلام من معان جسورة.
في شهر رمضان ألف أن يتبع جده قبل الغروب وهو يعد أكواب العرقسوس ، وبعد الإفطار يتبعه وهو يقرأ القرآن ، ويقوم باصطحابه إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح عند العودة وقتها يجد الحجرة الكبيرة وقد امتلأت بالزائرين وثمة شيخ يتلو القرآن الكريم.
يستمع مع جده إلى المسحراتي بصوت الشيخ سيد مكاوي تلك الحلقات التي كتب أشعارها فؤاد حداد فالماضي لا يتجسد هنا مجردا من تفصيلاته بل يأتي معبقا بذكريات مشحونة بالدلالات وهو ما ينجح فيه نص وائل وجدي الذي يعثر في ثنايا الموت ذاته عن ظلال حياة . وتكون نهاية النص مع مشهد غاية في البراعة فقد بدا الطريق معتما مما يجعله يضيء المصابيح ويلمح العلامات الإرشادية التي تشي باقتراب البلدة . يهرع لداخل البيت الكبير ويتأمل الوجوه المألوفة ورائحة المسك تملأ المكان. يقترب من جسد جده المسجى ، يلثم جبينه ، والدموع تفيض من عينيه .
لقطة تحمل الخشوع وتفيض بكثير من المعاني النبيلة ، لقد رحل الزمن الذي كان يبعث داخله الاطمئنان والشعور بالأمن.
تبدو في طيات النص مرثية للزمن الآفل ، ومع هذا الرحيل يشعر بالاغتراب والوحشة فالزمن الذي يعيشه لا يحمل له خيرا كثيرا.
نتوقف أمام عنوان النص " نقوش على جبين الأيام " وهي جملة تجمع بين فكرة النقش القديم الذي يثبت تاريخ اللحظة وبين الأيام التي تراوغ البشر في تحولاتها المذهلة.
بنية النص الأسلوبية متقشفة لغويا ، مقتصدة في طرح العلاقات ، ولا تخلو من مسحة شعرية تميز كتابات وائل وجدي الذي يدعو في جل كتاباته لفكرة النبل الإنساني ، ومعنى التواصل بين مختلف الأجيال وهو ما يتضاد مع الأفكار السقيمة التي تقول بموت الأب وقتله إن كان ذلك ممكنا : بلاغة وترميزا.
تكاد النصوص السردية التي اختيرت من خمس مجموعات قصصية تشترك في بعض السمات المشتركة التي نحاول رصدها بقدر من الإحاطة والاجتهاد هنا ، مع وجود مساحات للاختلاف والمغايرة سنحددها في حينها : ـ إبراز جوانب التناقض في تحولات الحياة فالواقع غير ثابت والحركة تغير الكثير من العناصر التي كانت إلى عهد قريب لا تعرف التغير ولا تميل للتحول.
ـ الأحداث هي صرة العمل السردي ، وقد تأتي تلك الأحداث ظاهرة ، واضحة ، تحدد معالم الصراع وتجسده ، وقد تختفي وتضمر في نسيج السرد لكن آلياتها تعمل بجدارة.
ـ مازال عمود السرد قائما على الحكي الكلاسيكي وإن تفاوتت درجات إعماله داخل بنية كل نص ، وثمة تبيان للأزمنة والأمكنة مما ينحو بالنصوص التي تم اختيارها للجانب الواقعي مع عدم إسقاط الجوانب الأخرى المؤثرة .
ـ المرأة حاضرة في النصوص بشكل لافت فهي في " ابتسامة الكريستال " صاحبة القضية المحورية حيث لحظات الميلاد الصعبة ، ومساءلة الواقع عن لحظات شاحبة سابقة ، وفي " عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " نجد الفتاة الجامعية تقود محاولة للتغيير غير أنها تختطف بالموت ، وفي " صفية " تتحرك البطلة للبحث عن خلاص من فتور العلاقات الإنسانية لدى العم مجاهد محاولة التخلص من طبقتها لكنها تصدم بما تجده من تصدع عند العم سعيد فيكون الرجوع موقفا معلنا ، وفي " الحقيبة" تغيب المرأة إلا قليلا فهي تظهر في موقفين . الأول حين تزجر الطلاب الصغار حين تراهم يضايقون ابنها اليتيم ثم وهي تحصل من عبدالكريم على صرة المجوهرات ، فتذهب لبيعها وتفك كربتها منتقلة من شريحة اجتماعية فقيرة لشريحة أخرى أقل تعاسة ، وفي " نقوش على جدران الزمن" يحتل الجد بؤرة الحدث فيما يغيب الآخرون ؛ فالاصطفاء مقصود لغايات سردية.
ـ إن من ينعم النظر في تلك التجارب السردية يجدها تمتح من الحياة ، وتوظف الجانب المعرفي الذي سبق تمحيصه خاصة في النصوص ذات النزوع الاجتماعي.
ـ يستفيد كاتبان من لغة الشعر المكثفة ، وهما حسين علي محمد ووائل وجدي فيما تتسع قماشة السرد لدى سلوى الحمامصي للتأمل مع توظيف مفردات من الأغنية المصرية داخل نصوصها . أما حسني سيد لبيب فهو يتعامل مع القص بنفس حكائي يلخص ويوجز ، ولا يستقطر الدلالات ولدى محمد الحديدى قدرة على بسط لغة بسيطة بلا نتوءات.
ـ يبدو الموت حاضرا بقوة في نصوص كل من حسين علي محمد حيث تتشكل مادة القص بعد رحيل الفتاة وعند وائل وجدي تبدأ القصة بخبر موت الجد ، وربما بدا الموت معنويا كما نجد عند سلوى الحمامصي حين يهجر الأب زوجته لكونها وضعت أنثى، وعند الحديدي يكون الموت قد انتهى من عمله قبل القص بموت الأب وتيتم عبدالكريم .
ـ تسيطر المادة التاريخية كهزيمة يونيو 67 وحرب أكتوبر 73 على نص حسين علي محمد وهو جزء من النسيج السردي يمنح النص قيمة باعتبار المادة الوثائقية تشكل أرضية لإبراز الحدث .
ـ المفارقة سمة لدى بعض قصص الكتاب فعند محمد الحديدي يختفي الطالب الفقير سنوات وعندما يعود يكون أستاذا جامعيا فيما تبرز المفارقة بظهور رفيق دراسته كبائع " كازوزة " فقير. وعند حسين علي محمد تبدو المفارقة من منظور آخر ، ف" حياة " الطالبة الثائرة الرومانسية في قراءتها تموت ميتة دامية ، عنيفة تحت عجلات سيارة مسرعة ، وهكذا.
ـ يمكننا التعرف على معتقدات الكاتب وطريقة نظرته للحياة من خلال دراسة سلوك الشخصيات ، وتبدو القصص المختارة في غالبها محافظة في مضامينها ، أخلاقية في خطابها ، وشخصياتها لا تنحو لمغادرة المألوف وحين تفكر شخصية مثل "صفية " في ذلك تنال عقابها فورا فترتدع.
ـ البعد الريفي يظلل أغلب القصص التي اخترناها وقد يعود ذلك لجذور الكتاب فهم يغترفون من معارفهم والحقائق الأولى التي شكلت وجدانهم.
ـ تقدم القصص كلها بإيقاع متوازن وإن وجدنا عنصر التسارع في قصتي " ابتسامة الكريستال " و" عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " ويرجع ذلك لطبيعة التقنيات التي يوظفها الكاتب في الانتقال السلس بين الأزمنة المختلفة وهو ما يتحقق إلى حد ما في قصة وائل وجدي .
ـ ما يثير الاهتمام أكثر من أي شيء هو اختلاف الكتاب في أدواتهم وأساليبهم وموضوعاتهم فلكل منهم سمته السردي ، وطريقة معينة في الأداء ، وهذه واحدة من الإيجابيات التي لمسناها في المجموعات الخمس . ـ تشكل أغلفة الكتب مادة جمالية إضافية للنص ، وقد رتبت المجموعات طبقا لمستوى التشكيل الجمالي للغلاف كالتالي : مجموعة " أنشودة الترحال " للفنان أحمد الجنايني ، ويتبعها غلاف مجموعة " صحراء الأربعين " لنفس الفنان ، و" الكرة تختفي في الأعالي " لذات الريشة المبدعة ، و" الحنين" بدون توقيع فني وإن كنا نتوقع أن تكون للجنايني أيضا ، أما مجموعة " الدار بوضع اليد " لحسين علي محمد فهي لا تحمل لوحة وتكتفي بدرجات لونية للأخضر الضارب للصفرة.
ـ خلت المجموعات من وجود دراسات تصحب النصوص السردية باستثناء مجموعة " الدار بوضع اليد " فقد تضمن الكتاب قراءة مستفيضة للأستاذ الدكتور خليل أبوذياب ، كما تضمنت قراءات منقولة من بعض المواقع الألكترونية لعدد من الكتاب مثل مجدي محمود جعفر ، وفكري داود، والأخضر العربي ، والدكتور محمد حسن السمان ولحقت بمجموعة " صحراء الأربعين " دراستان لكل من الأستاذ الدكتور حسين علي محمد ، والأستاذ الدكتور خليل أبو ذياب ، وفي اعتقادي أن النصوص يجب أن تدفع للقارئ بلا مقدمات نقدية أو دراسات تمهيدية ، لتمنحه الفرصة لقول ما لديه دون مصادرة قبلية خاصة إذا ما هم بقراءة الدراسة قبل القصص ، ووقع في أسرها .
..........
وأخيرا فإنه من الضروري في هذا المقام أن أوجه التحية لهيئة تحرير " أصوات أدبية " (8) التي تحتفل بمرور ثلاثين عاما على إنشائها ، وقد تمكنت من نشر 330 كتابا أدبيا في مجالات متنوعة كالشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح والنقد الأدبي ؛ فهي تقدم بذلك خدمة أدبية جليلة لأجيال متعاقبة من الكتاب ، وقد شرفت بمناقشة بعض الكتب الصادرة عن السلسلة في عدة مؤتمرات أدبية وندوات ثقافية ، وأعتبر هذا العطاء المتواصل بلا كسل أو توقف أمر جدير بالتقدير والامتنان.
هذا وبالله التوفيق..
دمياط في 21 /5/2010
هوامش :
1ـ من مجموعة " صحراء الأربعين " ، قصص ، سلوى الحمامصي ، أصوات معاصرة ، العدد 128، 2004.
2ـ سبق أن قدم الباحث دراسة حول تلك المجموعة ألقيت في مقر اتحاد كتاب مصر بمقره بالزمالك بالاشتراك مع الكاتبتين القاصة والشاعرة الدكتورة عزة بدر والروائية سلوى بكر.
3ـ من مجموعة " الدار بوضع اليد ! " ، قصص قصيرة ، د. حسين علي محمد ، هبة النيل العربية للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2007.
4ـ من مجموعة " أنشودة الترحال " ، قصص قصيرة ، محمد الحديدي ، أصوات معاصرة ، العدد 152، 2005.
5 ـ نكتب هذه الدراسة مع تردد أصداء الدعاوي القضائية التي رفعها مجموعة من المحامين تطالب بمصادرة نسخ "ألف ليلة وليلة " التي صدرت طبعتها الجديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وهو المطلب الذي نراه تعسفا في استخدام القضاء في محاولة لمحو صفحات مشرقة من ديوان السرد العربي الذي استفاد منه كتاب من الشرق والغرب على حد سواء.
6ـ من مجموعة " الكرة تختفي في الأعالي " ، قصص ، حسني سيد لبيب ، أصوات معاصرة ، العدد 130 ، 2004.
7 ـ من مجموعة " الحنين " ، قصص قصيرة ، وائل وجدي ، أصوات معاصرة ، العدد 94، 2002.
8ـ تأسست " أصوات معاصرة " سنة 1980 ، وقدمت للساحة الأدبية الكثير من المبدعين الذين ينشرون لأول مرة كما اهتمت في نفس الوقت بتقديم كتابات أدباء متحققين لهم حضورهم ، والسلسلة تصدر من " ديرب نجم " بمحافظة الشرقية ، وهي تذكرنا بسلسلة أخرى عريقة هي " أدب الجماهير " التي يصدرها فؤاد حجازي من المنصورة عاصمة الدقهلية .








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:32 am

الإبداع الشعري
في أصوات معاصرة



البنية الإيقاعية.. دراسة في دواوين شعرية
دراسة وصفية
بحث مقدم للمؤتمر الأول لسلسلة " أصوات معاصرة " بالشرقية
د. محمد سالمان

كثيرة هي السلاسل التي تهتم بنشر الإبداع الأدبي ، شعرا ونثرا ، فالمتتبع لحركة النشر في مصر – مثلا – يجد أسماء سلاسل اهتمت بنشر الإبداع الأدبي،ككتاب المواهب ،وكتاب الطليعة ، وسلسلة إشراقات أدبية ، وكتابات جديدة ، وكتاب الغد ، وسلسلة إبداعات ، .... الخ . وعلى الرغم من كثرة هذه السلاسل فإن قليلا منها ما زال يؤدي دوره في الحركة الإبداعية ، ومن هذا القليل كانت سلسلة " أصوات معاصرة " التي استمرت في السير على الرغم من وقوف الآخرين ، وقد استطاعت هذه السلسلة أن تقدم إبداعا يرقى لرسم خريطة إبداعية للقطر المصري ، كما استطاعت أن تقدم أسماء لمبدعين أصبحوا رموزا للحركة الإبداعية داخل مصر وخارجها .
وفي هذا البحث يمكننا قراءة بعض الأعمال الشعرية المنشورة في سلسلة " أصوات معاصرة " قراءة إيقاعية ، تهدف لرصد الحالة الإيقاعية في المنتج المنشور داخل السلسلة وصلته بالإيقاع الشعري العربي ، قديمه وحديثه .
أما عن المادة موضع الدراسة ، فتتمثل في الدواوين التالية :
1. "بداية وقوفي" للشاعر سعيد أحمد عاشور
2. "للصمت ... والرماد" للشاعر يوسف عبدالعزيز
3. "عبرات الفجر" للشاعرة ليلى العربي
4. "أكتب لكم من عينيها" للشاعر إكرامي قورة
5. "لن يجف البحر" للشاعر بدر بدير
6. قراءة إيقاعية لقصيدة "القبو الزجاجي" للشاعر الدكتور صابر عبدالدايم
قبل أن نتحدث عن الإيقاع علينا أولا أن نسلَّم بأن الإيقاع مصطلح يتعصي على التعريف الدقيق، الأمر الذي يجعله على صلة وثيقة بالمتلقي، فالإيقاع لا يُدرك إلا فرديا أو شخصيا ومن خلال اللحظة الآنية، فما يدركه المتلقي (أ) غير ما يدركه المتلقي (ب) ، بل إن الشخص الواحد لا يُدرك عادة في النص نفسه ذات الظواهر الإيقاعية في قراءتين مختلفتين، ومرجع ذلك أن القراءة ترتبط باللحظات التي تقرأ فيها، وبالأشخاص وحساسيتهم وثقافتهم وتأويلاتهم (1)
والإيقاع ليس مجرد الوزن الخليلي أو غيره من الأوزان، وهو ليس حلية يُستغنى عنها، إذ لا غنى للوجدان أن يعبر عن نفسه من خلال الإيقاع الصوتي. كما أن تأثير الإيقاع أسبق إلى نفس المتلقي من الجملة الغنائية، ولهذا اعتمد الكهان في الجاهلية على السمع لمعرفتهم مدى تأثيره على نفس المتلقي وميله نحوه وساعدهم على ذلك أن حروف اللغة العربية تفي بالمخارج الصوتية على تقسيمات الموسيقى، وفيها التناسب المتدرج بين الحروف المتقاربة في النطق، وفيها ارتباط بين الوزن والمعنى (2).
كما ان كثيرا من الأسس البلاغية تعتمد على أساس موسيقي وإيقاعي، كما في الترصيع والجناس، والمقابلة، ورد العجز على الصدر، والتكرار ... الخ .
كما يلاحظ أن فطرة الإنسان تتأثر بالإيقاع الصوتي أولا قبل أن تدرك معاني الكلام، ولقد وجد الإنسان لذة في الإيقاع منذ زمن بعيد، وربما كان ذلك قبل أن يفكر في نحت الأشياء .
وإذا كان الشعر يُصنع من الكلمات لا من الأفكار، فإن الشاعر يعد شاعرا لأنه عبَّر(3)،وتكمن عبقريته في تخيّره للكلمة الدالة على حالته الشعورية والنفسية، معنى هذا أنه يفترض أن القصيدة توجد من العلاقات بين الكلمات كأصوات، وأن معناها إنما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر مما يثيره في بناء الكلمات كمعان، مع ملاحظة أن التكثيف للمعنى الذي نشعر به في أي قصيدة، إنما هو حصيلة لبناء الأصوات التي تثير في المتلقي المشاعر والأحاسيس فتذكي مشاعره وتلهب وجدانه، وهو ما أشار إليه حازم القرطاجني بقوله:"لشدَّة حاجة العرب إلى تحسين كلامها، اختص كلامها بأشياء لا توجد في غيره من ألسنة الأمم، فمن ذلك تماثل المقاطع مع الأسجاع، والقوافي .. ومن ذلك اختلاف مجاري الأواخر واعتقاب الحركات على أواخر أكثرها، ويناطقهم حرف الترنم .... " (4).
وعلى هذا فالإيقاع ليس عنصرا محددا، وإنما هو مجموعة متكاملة أو عدد متداخل من السمات المميزة تتشكل من الوزن والقافية الخارجية، والتقنيات الداخلية بواسطة التناسق الصوتي بين الأحرف الساكنة والمتحركة أو بين تضافر الحروف وتآلفها في المخارج والحركات ... الخ .




1 – ديوان " بداية وقوفي " للشاعر سعيد أحمد عاشور
يمكننا قراءة ديوان " بداية وقوفي " للشاعر سعيد أحمد عاشور على النحو التالي :
يضم الديوان ثلاثين قصيدة ، تتوزّع بين القصائد العمودية ونصيبها نحو عشر قصائد أي 33% من مساحة الديوان، بينما استأثرت قصيدة الشعر الحر بنحو 18 قصيدة بنسبة 60% من الديوان ، بينما انفردت قصيدتان بالمزج بين الشكلين ، وهما قصيدة " بركة من دماء الصبَّار " ، وقصيدة " قالوا" وذلك بنسبة تقترب من 7 % من مساحة الديوان .
ولو نظرنا إلى البناء العروضي للديوان لوجدناه على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
المتدارك 8 26.6%
الكامل ( بمجزوئه ) 7 23.3%
المتقارب 6 20 %
الوافر 3 10%
البسيط 2 6.6 %
الرمل قصيدة واحدة 3.3 %
الرجز قصيدة واحدة 3.3 %
إضافة إلى قصيدتين متعددة الأوزان ، تنتمي الأولى إلى بحر الرجز ، وبحر المتدارك وقد ازدادت مساحة المتدارك على الرجز.أما الثانية فتنتمي إلى المتدارك ومجوء الكامل، وقد ازدادت أيضا مساحة المتدارك (5) .
من خلال الإحصاء السابق يمكننا ملاحظة :
غلبة البحور الصافية على الإيقاع الشعري لدى سعيد عاشور ، إذ وردت نسبة البحور الصافية بنسبة 93.4 % من المساحة العروضية للديوان ، بينما وردت البحور المركبة بنسبة 6.6 % .
لم يستعمل شاعرنا من البحور المركبة غير بحر البسيط فقط
تمثل القصيدتان " بركة من دماء الصبار " و" قالوا " وهما ممزوجتا الوزن ، تمثلان صورة مصغرة للشاعر ، إذ احتل المتدارك فيهما الصدارة ، كما حدث في الديوان عامة .
ومن خلال الملاحظات السابقة يمكننا القول ، بأن الشاعر يمثل إيقاع عصره ، إذ أن المتأمل في الشعر المعاصر يلحظ سيطرة البحور الصافية على غيرها ، كما يلاحظ سيطرة الشكل الشعري – الشعر الحر – على الديوان، وهو ما يؤكد بأن الشاعر يمثل لبنة في جدار الشعر المعاصر .
وشاعرنا يجدد أدواته العروضية على الرغم من ثباتها الظاهر، آية ذلك قصيدة"حالة "وهي تنتمي إلى بحر الرجز ( /ه /ه//ه ) ( مستفعلن ) والمتأمل في القصيدة يلحظ أن شاعرنا يلجأ للخبن(حذف الثاني الساكن) فتصبح مستفعلن ـــــ مفاعلن .
والقصيدة سبع وعشرون تفعيلة، سيطر الخبن على عدد تفاعيلها بنسبة أكثر من 55 % من إجمالي تفاعيل القصيدة،أما التفعيلة الأصلية للبحر(مستفعلن )فلم تصل نسبتها إلى 25 % من عدد التفاعيل،إذ استعمل الشاعر تفعيلة(مستفعلان)كنهاية لبعض سطوره الشعرية، ومن هذه القصيدة قوله :
وكل ما نراه يوحي بالضجر
وكل ما تراه يوحي بالنفور
وكل ما حولي يدور
يا أيها المعلوم كن
كما تشاء أن تكون.
ومن أبرز عناصر الإيقاع في ديوان " بداية وقوفي " عنصر التكرار،وهذاالعنصر يمثل واحدا من أهم ملامح التشكيل الموسيقي في الشعر المعاصر، ويتخذ التكرار عند سعيد عاشور نمطين فقط، هما:نمط تكرار الكلمة،والآخر تكرار الجملة، ويمثل ذلك قصيدة "هل"التي يقول فيها :
لو أني قمت بوضع حصاة فوق الكف
وعكست أصابع كفّي الآخر فوق حصاتي
يأتيني إحساس أن حصاتي صارت إثنين
لكن العين تراها واحدة
هل تخدعني العين أم الإحساس ؟
وقديما قالوا إحساس اللمس يفوق
وكذلك إني والكون الماثل بين يديا
هل تخدعني العين أم الإحساس ؟
هل تخدعني العين برؤيا الليل ؟
هل تخدعني العين برؤيا الشمس ؟
هل ؟
هل ؟
هل ؟
الشاعر بدا في القصيدة متحيرا من زمنه ، بدا مشدوها ممن حوله، فلجأ للتكرار، تكرار الكلمة الواحدة وقد لجأ لتغير مكانها إيماء منه لتغير الأشياء، وتبدل الثوابت والمواقف .
لاحظ مثلا تكرار كلمة (الكف ) في السطرين الأول والثاني .
ثم لاحظ تكرار كلمة (حصاة ) في الأسطر الأول والثاني والثالث .
ولاحظ تكرار كلمة (العين) في السطرين الرابع والخامس .
ثم كلمة (الإحساس) في الأسطر الخامس والسادس والثامن .
ثم يلجأ الشاعر للنمط الثاني من التكرار، وهو تكرار الجملة، في الأسطر ( 8،9،10) حينما كرر جملة (هل تخدعني العين)، ولا شك أن الجملة المكررة تمثل شحنة شعورية ينطلق منها الشاعر،ثم يعود إليها ليؤكدها ويُلِّح في تكرارها عساها تصل للمتلقي كما في صدر مبدعها .
ويمكننا وفق هذه القراءة قراءة قصيدة " ستبحر روحي "و" بداية وقوفي " و"مرآة " وغيرها من قصائد .
ويبدو أن إلحاح شاعرنا على بنية التكرار أوقعته في عيب قافوي إذ كرر الكلمة الكلمة الواحدة ثلاث مرات في ثلاثة أسطر متتالية دون مبرر فني ، وذلك في قصيدة "ستبحر روحي"حينما قال :
إلى مقلتيك ستبحر روحي
ومن شفتيك بريق الكلام المحب لروحي
دعيني لصمتي وإبحار روحي
ليس معنى ذلك أن بالديوان هنّات موسيقية وهفوات قافوية،إنما هي في دائرة النادر الشاذ الذي يؤكد صحة القاعدة .

للصمت والرماد للشاعر يوسف عبدالعزيز :
يضم ديوان يوسف عبدالعزيز " للصمت والرماد " نحو سبع وعشرين قصيدة،من بينهم سبع قصائد عمودية، وذلك بنسبة 26% من مساحة الديوان، أي نسبة تزيد عن ربع الديوان،أما باقي الديوان فينتمي للشعر الحر، شعر التفعيلة .
وبالديوان قصيدتان تنتميان لقصائد تداخل البحور، أي أن القصيدة الواحدة لا تنسب لبحر عروض واحد إنما تنسب لأكثر من بحر، وهي سمة من سمات الشعر المعاصر، والقصيدتان هما، قصائد قصيرة التي تنتمي للمتدارك والرجز والكامل، وإن تفوق الكامل على الوزنين الآخرين، أماالقصيدة الثانية فهي قصائد قصيرة – للصمت والرماد – وهي تنسب للرمل والرجز، وقد تفوق الرمل على تفاعيل القصيدة .
أما باقي قصائد الديوان فهي كالتالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الرجز 12 44.4%
الرمل 4 14.8 %
المتدارك 4 14.8 %
السريع 2 7.4%
الكامل قصيدة واحدة 3.7 %
البسيط قصيدة واحدة 3.7 %
المتقارب قصيدة واحدة 3.7 %
المتأمل في النسب السابقة يلحظ ما يلي :
سيطرة الرجز على تفاعيل الديوان، وهي سمة يشترك فيها شاعرنا مع معظم شعرائنا المعاصرين، إذ غلب الرجز على ما عداه من أوزان في شعرنا المعاصر، وهي نتيجة توصل إليها كثير من النقاد (6).
غلبة البحور الصافية – أحادية التفعيلة – على البحور المركبة،إذ وردت البحورالصافية في الديوان بنسبة 88.9 % ، بينما وردت البحور المركبة بنسبة 11.1 %،ولم يستعمل شاعرنا من هذه الأوزان غير بحري"السريع" في قصيدتين وبحر" البسيط"في قصيدة واحدة،ويوسف عبدالعزيز في هذه النتيجة أيضا يمثل أبناء جيله من شعراء العرب، إذ سيطرت البحور الصافية على الساحة الإبداعية العربية وعلى قرائح الشعراء في هذا الزمن، وقد أشار إلى هذا غير واحد من النقاد كـ "نازك الملائكة" وغيرها ..
يلاحظ أن قصائد البحور المركبة في الديوان"ثلاث قصائد" وردت على الشكل الشعري العمودي، وهي أيضا ملحوظة ذكرتها نازك الملائكة أن الشعر الحر تجود فيه البحور الصافية دون المركبة .
القصائد العمودية بالديوان وعددها" 7 قصائد" انتمت قوافيها إلى حروف( ب – م – ر) وهي أكثر الحروف دورانا كقافية الشعر، وهو ما أشار إليه د .إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر .
وحيث أن الرجز هو الإيقاع المسيطر على أوزان الديوان،نلاحظ أن شاعرنا استفاد من كثرة زحافاته وعلله،الأمر الذي جعله يستعمل ضمن تشكيلاته " فعولٌ – فعو – مفاعلن –مستعلن – فعلان ... وغيرها"ويلاحظ أن الشاعر لم يستعمل التفعيلة الرئيسية للرجز إلا قليلا، ففي قصيدة "أغرودتان للحزن الأخضر"وصل عدد تفاعيل القصيدة نحو ثمان وثلاثين تفعيلة توزعت على النحو التالي :
21 تفعيلة مفاعلن //5 //5، و6قصائد مستفعلن بينما توزعت التفاعيل الباقية إلى تشكيلات أخرى،مثال ذلك قوله :
وبسمة ٍ
سكبتها في بهجة المساء
فأينع الخواء
بنفسي الجرداء
وبددت سيماءها الأنداء
وما صنعه شاعرنا في الرجز صنعه في المتدارك، ففي قصيدة " قصائد قصيرة "في المقطع الأول منها يقول :
( موجة )
موجة تحمل الزبدا
ورمال الشط تمدُّ يدا
تحتوي الكمدا
المقطع السابق يضمُّ تسع تفعيلات وتوزعت كالتالي :
5 فعِلن، 3 فاعلن (التفعيلة الرئيسية) وتفعيلة واحدة فعْلن .
مما يؤكد سيطرة الحروف المتحركة على المقطع ربما يوحي ذلك بتحرك الأمواج وعدم سكونها، وهو ما جعل الإيقاع يعضد الناحية الدلالية ويؤكدها .
والشاعر حينما يستخدم بحر المتدارك نراه يلجأ لتفعيلة مستحدثة على عروض الخليل، ولكنها تفعيلة شاعت في عصرنا الحالي ، وهي( فاعلُ /5 //) وينبغي القول أن كثيرا من النقاد يقبلون( فاعلُ) في حشو المتدارك وإن اختلفت رؤاهم حول تفسيرها (7)، ومن ذلك قول الشاعر :
ممتشقا صمتي ، ممتطيا ألمي
أدلف من باب الدمع
إلى بهو الحزن المتملك
كل بقاع حنيني وأهازيجي .
ومن التشكيلات الموسيقية في الديوان برز عنصر"التكرار"الذي يعطي دفقة شعورية من المبدع إلى المتلقي،مثال ذلك قوله في قصيدة "أطلي على"

أطلي علىَّ ببسمة عمري

أطلي على ببهجة صبري

أطلي ففي وجنتيك النهار

وفي مقلتيك قوافل نصري


لاحظ أن التكرار لم يتوقف على تكرار الكلمات فقط في (أطلي) إنما امتد إلى تكرار التركيب من خلال :
أطلي علىَّ ــــــــــ أطلي على
ببسمة عمري ـــــــــ ببهجة صبري
ففي وجنتيك ـــــــــ وفي مقلتيك
وهكذا لعب التكرار – أحيانا – عنصرا مهما من عناصرالتشكيل الموسيقي بالديوان،وإن كان أحيانا باعثا على الملل، مثال ذلك قوله في قصيدة " قصائد من وحي العصفور "
.....
ومعطي الأسماء رنة الحرية الحقيقية
يا سارق العصفور ، ساجن العصفور
قاتل العصفور
ناكرة
متى تجئ تحيى العصفور
تمنحه الحقيقة
إن تكرار الكلمات (العصفور – الحقيقة) إضافة إلى تكرار صيغة(اسم الفاعل) في ( سارق/ ساجن / قاتل / ناكر) يعطي إحساسا بالملل للمتلقي مما يبعده عن الدفقة الشعورية للمبدع.
وهذه الهنات لا تنقص من قدر شاعرنا، إنما هو يمثل بموسيقاه موسيقى شعرنا المعاصر،بما فيه من تجديدات وإيقاعات .

3 – " عبرات الفجر" للشاعرة ليلى العربي .
لست أدرى لماذا الشعر فن رجولي ؟! فقليل من النساء من يكتبن على أوزان الشعر المعروفة، وأقلهن من يكتبن شعرا بما تضمُّه هذه الكلمة من دلالات ومعان وإيحاءات، ومن بين تلك القليلات – ليلى العربي .
ويضم ديوان "عبرات الفجر" نحو إحدى وخمسين قصيدة .
وتنتمي معظم قصائدالديوان إلى الشعر العمودي،إذ وردت سبع وأربعون قصيدة من هذا الشكل الشعري، وذلك بنسبة 92.1 % من المساحة الكلية للديوان، بينما وصلت نسبة شعر التفعيلة إلى 7.9 % وذلك بعدد قصائد أربعة فقط، وهي رسالة الصمود "و"وداع"و" أسئلة "و"هراء" ، والطريف أن ثلاثا من هذه القصائد تنتمي لبحر الرجز .
ثم تأتي ملاحظة أخرى أن الشعرالعمودي من الديوان قد يأخذ شكل المقطوعات الشعرية لكل عدد معين من الأبيات قافية تغاير الأبيات الأخرى مع الالتزام بعدد التفعيلات الثابت لكل بيت شعري،كما في قصيدتي "أنشودة سحر وعزاء" و" مساء وخريف " ... وغيرهما . ففي قصيدة "نجوى قمر" – مثلا – تقول :
من شرفتي لاح القمر.. عذب الضياء
في مقلتيه عرائس ... ترنو صفاء
وبعدهما تقول: في ليلتي نسي الكرى ... شط العيون
فطلبت فجري ناعسا ... حلما حنون
ثم تنتقل لقافية (اللام) بعدها ثم (الراء) ثم تنتهي بال(القاف) .
وتارة تتخذ القصيدة شكلين مختلفين، وفق نظام هندسي ثابت ، من ذلك قصيدة " أشواق "، و" غروب ومطر" و " أنشودة البرق " و" أغنية الليل والفجر" ... وغيرها، ففي قصيدة "أشواق تقول: حبيبي يا منى قلبي ... تهادى العشق في دربي
ترفرف مهجتي تعلو ... على الآفاق والشهب
وتنهل من سنا فجر ... تألق بالهوى العذب
فأه منك أشواقي
ملأت الكأس للساقي
يلاحظ أن عدد التفاعيل في الأسطر الأولى ( أربعة ) ثم انتهت إلى تفعيلتين مع تغير القافية من (الباء) إلى (القاف ) ثم تكرر هذا الشكل ( تغير عدد التفاعيل في كل مجموعة معينة من الأبيات مع ملاحظة اتخاذهم قافية واحدة ) إلى أن تنتهي القصيدة
وتارة ثالثة تكون القصيدة العمودية كالشكل التراثي القديم الذي يلتزم عدد ثابت من التفاعيل في كل أبياتها مع الالتزام بقافية واحدة من أولها حتى نهايتها ، ويمثل ذلك قصائد " عبرات الفجر " و " نجوى قمر " و " دعني أحلق " و " رثاء شهيد " ... وغيرها ..
ولو جئنا إلى البناء العروضي في الديوان لوجدنا قصائده تتوزع على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الكامل 16 31.4 %
المتقارب 8 15.7%
الرجز 6 11.8%
الوافر 6 11.8%
الرمل 5 9.8%
البسيط 5 9.8%
المقتضب 3 5.9%
المتدارك قصيدة واحدة 1.9%
الخفيف قصيدة واحدة 1.9%
المتأمل في الإحصاء السابق يلاحظ ما يلي :
سيطرة البحور الصافية على إيقاع الشاعرة،إذ وردت نسبتها بنسبة 82.4% من إجمالي الديوان، بينما اكتفت البحور المركبة بنسبة 17.6 %،وهي في ذلك تمثل إيقاع العصر كما سبق أن أشرنا
على الرغم من أن شاعرتنا تمثل إيقاع العصر من سيطرة البحور الصافية على أوزانها الشعرية فإنها خالفت كثيرا من شعرائنا المعاصرين في اختيار الوزن الشعري، فإذا كان كل من الرجز والمتدارك يمثلان مكان الصدارة في الإبداع الشعري المعاصر(8). فإن ليلى العربي لم تركب هذين البحرين إلا في سبع قصائد وذلك بنسبة 13.7 % وهي نسبة قليلة مما يحتله الوزنان في الإيقاع الشعري المعاصر .
سيطرة بحر الكامل على إيقاع الديوان بنسبة 31.4 % تؤكد انتماء الشاعرة للتراث العربي القديم،إذ كان الكامل رابع البحور الشعرية استعمالا لدى الجاهليين، وذلك بنسبة 10 % ثم ثالث البحور استخداما في القرن الأول الهجري بنسبة 15.6 % ثم ارتقى إلى الثاني في القرن الثاني الهجري بنسبة 15.8 % ، ثم يصل أول البحور استخداما في القرن الثالث الهجري بنسبة 20.9 % وهو أول البحور استخداما لدى شعراء الإحياء بنسبة 26.33 %، وكذلك عند شعراء مدرسة أبوللو بنسبة 21.7 % (9) .
ملحوظة أخرى يلحظها قارئ الديوان، وهي وجود بحر المقتضب بنسبة 5.9 % وهو من البحور القليلة لدى الشعراء قديما وحديثا .
ثمة ملاحظة أخرى تجدر الإشارة إليها، وهي أن الشاعرة التزمت بالزحافات والعلل المجازة في كتب العروض، ولم تتعد – إلا قليلا – إلى تفاعيل مستحدثة، ومع ذلك، فقد اتخذت الشاعرة التفعيلة الرئيسية للبحر أساسا لقصائدها، وما عدا هذه التفعيلة يعد استثناءا، مثال ذلك قولها في قصيدة " أنشودة البرق والمطر "
دمدمي .. اعصفي .. يا رياح الشتاء
وانهمر يا مطر ... جاء وقت الخطر
ارعدي يا سماء ... ابرقي يا سماء
حان وقت الخطر... غاب حلم القمر.
* يلاحظ أن الشاعرة اتخذت من ( فاعلن ) أداة لبناء قصيدتها
ولم تتعدها إلى تفاعيل أخرى، على الرغم من أن المتدارك يجوز في حشوه ( فعْلن / فعِلن ) إضافة إلى ( فاعلُ ) المستحدثة كما سبق أن أشرنا .
وقد أولت الشاعرة القافية اهتماما كبيرا،فقد وردت نحو ثلاث وعشرين قصيدة من إجمالي الديوان موحدة القافية،وذلك بنسبة 45 % .
ويلاحظ أن حروف القافية وهي : ( ت 7 مرات ) ، و ( الراء 6 مرات ) ، و ( الهاء 3 مرات ) ، و ( الدال ، والهمزة مرتان لكل حرف )، و( الباء والنون والكاف مرة واحدة لكل حرف منها ) ... نلاحظ ان الحروف ( ت / ه / ك = 11 مرة، وهي حروف مهموسة ) . ، وحروف ( الراء /الدال /الباء / النون = 10 مرة، وهي حروف مجهورة ). فالشاعرة إذن وازنت في قوافيها بين حروفي الهمس والجهر، إيماءً منها بأهميتهما وتأثيرهما على المتلقي .
ومن ملامح التشكيل الإيقاعي أيضا – لدى الشاعرة – برز عنصر التكرار، والتكرار لديها يأخذ أشكالا عدة، أذكر من تلك الأشكال :
* تكرار صيغة حرفية معينة في القصيدة، كتكرار اسم الفاعل في قصيدتها "حلم .. بعيد السماوات " حيث تقول :
في خيالي هو نجم سابح في السموات
شاعر يسمو بأجنحة ندي الخفقات
فارس يروي جباه الأرض ينبوع الحياة
واهب العمر مخلد سامق لا للهنات
خاضع لله يخشاه ... رفيع الصلوات
لاحظ في المقطع ( سابح / شاعر/ فارس / واهب / سامق / خاضع ) ثم تستمر في صياغة قصيدتها معتمدة على اسم الفاعل في صيغته الثلاثية ( فاعل ) من خلال كلمات ( خاشع / حازم / فارس / شاعر / سامي / حائر / ساحر/ خالد ) . وهكذا فقلَّما يخلو بيت من أبيات القصيدة دون ذكر تلك الصيغة الصرفية .
وقد يكون التكرار تكرار صيغة صرفية أخرى ، كتكرار جمع التكسير في وزن (أفعال) كقولها في قصيدة " خفقات حائرة "
ويبقى الحب أنساما تريح القلب من تعب
وأزهارا بلا أشوك تهدي العطر للصب
وأقداحا لها أذنان مخبوءا بها طربي
وآملا .. وأحلاما .. وأنوارا من الشهب
فهل أصغى لنجواه .. وأحلام الهوى العذب ؟
لاحظ تكرار صيغة جمع التكسير بوزنها الصرفي (أفعال) في ( أنسام / أزهار / أشواك / أقداح / آمال / أحلام / أنوار / ... الخ "
وقد يكون التكرار بصيغة أخرى كتكرار الفعل المضارع في صيغته (أفعل) كما في قصيدتها "دعني أحلق"حينما كررت الفعل نحو ثلاث عشرة مرة. أو في قصيدة "رسالة الصمود"التي كررت فيها الفعل الماضي بصيغته (تفعَّلت) مضعف العين نحو إحدى عشرة مرة، من ذلك قولها :
تنبهَّت ... في هدأة الغسق
تأهبت ... تلملم الجراح
( ... ) تنفست ... تزيَّنت ...
ولا شك أن هذا الفعل بتلك الصيغة المضعفة ينقل الدلالة النفسية من المبدع إلى المتلقي لأنه يمثل رسالة الصمود بما فيها من تحديات وصعاب .
وقد يأخذ التكرار شكلا آخر - من ذلك – مثلا – اعتماد الشاعرة على الفعل الرباعي المضعّف ( أوله كثالثه، وثانيه كرابعه ) أمثال : هدهد / رقرق / رفرف / كفكف / زلزل / لألأ / لملم / دمدم / لؤلؤ ) وقد أحصيت هذه الكلمات بالديوان فكان عددها خمسا وثلاثين مرة ، ولا شك أنها نسبة كبيرة إذا ما قورنت بقلة هذه الكلمات في اللغة وكذا استعمالها في الشعر (10) ، ولا يخفى ما لهذه الكلمات من طاقات موسيقية وإيقاعية .
وإذا كان التكرار بصيغه المختلفة يعطي إيقاعا موسيقيا يجذب المتلقي ويثير اهتمامه،فإنه أحيانا أخرى يصيبه بالملل نتيجة الرتابة المملة،من ذلك مثلا قولها في قصيدة "مناجاة الحبيب " :
أهفو إليه .. أتوق ...... أرتوي أنسى الندم
وأطوف في شفق وسحب ... ومنى وذري أشم
أعلو .. أحلق .. أرتوي .. أمحو عذابات الألم
لا شك أن استعمال الفعل المضارع بهذه الكثرة في تلك المساحة الضيقة أصابت المتلقي بالملل والرتابة.
لا أخفي أن كثيرا من التشكيلات الإيقاعية بهذا الديوان أغمضنا الطرف عنها، ولكننا ربما نعود إليها في دراسات مقبلة، وهو إن دلَّ فيدل على تمكن الشاعرة من أدواتها الإبداعية ورؤاها الشعرية النقية التي تمثل امتداداللرومانسيةالحالمةالتي افتقدناها وسط ضجيج الحداثة وصراع النثريين .

4 – " أكتب لكم من عينيها " للشاعر إكرامي قورة .
ثلاثون قصيدة يضمُّها ديوان "اكتب لكم من عينيها "، ويضمّ بين دفتيه قصائد عمودية الشكل بلغت نحو تسع قصائد أي بنسبة 30%من المساحة الإبداعية للديوان، بينما انفرد الشعر التفعيلي /الحر بالنسبة الباقية أي إحدى وعشرين قصيدة، وذلك بنسبة70 % من الديوان .وقد استعمل الشاعر لقصائده العمودية نحو ستة أحرف كقافية لهذه القصائد، وهي على الترتيب(الدال 3 مرات)، و(التاء مرتان)، و( ع / ق /م /ن مرة واحدة لكل حرف منها ).
والمتأمل في هذه الحروف يجد أنها من أكثر الحروف العربية مجيئا كقافية، وهو ما أشار إليه د .إبراهيم أنيس في كتابه المهم "موسيقى الشعر " .
كما يلاحظ - أيضا – أن الحروف المجهورة وردت نحو ست مرات من أصل القصائد التسع، أي نحو 66.6%منها ، وهو بذلك تابع للدائرة الإبداعية العربية التي تؤثر استعمال الحروف المجهورة كقافية للقصائد، ويرجع ذلك إلى أن الأصوات المجهورة أوضح في السمع وأقوى من الأصوات المهموسة (11). ولذا عمد شاعرنا إلى المجهور حتى يكون إيقاع القافية واضحا بهدف إحداث التأثير على المتلقي وجذبه إليه .
أما عن البناء العروضي للديوان، فيمكننا قراءته على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الكامل 13 43.3 %
المتدارك 9 30 %
الوافر 3 10%
الرجز 2 6.6 %
الرمل قصيدة واحدة 3.6 %
المتقارب قصيدة واحدة 3.3 %
البسيط قصيدة واحدة 3.3 %
من خلال الإحصاء السابق يمكننا ملاحظة عدّة أشياء منها :
سيطرة البحور الصافية على إيقاع الشاعرة،إذ وردت نسبتها 96.7% من إجمالي قصائد الديوان، في مقابل3.3%للبحور المركبة التي لم يستخدم الشاعر منها إلا بحر البسيط، وذلك قصيدة واحدة، وهي قصيدة "نقوش "، إذن يمكن القول أن الديوان في مجمله من البحور الصافية عدا قصيدة واحدة .
يحتل بحر الكامل – وحده – نسبة تقترب من نصف الديوان، وهو إيقاع يختلف عما يستخدمه المعاصرون من الشعراء إذ يفضِّلون النسج على وزني المتدارك والرجز.ربما أراد الشاعر الخوض في بحر الكامل حتى يؤكد انتماءه للإيقاع العربي القديم، نظرا لما يحتله من مكانة في أوزان الشعر العربي، وربما أراد شاعرنا ان يعزف وحده لحنا يغاير في إيقاعه الآخرين.
وإذا كان بحر الكامل يحتل نصف الديوان – تقريبا – الأمر الذي أوقع الشاعر في نمطية الإيقاع وعدم تنوع الموسيقى إلا قليلا .
كثيرا ما يلجأ الشاعر في وزنه المفضل(الكامل) للإضمار، وبه تصبح (متفاعلن --- مستفعلن) فتختلط أحيانا بالرجز، مثال ذلك قصيدة "فتش عن رجل جديد" يقول فيها :
فلتبحثي إن شئت عني
في سطور الذكريات
ولتخرجي أوراق ماضيك التليد
ولتنفضي عنها الغبار
ثم اقرئيها من جديد
لاحظ أن الأسطر الثلاثة الأولى تشير إلى انتماء القصيدة لفن الرجز( مستفعلن )، ولكن ما أن يأتي السطر الرابع فإذا بنا في بحرالكامل، ولكن كانت تفعيلته مضمرة .
ويمكننا القول بأن نحو 60 % تفعيلة الكامل في قصائد الديوان جاءت مضمرة،الأمر الذي يدعو إلى الوقوف على ذلك وتحليلها !. والطريف إنه قد أشار إلى ذلك في قصيدته " للشعراء فقط " !!
هذا وقد برزت عدة عناصر إيقاعية في الديوان منها :
تكرار الحرف الواحد أكثر من مرة في مساحة صغيرة، ويمثل ذلك قوله في قصيدة "طوبى للغرباء" حينما لجأ لتكرار حرف (السين) :
ماتت
كسرت سنا من أسنان الحوت
كي تتسع الموجة
أملا أن تنبذها كف القدرة
أو في قصيدة " بين الطب والحب " حيث يقول :
الحزن يسكن مفردات كلامي ومن الهموم تعددت آلامي
لاحظ تكرار حرف (الميم) نحو ست مرات في بيت واحد
تكرار صيغة صرفية معينة في القصيدة مثل تكرار فعل الأمر في قصيدته "اغرسي عينيك أكثر" نحو تسع وعشرين مرة، ومن ذلك قوله :
أوقدي عينيك نارا
واملئي جفنيك جمرا
واصنعي هدبا كخنجر
واطعني صدري مرارا
وإذا صادفت قلبي
فاغرسي عينيك أكثر
ويمثل ذلك – أيضا – قصيدة " أحبك بالهيروغليفي "الذي كرر فيها الفعل المضارع في صيغته (أفعل) نحو سبع عشرة مرة، منها عشر مرات للفعل(أحبك)، وثلاث مرات للفعل(أفتش)، وانظر أيضا قصيدة "لك الاختيار " و" نفس السؤال " ... وغيرهما
ولكن التكرار،أحيانا ما يصيب المتلقي بالملل، مثال ذلك قوله في قصيدة " أنا لم أخن "
علمتني أن الرجوع لدولة العشاق عهد
علمتني أن الدموع لأجل من تهواه وجد
علمتني أن الخضوع أمام من نهواه مجد
فحفظته ... عهد الرجوع
ورويته ... وجد الدموع
وعشقته .. مجد الخضوع
( ... )
علمتني الأشواق كيف نحسها
علمتني الأزهار كيف نشمها
علمتني الأطيار كيف نحبها
لاشك أن تكرار الألفاظ بعينها، فضلا عن تكرار الصيغ الصرفية، وتكرار التركيب في تلك المساحة الضيقة يصيب بالملل، ولذا أدعو الشاعر التخلص منها .
بقيت ملاحظتان أخيرتان أود أن أشير إليهما، وهما :
1 – خاض الشاعر فن المعارضة الشعرية، وهو فن كاد أن يندثر، وقد تخيّر إحدى القصائد المعروفة والمشهورة للإمام الحصري فعارضها، فإذا كان الحصري قد قال :
يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده
ثم عارضها شوقي قائلا :
مضناك جفاه مرقده وبكاه ورحّم عوّده
فإن إكرامي قورة يقول :
يا بحر الشعر أتشهده لحنا والكون يردده
هذا وقد عارضها كثير من الشعراء أذكر منهم : أبو القاسم الشابي ، إسماعيل صبري، أنور شاؤل، ابن الأبار، ابن مليك الحموي، بشارة الخوري، جميل صدقي الزهاوي، خير الدين الزركلي، اسكندر المعلوف، فوزي المعلوف، محمود بيرم التونسي، محمود رمزي نظيم، ثم معارضة لكاتب هذه السطور ، ... وغيرهم كثيرون .
ولاشك أن فن المعارضات فن كبير، يدل على تمكن الشاعر من أدواته الشعرية ومهاراته اللغوية، فضلا عن ثقافته الأدبية الواسعة .
2 – أما الملاحظة الأخيرة، وهي تخرج عن مجال الإيقاع إلى حدِّ ما – وهي أن الشاعر يضمّن اسمه كثيرا داخل ثنايا القصيدة، فقد صنع ذلك في قصائد "أكتب لكم من عينيها "، و "بين الطب والحب " و " أنت معي " فإذا كان الشعراء العرب – في العصرين المملوكي والعثماني قد لجأوا لتلك الحيل فما أحرانا أن نبعد عنها لأنها تدل على فقدان العاطفة الصادقة وجفاف الإحساس الشعري، ولذا أشد على يد الشاعر أن يتخلص من تلك الآفة اللغوية وإقحامها في النسيج الشعري .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مراجع خارجى  :: القسم الأدبى :: الدراسات الأدبية-
انتقل الى: