مراجع خارجى
مرحبا وأهلا بكم معنا فى منتديات مراجع خارجى
وكل عام وأنتم بالف ألف خير
مراجع خارجى
مرحبا وأهلا بكم معنا فى منتديات مراجع خارجى
وكل عام وأنتم بالف ألف خير
مراجع خارجى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يهتم بنشر ثقافة الجودة فى مجال التعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالأربعاء سبتمبر 22, 2010 1:22 pm


المسرح في أصوات معاصرة
بقلم
الدكتور /نادر عبدالخالق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 5:58 am

مسرح أصوات معاصرة أنموذجا
الدكتور / نادر أحمد عبد الخالق

قدمت سلسلة أصوات معاصرة التى أسسها الدكتور حسين على محمد فى مطلع العقد التاسع من القرن الماضى (1980) أعمالا عديدة فى مختلف أجناس الأدب،وقدمت كتابا متعددى المشارب والأفكار والاتجاهات والرؤى،مما جعلها تقوم مقام الراصد للحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر وفى الوطن العربى،فى تلك الحقبة الزمنية التى ليست بالقليلة،و يجعلها شاهدا على تطور حياتنا وانتقالاتها السياسية والثقافية المختلفة على مدى ثلاثة عقود ماضية،ورافدا من روافد الفكر والتنوير فى العصر الحاضر، مهما تباينت وتعددت آليات الفكر والاتصال فى ثورة المعلومات التى نعيشها الأن .
ويعد هذا حافزا كبيرا للاحتفاء بها وبمؤسسها وكتابها،من خلال دراسة النماذج والنصوص التى قامت بنشرها والمساهمة فى تقديمها للقراء،وقد تناولت دراسة المسرحية الأصواتية من خلال عدة نماذج ونصوص حملت قضايا وأفكارا تعبر عن ملامح الحياة والواقع فى الفترة السابقة (1980-2010)وتعبر عن مجموعة من الكتاب المسرحيين الذين عايشوا عملية التطور والانتقال من مرحلة إلى أخرى،ومسايرة العوامل الهائلة التى تشكلت منها الحياة بعد الثورة التكنولوجيا فى مختلف العلوم والاتصالات،وقد تحددت هذه الرؤية فى دراسة الشخصية المسرحية من وجوه الصراع وتصرفات الكاتب الفنية والموضوعية،التى انعكست على النص واتجاهاته المختلفة .
و تقوم الشخصية المسرحية على استدعاءات خاصة أهمها الفكرة التى تنطلق منها والوظيفة الحركية التى تؤديها ومدى ارتباطها بعناصر البناء الأخرى كالحوار والانتقال التدريجى والتمثيل الاجتماعى الخارجى ومدى تداخلها فى المنظر الكلى الذى يطرح الحياة بكل أنماطها وتداعياتها المختلفة،بواسطة الرمز وحوارات النص المتتابعة، والتى من شأنها أن تقدم الجانب النفسى والوجدانى للفكرة الموضوعية، التى يمكن عن طريقها قراءة المتخيل الضمنى والواقع الحقيقى للشخصية الحقيقية الخارجية، وأوصافها ومن ثم الوقوف على مقارنة الواقع والنص والخروج بحقائق واكتشافات خاصة تتعلق بالكاتب وثقافته وقدرته فى التمثيل والتقديم والإحاطة والشمول للحياة والعالم من حوله.
والصورة الخيالية للشخصية الفنية الأدبية تعتمد على التكوينات الذهنية المتخيلة للأفعال والظواهر المتعاقبة،الخاصة بحركة الحياة وحركة القضايا العامة التى يمكن تفسيرها وتحليل دوافعها فى إطار الوعى الإنسانى المتعارف عليه،وهذا بطبيعته يجعل الكاتب فى حالة استدعائية متواصلة للفعل أولا وقياس الحركة المسرحية وتداعياتها ومطابقتها للنمط المقصود تحقيقه والسعى الدؤب لكشف سماته وملامحه النفسية الخاصة ثانيا، وذلك بغرض تقديم أكبر قدر ممكن من حركته التى تتلائم مع الوصف الظاهرى القريب من الواقع مهما كان الخيال بعيدا، ومهما كانت الدوافع من وراء تقديم النموذج البشرى.
وتتميز الشخصية المسرحية بطريقة تكوينية خاصة لما تختص به من حضور مباشر ودلالى يسمح للفكرة الحقيقية والخيالية أن يقدمان الصورة المادية التى تتوافق مع طبيعة المتخيل النفسى فى المنظر العام أمام النظارة، وهنا يشترك الكاتب المسرحى والمشاهد والقارىء فى تكوين المتخيل النفسى الضمنى الذى تقوم عليه فكرة البناء للنص الموازى والشخصية التمثيلية، ذات الأبعاد المتعددة ، والتى تتعين بواسطة الأبعاد الثلاثة، ( المادية والاجتماعية والنفسية)، وهنا يتوقف نجاح الكاتب على معرفته الدقيقة لهذه المكونات، التى يترجمها فى النص إلى صور وصفية حقيقية تتشكل منها الشخصية وينتج عنها الواقع، وقد أشار إلى ذلك على أحمد باكثير فقال: " لكى يوفق الكاتب فى رسم شخوصه ينبغى أن يتعرف إليهم واحدا واحدا ويعيش معهم فى ذهنه برهة كافية، حتى يقرر أو يكتشف لكل واحد منهم أبعاده الثلاثة: البعد الجسمانى أو الشكلى والبعد الاجتماعى والبعد النفسى، فعلى معرفته الدقيقة بهذه الأبعاد الثلاثة يتوقف نجاحه فى رسم شخصياته، فالبعد الجسمانى: هومايتعلق بالشخص من حيث بنيته وشكله الظاهرى أقصير هو أم طويل، بدين أم نحيف، قوى البنية أم ضعيفها، سليم الأعضاء أم ذوعاهة من العاهات، وهلم جرا لأن لكل صفة من هذه الصفات أثرها فى تكوين الشخصية،والبعدالاجتماعى: هوما يتعلق بالمحيط الذى نشأ الشخص فيه،والطبقة التى ينتمى إليها، والعمل الذى يزاوله ودرجة تعليمه وثقافته، والدين أوالمذهب الذى يعتنقه والرحلات التى قام بها والهوايات التى يمارسها فإن لكل ذلك أثرا فى تكوينه،والبعد النفسى: فهوما ينتج عن البعدين السالفين،من الأثار العميقة الثابتة التى تبلورت على مر الأيام فحددت طباعه وميوله ومزاجه ومميزاته النفسية والخلقية،وكلما تعمق الكاتب فى التعرف إلى شخوصه كان خليقا أن يكتب مسرحية جيدة " (1)
وهذا يؤكد أن العلاقة بين الكاتب وموضوعه وقضاياه تتعين من خلال الشخصية بداية من عملية التمثيل المشتركة على المستوى البشرى والإنسانى، والتى تأخذ نمطا تشكيليا فى المسرحية والرواية، وتفرض جدلا وتركيبا يتشابه مع الواقع كثيرا،فالكاتب "" يركب عددا من الكتل الكلامية بصورة غير مصقولة واصفا نفسه، مطلقا عليها اسما وجنسا، كما يختار لها ملامح معقولة، ويجعلها تتكلم بواسطة فواصل مقلوبة، وربما كان يفعل ذلك ليتركها تتصرف بصورة متناغمة، هذه الكتل الكلامية هى شخصيات وهى لا تصل باردة إلى مخيلته، قد يتم ابتكارها بإثارة شديدة الهياج ، لكنها تبقى تقترن بما يخمنه عن الناس الأخرين وعن نفسه،وبلطف كبير بأركان عمله الأخرى"" (2)
وذلك وصولا إلى المتخيل الاجتماعى للحقائق والوقائع التى يطرحها النموذج البشرى الذى يمثل كثيرا من ضمير الكاتب،والذى سرعان ما يتحول بطريق النفس والشعور إلى بحث دؤوب عن المتخيل العام الذى يقدم الحياة الدقيقة ليس للشخصية فحسب وإنما للواقع وقضاياه ومشكلاته بواسطة هذه الشخصية،ويقف على طرح النص وفض ملابساته وإشكالياته،التى يمكن عن طريقها تقديم النص الأصلى الحقيقى الغير معلن، والذى يسكن فى ضمير الكاتب وصوره الخارجية .
ولايكون هناك فرق بين تقديم الحياة المتخيلة الدقيقة الخفية وبين الشخصية وبين النص عامة، حيث يتحدد هدف الكاتب المسرحى فى مساواته بين هذه التراكيب،وصولا إلى الصيغة النفسية التى تشمل النص والفكرة والشخصية، غير أنها لاتبدو إلا من خلال النموذج الشخصانى،وتصبح الدلالات والعلامات التى تتعين بواسطة الصورة الخارجية هى الطريقة والوسيلة الأولى لتقديم ذلك، وتصبح الغرائز والأوصاف الشعورية والنفسية هى الملامح التى تتشكل منها الصورة الداخلية للنص والشخصية .
ويمكن تحديد أركان الصورة المسرحية فى بعديها الخارجى والداخلى من خلال الأبعاد الثلاثة التى ذكرها "باكثير" للشخصية المسرحية، وهى البعد الجسمانى والاجتماعى ومن تراكيبهما تتكون الصورة الخارجية بالإضافة إلى المناظر والوسائل المسرحية والإضاءة والدلالات التى تشير إلى زمن النص، وتفرض جدلا متوازيا مع حركة الواقع وتؤدى اللغة وظيفة مباشرة فى هذه الصورة انطلاقا من دلالتها التعبيرية واحتوائها الشخصية .
ويشمل البعد النفسى الصورة الداخلية، ويتعين الموضوع والفكرة فى المسرحية عندالتقاء هذين القسمين الخارجى والداخلى، ومن هذين البعدين يتكون المنظر الذى يمثل الإطار العام للمسرحية ويمثل حركة الرمز وإيحاءات الكاتب ومن هنا تصبح الشخصية المسرحية أقرب إلى المتلقى من غيرها من الشخصيات نظرا لاقتراب الكاتب منها وتوجيهه الدائم لها وتقديمه للصورة الخارجية والداخلية فى آن واحد، معتمدا عليها فى طرح الإشكالية مباشرة دون اللجوء إلى الوصف كما يفعل كاتب القصة .
ويمكن تعيين الصورة الخارجية والداخلية للشخصية من خلال الخطوط الرئيسية التى يتكون منها البعدالجسمانى والاجتماعى والنفسى ومدى تأثير ذلك على حركة النص وعلاقاته وإشاراته التى يقف عليها ويحاول بناء ملامح الواقع على أساسها. الصورة الخارجية للشخصية :
الصورة الخارجية فى العمل الأدبى هى الصورة الأساسية المركبة من مجموعة الأفكار الاجتماعية والإنسانية، والتى تنقل القضايا العامة وتحيلها إلى واقع فنى متعدد الوجوه والأنماط (3) وهى فى المسرحية لاتخرج من إطار المتخيل الخارجى الظاهر الذى يشمل البعد الجسمانى والاجتماعى،وتقوم الفكرة فيها على الوسائل المسرحية التى تعد وسائط مباشرة لفكرة التمثيل النفسى والمتخيل الاجتماعى،مما يجعلها تشير إلى عملية التطابق بين النص وحركته الخارجية وتدرجه وانتقالاته الداخلية الفنية والموضوعية وتتركب من :
1-البعد الجسمانى (الفسيولوجى) :
المتعلق بالسن والجنس ونوعه (ذكر/أنثى) والطول والوزن ولون الشعر والعينين والجلد والهيئة والوضع، والمظهر( جميل/ بدين نحيل أو ربعة/نظيف أنيق /لطيف أشعث مهرجل/ شكل الرأس والوجه والأطراف، والعيوب( التشوهات/أنواع الشذوذ/ الوحمات/ الأمراض، الوراثة .. (4)
2-البعد الاجتماعى : ( السوسيولوجى) :
-الطبقة: العاملة /الحاكمة/الوسطى/ من فقراء العامة- العمل : نوعه /ساعات العمل/الدخل/ظروف العمل/ داخل الاتحاد أو خارجه/ ميوله نحو المنظمة/ لياقته للعمل – التعليم: مقداره أنواع المدارس / الدرجات / المواد التى كان متفوقا فيها / المواد التى كان ضعيفا فيها/ الكفايات والاستعداد –الحياة المنزلية: معيشة الوالدين/ المقدرة على اكتساب الرزق/يتيم هل والداه منفصلان أو لايزالان مع بعضهما /عاداتهما/ تطور حالتهما العقلية رذائلهما الخلقية/ الاهمال / حالة الشخصية الزوجية – الدين – الجنس والجنسية –المكانة فى المجتمع: هل هو من الصدارة بين الأصدقاء وفى الأندية وفى الألعاب – مشاركاته السياسية – سلوياته وهواياته: الكتب المجلات والصحف التى يقرأها . (5) ويساعد التصرف المسرحى فى بناء هذه الصورة فمثلا المشهد و المنظر وتعددهما وتفاوتهما بين الرمز والحقيقة وتداخلات الكاتب، يسمح بوجود تنوع فكرى واجتماعى يقف على العديد من الأفكار والقراءات التى تقدم الواقع والمتخيل النفسى والاجتماعى من وجوه عديدة مختلفة وتكون الشخصية وبناءاتها الاجتماعية والنفسية هى الوسيلة المباشرة فى ذلك،أو الركيزة الأساسية فى إقامة العلاقة بين النص والصورة الخارجية .
الصورة الداخلية للشخصية :
هى الترجمة الوجدانية الفنية لملامح الصورة الخارجية وهى تقوم على تشكيلات بنائية ترتبط بالموضوع والفكرة الأساسية، فتتضح من خلالها الشخصية والحدث والمكان والزمان واللغة فى أشكال تصويرية مركبة تعتمد على الحواس والرمز والدلالات الاستعارية، وتلك مركبات فنية من شانها أن تفرز الواقع،وتقف على ملامحه وأنماطه المعروفة الإيجابية والسلبية (6) وهى فى المسرحية لاتخرج عن إطار الكيان النفسى ( السيكولوجى)المتعلق بالحياة الجنسية، والمعايير الأخلاقية، والأهداف الشخصية (الأطماع والقناعة) – مساعيه الفاشلة(أهم ما أخفق فيه) –مزاجه وطبعه: (حاد الطبع/سريع الغضب/ سلس القياد متشائم /متفائل –ميوله فى الحياة، مستسلم /مكافح/خوار(من أنصار الهزيمة) – عقده النفسية:( الأفكارالمتسلطة عليه /محال سكناه/ أوهامه/ألوان هوسه/ مخاوفه-هل هو انبساطى /انطوائى أو وسط بين الحالين –قدراته: فى اللغات مواهبه – سجاياه: تفكيره حكمه على الأشياء ذوقه /اتزانه وسيطرته على نفسه . (7) والملاحظ أن علاقات الصورة الداخلية تتعلق بحقيقة الشخصية كملمح أصيل من ملامح التشكيل الفنى والموضوعى للمسرحية، وذلك راجع إلى أهمية قراءة النص المسرحى بواسطة الشخصية، وبواسطة التركيب النفسى لهذه الشخصية،وهذا يؤكد الأهمية القصوى لعنصر الشخصية فى العمل المسرحى .
والمتأمل فى الدلالة الاصطلاحية لمفهوم التوصيف الجسمانى والاجتماعى يجد تقاربا بين خصوصية التمثيل المسرحى،وعملية التمثيل الخارجى التى تستهدف قضية اجتماعية أو شخصية أوحقبة زمنية أو دلالة جغرافية مكانية،تؤكد قيمة وحقيقة التطابق الخارجى للنص، وتؤكد أهمية ما قام به الكاتب المسرحى فى رحلته التى استدعى لها الأفكار والشخصيات ومن ثم عملية المراقبة الدقيقة .
وهذا يدل على أهمية النظر فى النص بواسطة علم النفس الفسيولوجي الذى " يدرس الأساس الفسيولوجي للسلوك الإنساني، وعلاقة جسم الإنسان بسلوكه؛ فهو - أي هذا العلم - يتخصص في دراسة أثر الجهاز العصبي والغدد الصماء على السلوك الإنساني والشخصية والأمراض النفسية والعقلية. ويدرس هذا العلم الجوانب الفسيولوجية في الانفعالات المصاحبة للدوافع." (8)
ومن ثم التطرق إلى البعد الخارجى التطبيقى أو الاحتكاكى للشخصية بواسطة الناحية السوسيولوجية التى ترى الإنسان فى بيئته وطبقته وتراقب اندماجه أو تراجعه وقد ظهر هذا الاتجاه بناء على تطابق الظاهرة الاجتماعية وامتدادها عبر النص،على أساس أن النص صورة ممتدة للواقع الخارجى ، ويكون الأمر أكثر وضوحا عند بناء الصورة الداخلية التى تختص بالكيان النفسى للفرد فى المسرحية من وجهة نظر علم النفس السيكولوجى الذى يبحث فى تقييم السمات النفسية للشخصيات وقياس قدرتها فى تحمل عمليات الانتقال من مرحلة إلى أخرى على مستوى الواقع، ومطابقة ذلك مع الشخصية مثار العرض المسرحى، على المستوى النفسى والإدراكى .
وتتميز الشخصية المسرحية بأنها أكثر خصوصية عند تقديمها للحدث المسرحى حيث تقوم بعمليات بنائية جماعية دون عزلة أو انحسار داخل بيئة أو وصف كما فى القصة وفى ذلك يقول د/ محمد غنيمى هلال : الذى يفرق بين الحدث المسرحى والحادثة العادية أن الحدث يتحقق دائما فى صورة مغامرة جماعية ناتجة عن تفاعل فى داخل العالم الصغير الذى يتألف من شخصيات المسرحية، وفى الحادثة المألوفة يبقى كل شخص معزولا فى طبقته أو مهنته التى ينتمى إليها على حين ليس من حدث معزول فردى فى المسرحية،بل إنه يمارس تأثيرات مباشرة فى مختلف الشخصيات وفى بنية عالمها الذى تعيش فيه،حتى لتقارن هذه التأثيرات بالحركات التى تتولد عن الموجة،اتجاهات مختلفة، ولكنها متشابكة موحدة فى انطلافها،فعالم المسرح صورة للعالم الكبير،لاعزلة فيه ولا حياة فنية للمسرحية ما لم تتفاعل الشخصيات، ومن هذا التفاعل فى شتى صوره تتولد بنية المسرحية، ومن خلاله تنمو الشخصيات مع الحدث،فى حساب فنى محكم،يبدو من دقة إحكامه أنه تلقائى طبيعى.. " (9)
وعلى ذلك فالشخصية المسرحية وحدة بنائية تقوم عليها أركان العمل على المستوى الفنى والموضوعى،وتنطلق منها أفكار الكاتب وتتشكل منها أوصاف وصور الواقع فى أشكال مختلفة، وأنماط سلوكية انتقادية لاتخرج عن السمات العامة المعروفة للجنس البشرى،كما قال أرسطو حيث ذكرأن :سعادة البشر وشقاؤهم يتخذان صيغة العمل" ويقول : تمنحنا الشخصية الخصائص"" (10)
ففى مسرحية ( طُز.. طَر) للكاتب المسرحى الأديب كامل الكفراوى
ومسرحية (المَضحكة) للمسرحى على محمد الغريب
ومسرحية (الغائب والبركان) للشاعر والأديب محمد سعد بيومى
ومسرحية (عودة أصحاب الرؤس السود)
نحن أمام رؤية خاصة على المستوى الموضوعى والفنى والفكرى، الذى يطرح القضايا والأفكار من منظور عملية الاستدعاء والتمثيل الاجتماعى والشخصى المباشر،والمتأمل فى تكوين الدلالة الاستعارية اللفظية بداية من العنوان وما يتعلق به من علاقات فنية وموضوعية تحلق فى فضاءات الرمز والإشارة إلى الواقع الاجتماعى، وصولا إلى تقديم الملمح الشخصانى الذى قامت عليه العملية المسرحية،يلاحظ أن العنوان ارتبط فى تكوينه بالشخصية،وبالحدث والفعل المسرحى،وبالمنظر والمشهد الذى تشكلت منه الدراما المسرحية،ويمكن القول بأن العنوان فى هذه المسرحيات الأربعة عبارة عن صورة نفسية وموضوعية مصغرة، لعالم النص وعالم التجربة والكاتب وثقافته،والحياة الخارجية التى يسعى لتقديمها بواسطة النموذج المتشاخص والذى يقبع خلف الحركة الفعلية للضمير المكنى بالاسم والإشارة اللفظية المتعقبة لدوران المجتمع وتمظهره على المستوى الإنسانى، وعلى المستوى النقدى الساخر لمعالم التردى الحقيقية، التى انطلقت منها الفكرة المسرحية،وذلك بهدف استدعاء المتخيل الحقيقى للفكرة الاجتماعية السائدة فى فترات متلاحقة من التطور الاجتماعى فى ظل أنماط الحياة الجديدة .
فمثلا العنوان (طُز.. طَر) يجمع بين عدة متخيلات سياسية واجتماعية وثقافية ورمزية لايمكن أن تتحقق بدون الوقوف أمام ملامح الفكر الشخصانى للمسرحية،والذى يقود الفعل المسرحى فى النهاية إلى اكتشاف الواقع الاجتماعى الخاص بهذه المتخيلات فى صورة إسقاطية مباشرة ممتدة تجمع فى طياتها بين الماضى العريق والواقع المهترىء الممزق،هذه المواجهة الضمنية بين عصرين متباعدين انحصرت فى تقديم النموذج الشخصانى الذى يمثل الزمان البطولى والمكان المتغير بتغير الشخصية والمصير والقضية، ليس سعيا وراء تحقيق الفعل الناجح وإنما إقرارا بحقيقة الواقع الاجتماعى المتخلف من خلال الشخصية والمكان بصفتهما من مركبات التكوين الاجتماعى،وإذا بحثنا لغويا ودلاليا عن المعنى الاصطلاحى للكلمتين (طُز...طَر) سنجد أن الدلالة رغم بعدها فإنها تعكس قدرة ومهارة من الكاتب فى الإسقاط والترميز إلى أقصى درجة،فكلمة (طز) فى اشتقاقها وتصريفها ليست عربية الأصل وإنما تركية بمعنى "الملح" أى ملح الطعام،وكلمة (طَر) فهى تعنى الشَّقُّ والقطع (11) وإذا تتبعنا الطريقة التى وردت بها التركيبة اللفظية المتضمنة معنى البحث والتنقيب عن وجود دلالة قاطعة للتركيبة الاشتقاقية كفعل مسرحى وحركة درامية لهذين الاشتقاقين،وذلك من خلال البحث عن الحرف المفقود فى كل كلمة، سنجد أن الارتباط بالشخصية والبحث عن ملامحها واقترانها بالدلالة الموضوعية، كان هدفا مرصودا من قبل الكاتب وذلك لتحقيق الصورة الخارجية البعيدة والقريبة على المستوى التاريخى والواقعى والاجتماعى، بغية الوقوف على نمط الشخصية المعاصرة وتهاويها وحالة المكان ورمزيته بصفته الباعث الأول للشخصية المعاصرة،وهنا يتوالى الفعل المسرحى فى حالة استثنائية تجعل من السخرية التى وردت فيها هذه الصيغة التى اقترنت بالكلمات المتقاطعة صفة عامة لحركة المجتمع الذى أفرز هذه النماذج الشخصية على اختلاف أنماطها واتجاهاتها الفكرية والسياسية، كذلك بين الدلالة الاشتقاقية العربية والتركية تلمح تناقضا فكريا ظاهرا لكنه يتيح للحوار المسرحى تشابكا مستمرا يبحث فى أصل الفعل والحركة التى قام كامل الكفراوى بمناقشتها وبحث متناقضاتها من خلال الواقع والشخصية والفكرة الاجتماعية التى انتظمت داخل العمل المسرحى،مما يجعل المواجهة تشمل ملامح البحث عن الواقع،فى معناه الحقيقى وليس الدلالة الاشتقاقية المفقودة،وهذه محاولة فى بعث عملية التنقيب عن المثال والنموذج فى خارج الجنس وخارج النمط المعروف والسائد، بالضبط كما هو الحال من قبل،وكما ورد من صدق التجارب،وحتمية النتيجة،ويضاف إلى ذلك المناسبة الضمنية التى اخترقها الكاتب بهذا التمييز المنطقى، لعملية الانسلاخ والانشقاق والقطيعة، لحال الصورة الخارجية الواقعية،اقترانا بحال الحياة الاجتماعية التى لاتتناسب مع حركة الفعل المسرحى الضمنية، والتى توارى خلفها الكاتب بمهارته الشديدة ضاحكا مرة وساخرا مرارا دون أن يفصح عن ذلك،ومن ثم كانت الشخصية هى وجهته وهدفه فى عمليات البناء والاستدعاء،أيضا تبدو الإشارة الدلالية تعطى المثال والنموذج فقط دون الإشارة المباشرة ويستمر ذلك حتى النهاية،مرورا بشخصيات وأنماط عديدة تمثل اتجاهات الحياة المختلفة،مما يجعل الرمز متعديا إلى أفاق واقعية بعيدة لاتقف عند الدلالة الصريحة المباشرة .
وفى الدلالة الاشتقاقية لمسرحية (المَضحكة) للمسرحى على محمد الغريب تتعدد المعانى وتختلف الدلالات وإن كانت تدل على الضحك المعروف،لكنها لاتخلو من الرمز والتصريف والتأويل فى معناها الذى يفتح أمام النص زوايا عديدة منها ما يتعلق بالنواحى النفسية والخلقية ومنها ما يدور حول استكشاف الظواهر المادية المتعلقة بملامح الشخصية على المستوى الاجتماعى والفكرى والواقعى فمثلا نقول : ضحكت الأرض إذا اخرجت نباتها وزهرتها،وقال ابن الأعرابى : الضاحك من السحاب مثل العارض إلاأنه إذا برق قيل ضحك،والضحاك مدح والضُّحَكَة ذم والضُّحٌكَة أذم،وقد أضحكنى الأمر وهم يتضاحكون، وقالوا ضحك الزهر لايضحك حقيقة" (12) وكذلك من معانى الضحك الضاحكة : السن التى بين الأنياب والأضراس .. والضواحك الأسنان التى تظهر عند التبسم.. والضحك ظهور الثنايا من الفرح.. والضحك العجب .. والضحك الثغر الأبيض .. والضحك العسل شبه بالثغر لشدة بياضه (13) ولعل تصرف الكاتب فى التوظيف يجعل من الدلالة أنماطا مختلفة عديدة تتعلق بتعيين ظاهرة نفسية اجتماعية وإشارة مكانية تقترب فى توصيفها من طرح متناقضات رمزية بعيدة التأويل لاتبعد عن توصيف للشخصية المعاصرة فى أوصافها البعيدة والقريبة،والبحث االدلالى والتوصيف النحوى لكلمة(المضحكة) فى صيغتها الحالية التى تشير إلى افتراض عدة قراءات وتأويلات،منها أنها خبرا لمبتدا محذوف يمكن تقديره باسم إشارة(هذه) وعلى ذلك تصبح القراءة لاتعط النتيجة الكاملة،ويتضح من ذلك أن النتيجة المتعلقة بحركة النص الكامن فى العنوان يجب أن تتبع التأويل العام، ويجب أن يربط بينها رابط،وعلى ذلك تأتى القراءة التأويلية الأولى،مقترنة بصفة يمكن تقديرها بأى توصيف مناسب، مثل: (هذه المضحكة باكية)،أو(هذه المضحكة هى حالنا) أو (هذه المضحكة من معالم شخصيتنا)أو (هذه المضحكة حاربوها/ اقتلعوها/ .. إلى أخره.. ، ويمكن كذلك اعتبار العنوان ( المضحكة) مبتدأ فى المعنى ويصبح الخبر متعلقا بتأويلات عدة لاتقف عند زاوية موضوعية خاصة بل تتعدى ذلك إلى عدة افتراضات نفسية ونقدية واجتماعية وسياسية لاتقف عند تأويل خاص، ومن هنا يصبح الإسناد وحركة المسند والمسند إليه الحقيقى والمقدر،هما من وسائل الكاتب فى بعث روح النقد والتحليل لحركة المجتمع من خلال الشخصيات التى قام عليها الفعل المسرحى،حيث يتحور التأويل تبعا لتمحور الإسناد لفظا ومعنى، وهذا يؤكد على جدلية التوظيف للفعل والشخصية فى آن واحد،وعملية الاستدعاء التى قام بها الكاتب، حتى تمت له الموائمة الفنية والموضوعية .
ومهما يكن من تأويل أوفعل أو حركة مسرحية فإن التوصيف الاستعارى وحركة الإسناد المضمرة تتعلق بافتراض فاعل ومفعول ومكان بناء على التوصيف الاشتقاقى الذى يسمح بمرور هذه المعانى وهذه الدلالات،إذا رجعنا إلى صيغة المصدر التى تدل على أن العنوان اسم مكان مباشر ذو دلالة قطعية، وإذا كان كذلك فإن عملية الإبهام التى تغلف المصدر، تزيد الأمر تعقيدا على مستوى الرمز، حيث تشير إلى دلالات متعددة لرمزية هذا المكان وإسقاطاته،وعموميته التى تحتوى أماكن عديدة يمكن أن تشمل الحياة الخارجية بأبعادها المختلفة،مما يجعل التعبير مرتبطا بالشخصية فى حضور نفسى واجتماعى مباشر، يشير إلى مجموعة استحالات وترادفات عديدة،تتعلق بحركة المجتمع حديثا، ويشير إلى تصرفات الكاتب المسرحى على محمد الغريب وقدرته فى استنطاق الحال بطريق الملهاة وعناصرها الفنية والموضوعية،التى تحتاج إلى مهارة ودربة وابتكار فى الفعل والترتيب الفنى المركب من الواقع والشخصية، والتى تدل فى النهاية على وصول النص وصاحبه إلى درجة كبيرة من التغلغل داخل الشعور القومى والنفسى والاجتماعى، واعتقد أن نص مسرحية (المضحكة) بما يحتويه من عناصر فنية وموضوعية قد قدم كثيرا من أوصاف الحركة الاجتماعية المعاصرة،وعكس ملامح مباشرة من تجربة الفن المسرحى المعاصر،وتجربة الكاتب على محمد الغريب،بناء على الشخصية التى تم طرحها من وجوه مختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا .
وفى مسرحية (الغائب والبركان) للشاعر والمسرحى محمد سعد بيومى يتكون العنوان من دلالة مركبة من الفكرة الموضوعية ومن الاشتقاق الشخصى للبطل،والمتأمل يجد النص المصغر فى العنوان يحمل فى طياته صراعا وانفعالا ضمنيا،فدلالة المفتتح ورمزية الغياب وتعلقها بصورة البركان تقدم جانبا من جوانب البناء الدرامى المتصارع فى النص المصغر، وهنا يصبح العنوان إحدى صور النص المكثفة، وإحدى إشارات المضمون الداخلى الذى تبدأ منه الحركة المسرحية، والدلالة التركيبية للصورة المركبة فى العنوان تشير إلى حالة التقابل بين الفكرة والشخصية،وبين العمق الموضوعى المتصارع،وإذا تأملنا الدلالة اللفظية والنحوية،نجد أن النتيجة المنطقية لهذا التركيب الابتدائى،لاتقف عند القراءة الظاهرة نظرا لعملية التصوير التى تسيطر على فضاء النص،ونظرا لحالة الخبر وتخيله فى ضوء الصفة التى تتناسب مع حالة الاستدعاء،فضلا عن تداخلات العطف وحالة الوصل بين الصورتين المركبتين من الفعل المتشاخص وحركة المبتدأ والخبر والمسند والمسند إليه،ومن ثم طرح علاقات مجازية ذات تأثير مباشر فى قراءة الصورة الضمنية التى قام عليها الصراع منذ الوهلة الأولى، والدلالة الاجتماعية الرمزية التى تؤكدها تداعيات البركان مقابل الغائب واحتوائهما على قدر كبير من الدلالة المتصارعة داخل النص،يجعل من الرمز حركة داخلية تتعلق بالصورة الخارجية،التى يحاول الشاعر بناء عالمه المسرحى من خلالها، وهذا يفرض جدلا منذ الوهلة الأولى حيث يتعلق الغياب بحضور مواز لاغتراب الشخص،وحضور إشكالية موضوعية مركبة تنتج الشخوص،وتجعل الواقع الاجتماعى مرهونا بزمن التقابل بين الفكرة والقضية والشخصية، وافتراض الضمير المتصارع،مما يجعل الفكرة مرتبطة بالحدث والحدث يطرح الشخصية، كل ذلك من خلال تحليل الصورة النفسية والاجتماعية التى يطرحها النص المصغر فى العنوان،(الغائب والبركان) وقدرته فى تمثيل وابتكار الحياة التى يريد الكاتب طرحها،من هنا فإن الشاعر المسرحى محمد سعد بيومى يعتمد على تقدير الواقع وافتراضاته التى تبعث الأركان والعناصر المسرحية اللازمة،مع وجود التوظيف المناسب للرمز .
وفى مسرحية الكاتب عبدالله مهدى " عودة أصحاب الرءوس السود" يبدو العنوان وكأنه نصا مصورا،يحتوى فى داخله صراعا محتدما منذ الوهلة الأولى،حيث يتشكل من دلالات اسمية مباشرة تؤكد حقيقة واقعة وتفرض حركة وحوارا داخليا،يعكس واقع النص ورؤية الكاتب،ويقدم فكرا مسرحيا يقوم على المفاجئة وتوالى الحركات،مما يعنى أن هناك توظيفا متعاقبا لأركان الفعل والحركة المسرحية، التى تتعلق بالدخول والخروج والصراع .. وما إلى ذلك ..
وانطلاقا من هذه الرؤية التحليلية الاجتماعية الفنية والموضوعية فإن دراسة الشخصية فى المسرحية عامة وفى هذه المسرحيات، وكما نتج عن التقسيم الموضوعى والفنى لمركبات التشخيص،فى العمل المسرحى ومن خلال الأبعاد المعروفة للشخصية المسرحية، وتقسيمات الصورة الخارجية والداخلية، تؤكد أن القاسم المشترك بين النص والواقع الاجتماعى يكمن فى الشخصية ويتعين فى تصويرها وتمثيلها للفكرة والقضية التى تطرحها،وإذا كان الأدب تعبيرا عن المجتمع وقضاياه وأنماطه ونماذجه،فإن دور المجتمع يبدو واضحا فى تشكيل العمل الفنى بصورة كبيرة ومباشرة،وتبدو الشخصية هى الأكثر تمثيلا للحياة الاجتماعية وتصبح الرؤية النفسية الخاصة والصورة الخارجية والداخلية للواقع ومتناقضاته هى علامات ودلالات قاطعة للفكرة والصراع داخل العمل الفنى المسرحى،ومن خلال ذلك تأتى وجهة نظر الكاتب ورؤيته تابعة لهذا المتخيل الاجتماعى والنفسى الذى تمثله الشخصية،استنادا إلى تطابق الظواهر الفنية والموضوعية فى الواقع الاجتماعى والواقع الأدبى الذى يمثله الكاتب بصفة عامة .
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:05 am

وفى مسرحية (طُز...طَر) للمسرحى كامل الكفراوى تتشكل الشخصية وتتكون من خلال رؤية الكاتب واستنتاجاته الخاصة، التى تقرأ الواقع قراءة خاصة جدا لاتقف عند النزعة السياسية فقط وإن كانت هى الأقرب إلى التوصيف الموضوعى والفنى،وإنما تتعداه لتقدم شخوصا وقضايا عديدة تبدو فيها الصورة الخارجية وقد بسطت حضورها وسيطرتها على الفكرة المسرحية شخوصا وأفكارا، بداية من المنظر المسرحى العام،حتى بدت الشخصية هى القضية ذاتها وهى الفكرة والصراع، وذلك راجع إلى قناعة الكاتب بطرح الواقع الاجتماعى ووقوفه عند فكرة الشخصية كنتيجة حقيقية،نابعة من الحياة والواقع الذى يفرض وجوده أمام تجربة الكاتب التى خلص منها إلى طرح القضية والشخصية فى آن واحد .
وبداية فإن التشكيل المسرحى قد جاء فى منظر عام تخللته ثلاث لوحات قبل ستار النهاية واللوحة الأخيرة،هذه اللوحات التى تمثل الفضاءات المسرحية الممتدة عبر المنظر العام قد تداخلت فيها الأفكار والشخصيات تداخلا فنيا موضوعيا كان سببا فى تمثيل الرمز،وطرح العديد من الشخصيات ونموها وتناقضها وظهورها فى مستويات عديدة واتجاهات مختلفة،تشكل كثيرا من أنماط الحياة والواقع فى صورة عامة وخاصة، بناء على عملية التداخل المسرحى، الذى يعكس تداخل الحياة واختلاف أنماطها،وكأن هذه اللوحات هى صورة من واقع المجتمع،وانعكاسا لتشابكات الحياة السياسية والاجتماعية والقومية بشكل عام،ومن ثم جاءت التعددية النوعية للشخصية ونماذجها انعكاسا هى الأخرى لانقسامات الحياة الخارجية.
وبناء على تعددية الشخصية واختلاف أنماطها وتباينها فقد أدى ذلك إلى توجهات الحوار الداخلى،حسب مقتضيات المشهد العام،الذى جاء نتيجة حتمية لتباين الفعل الشخصانى، وكان للتداخل المشهدى وتقديم واستعارة اللوحات من بعضها البعض أن تمايزت الأفكار وتشعبت الرؤى،ومن ثم وجود قضايا وأنماط ونماذج شخصية أنتجتها الدلالات والعلاقات،وكان الفعل المسرحى منصبا فى ظاهره على حل مسابقة الكلمات المتقاطعة والوصول إلى الحرف المفقود فى كلمتى (طُز...وطَر) وذلك فى صورة استعراضية للمشهد العربى السياسى والثقافى والتاريخى والاجتماعى والفلسفى،لاتخلو من السخرية ولاتبعد عن التوصيف النفسى ليس للشخصية فحسب وإنما للواقع،ومحاولة استدعاء النموذج البطولى الممثل نتيجة الكلمات المتقاطعة،مقابل عرض ملامح الواقع المتهاوى، ومن هنا فإن دراسة الشخصية فى هذه المسرحية هى دراسة للظاهرة الاجتماعية على المستوى المحلى الداخلى،والمستوى العربى الخارجى نظرا لانصهار الرؤية والتجربة عند الكاتب فى تقديم الواقع من خلال النموذج المتشاخص والعكس،وتقديم النموذج المتصارع من خلال القضايا والأفكار والرؤية المسرحية الكاملة المتضمنة كافة العناصر.
وإذا تتبعنا المنظر المسرحى واللوحات وعملية التقابل والتداخل بين الحركة المسرحية والانتقال التدريجى والحوار والصراع وعملية البناء، نلاحظ أن كامل الكفراوى قد قام بعملية تجديد، كان من نتيجتها تقديم الشخصية من وجوه متباينة مختلفة تترجم الفعل،والقضية والصورة الخارجية التى جاءت الشخصية من تراكيبها ومن مدلولاتها،وهذا يعنى أن قضية الشكل الفنى للمسرحية والتى أولاها الكاتب عناية كبيرة هى المحور الذى قامت على أساسه عملية بناء الشخصية .
من ذلك المنظر الذى جاء تفصيلا رمزيا متطورا يؤدى وظائف عدة مركبة تتعلق بعملية التجديد فى عرض الشخصية والحدث وتفصيل المكان والصورة الخارجية يقول كامل الكفراوى واصفا المنظر المسرحى:
(قاعة زجاجية تسقط منها مرايا ضخمة هذه القاعة تضم مجموعات يظهر عليها الوقار الأكاديمى ..إذا تكلمت مجموعة من المجموعات نزلت من أعلى مرآة ينظر فيها المتكلم باهتمام شديد ثم ينطق حواره فإذا ارتفعت المرآة صمت المتحدث، وكأنما هذه المرآة كتابه الخاص الذى يتكلم منه ( هذا الرمز خاص بالدكتور زكى نجب محمود وقد استعاره الكاتب) أرضية هذا المنظر مظاهرات طلابية، لها مراياها أيضا، تنطق بوجود المرايا أمامها، ويصبها الخرس،إذا غابت المرايا، تتلعثم حتى فى هتافاتها إذا تراقصت أمامها المرايا.. لاينكشف الحاجز الزجاجى، إلا فى محاولات الاقتحام، أو الدخول أو رسم أشكال فكاهية بالفم كما يفعل الأطفال) (14)
فى هذه التركيبة المسرحية التى تساعد فى تقديم الشخصية من وجهة نظرخاصة،تبدو ملامح الصورة الخارجية المسرحية للواقع ومكوناته وأنماطه فالقاعة دلالة إسقاطية لحقيقة الواقع والمرايا رموزا مباشرة لأوصاف الحياة واتجاهاتها،والخلفية التى جعلها الكاتب مظاهرات طلابية،إشارة لحالة الصراع الدائر بصفة مستمرة،وهذا التكوين العام للمنظر يدل على أوصاف الشخصية التى ينتجها وعلى بناءاتها وتشكيلها الاجتماعى والنفسى والذهنى،والمتأمل فى الشخصية التى افتتح بها الكاتب اللوحة الأولى التى حملت عنوان المسرحية الرئيسى(طز..طر)،يجد أن الشخصية مستمدة من المنظر الذى اقترن بالواقع فى تناقضاته وإشاراته وأن الملامح النفسية والاجتماعية قاسم مشترك، ومن هذه الشخصيات (د. سليمان) الذى يمثل حركة القيادة ومرآة الواقع على المستوى النمطى البيروقراطى والتقليدى والتبعية المفرطة، فهى شخصية تعبيرية جاء بها الكاتب رمزا للشخصية القيادية المعاصرة فى اضمحلالها وتفكك مستوياتها النفسية والفلسفية،واعتقد أن الكفراوى قد اعتنى بتقديم هذه الشخصية من الناحية الموضوعية التعبيرية،كرمز حقيقى لعلمية النقد الاجتماعى التى يطرحها فى هذه المسرحية،من خلال طرح الفكرة والقضية التى تنتج الشخوص والمواقف، يقول كامل الكفراوى فى افتتاح اللوحة الأولى (طز..طر) :
( .. يفتح الستار.. على تصفيق حاد.. يسترسل بعده قائد الجمع..
د.سليمان: وحسب توجيهات الرئيس،لابد من البحث عن مشروع قومى .. مشروع يتحد حوله الجميع لنتخطى المرحلة الراهنة ونعبر تلك المتغيرات السريعة وحسب توجيهات الرئيس، كان لابد أن نتعرف على كل الاتجاهات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار،فالكل أبناء، والكل عربى والكل من هذا الوطن .
( تصفيق حاد)
وعلى حسب توجيهات الرئيس، كان لابد من البحث عن الصيغة التى يرضى عنها الجميع ولا أقول مشروعا قوميا بل إننى أطمع أن نصل إلى توفق مجموعتنا هذه وجماعتنا تلك، إلى المشروع الحضارى الذى نستطيع أن ندخل به إلى القرن الواحد والعشرين،آخذين بالأسباب السليمة التى تجعلنا جديرين بالقرن الذى هلت تباشيره على العالم بأسره لكن كيف؟ إسألونى كيف؟! أجيبكم..
الكل كجوقة: كيف ؟!
د. سليمان: أقول لكم حسب توجيهات الرئيس لابد من الأخذ بالأسباب العلمية ، أسباب التقدم لدى الغير، فإذا كانت العلوم الرياضية منهجا ،وكذلك العلوم الطبيعية منهجا فمن ذلك الذى ينكر أن للحضارة منهجا..لابد غذن من قياس لاتجاه الرأى..
الجميع : صح.. صح
د.سليمان: أنا أقول لكم،حسب توجيهات السيد الرئيس،فيجب البحث فى الفكر التلقائى لكل اتجاه حتى نعرف جيدا ما يفكر فيه دون ترك فرصة له يتحوط أو يغير كم أساليب تفكيره او اتجاهات ميوله وآرائه.
الجميع: فعلا ،فعلا، هذا هو الصواب .
د.سليمان: وبناء عليه فيبدوان هذه الصحيفة الرجعية قد علمت بدأب جماعتنا هذه، فغيرت من أساليبها، وجاءت للصعوبة والتعجيز المتعمد( يبرز أحد أفراد مجموعة مقاطعا فى ود ظاهر تسقط عليه مرآة ملونة)
صفى: ليسمح لى الدكتور سليمان أن أعترض..
د.سليمان: تعرف ياصفى قوانين جماعتنا، تلك القوانين التى تحترم الحرية، والديمقراطية، والمساواة ولوكان اعتراضكعلى غيرى، لكان لى كلام أخر .
صفى: أعذرنى يادكتور فكلامك هذا يكاد ..واعذرنى ثانية ، يكاد.. واستميحك عذرا يكاد يصيبنا بالإحباط...( صوت اعتراض من المجموعات)
صفى: انتظرونى قليلا
د.سليمان: أعطوه الفرصة. الديمقراطية.. الديمقراطية أيها السادة .
صفى(مندفعا): إذا شعرت أنت بالصعوبة انتابنا نحن العجز، وإذا غاب عنك معنى، أغلقت فى وجوهنا الأبواب عامان نعمل تحت قيادتك، ما فت العضد، وما وهنت الهمة، ذلك بفضل مضاء عزمك وبفضل توجيهات الرئيس،أنت إذا ادلهم الخطب أتيناك، وإذا تكاثرت المصائب قصدناك.فلانسمح ولن نسمح أن نسمع عنك منك أو من غيركما يهون من شأن غيرك فأنت أنت الزعيم وكلهم ركش(تصفيق حاد،ينحنى صفى فى تواضع)انت الزعيم الفاهم الواعى وغيرك ياسليمان ليس واعى (تصفيق حاد صمت حتى تهدا العاصفة التصفيقية).
صفى: ياسيدى قدنا وانقذنا،فليست هذه اكبر معضلات تقابلنا ففى العامين الأخيرين،كنت دائما منقذنا،فهل بعد قولى هذا تظل مستمسكا بما قلته لنا؟
د.سليمان: بل أكثر من هذا أرى ان هذه الأطروحة التى نتناولها كتبت خصيصا لتكون تحديا سافرا لجماعتنا تلك .. (15)
ويقول كامل الكفراوى موضحا حقيقة الشخصية المسرحية فى ظل التقابل والتمازج الفنى والموضوعى فى البناء المسرحى وأثر ذلك على معالجة الفكرة وتوضيح الصراع وبناء المتخيل الاجتماعى وطرحه من خلال الأشخاص والأفكار والقضايا،وهو هنا يقدم الفكرة المسرحية بواسطة الشخصية،مخالفا طبيعة المسرح الكلاسيكى فى تناوله للشخصية،حيث يعتمد الكلاسيكيون على المتغيرات العامة التى تنتاب الشخصية من الخارج،ومن ثم يأتى التطور داخل النص،وشخصيات الكفراوى هنا تأتى صورة عكسية تحتوى متغيرات الواقع متحورة تتماشى مع التيارات الخارجية التى تقود الحياة،وتلك من أعقد التراكيب النفسية التى تواجه الكاتب،حيث يعتبر الحياة مفرطة جدا فى سلبيتها،وعديمة الفائدة،بحيث تنتج هذا النموذج المتطور بتطور الحياة والمجتمع الذى يشكل كثيرا من إسقاطات النص والكاتب،وهذا التصرف لايغفل الموضوع أو الفكرة بل يولى عناية شديدة بالفكرة وعملية بنائها وطرحها ومعالجتها وتبدو فيها قسوة التطبيق من الناحية الوجدانية،حيث يكون غالبا فى صورة ساخرة استهزائية،لكنها تضج بالأسى والمرار،حيث لايسوق إلا المتطابق مع فكرة النقد وذلك لغلبة الطموح الذى ينتاب الكاتب:
د.سليمان: لا،لا، سأشرح لكم أنا، لماذا سأشرح؟! سأشرح من أجل لكن هذه التى قالها زميلكم( يمسك تباشيرة ويشرح على سبورة) :
أولا: عرفت إدارة المجلة السابقة الذكر اننا ندرس طرق تفكيرهم ،ليس على طريق مقالاتهم لا،أوطريق ريبورتاجاتهم الصحفية،لاأمَّال عن طريق إيه..عن طريق حل مسابقة كلماتهم المتقاطعة،واحد سطحى يرد يسخر منا ويقول الكلمات المتقاطعة؟! أأوانه أيوه ..أيوه إزاى؟! أنا أرد..(بمنتهى التؤدة يخرج زجاجة مياه معدنية من حقيبته،وثلاثة كئوس مختلفة الألوان) بص ليه هنا وافتكر كويس المثل الشعبى اللى بيقول،بيقول إيه ؟ بيقول عيسى نبى،موسى نبى،محمد نبى وكل اللى ليه نبى يصلى عليه يعنى إيه خلى بالك ركز معايا (يرفع زجاجة المياه المعدنية)إيه دى؟!إيه دى؟!(لايجيب أحد)(يفتحها يشرب منها قليلا)(ينطق الجميع دفعة واحدة) ميه،ميه.
د.سليمان: بنظام ،بنظام أرجوكم.. إيه دى؟! أنا أجاوب نزل إيدك دى مياه معدنية،مياه معدنية مش ميه بس لونها إيه،لونها إيه؟!(يصمت الكل)لا،لا، اشتركوا معايا،لونها إيه ؟!لونها إيه؟!(لايجيب أحد) بارفو عليكم الحذر واجب،احذر الارتجال فى الإجابة)الميه دى فى القزازة دى،لونها أبيض سماوى كان ممن واحد متسرع قبل ما أول يقول أبيض بس.. لونها إيه..
الجميع: أبيض سماوى
د.سليمان: برافو،برافو،أبيض سماوى(يصب فى الأكواب الثلاثة) الميه هنا لونها إيه..
يجيبون: أحمـــــــر ..
د.سليمان: وهنا!! وهنا!! وضح المعنى أظن (يصفق الجميع) عيسى نبى موسى نبى محمد نبى وكل اللى له نبى يصلى عليه، اليمين فى كلماته المتقاطعة هيحط مصطلحاته وأمانيه،اليسار هيعمل نفس العمل، والوسط لن يخرج عن هذا من هنا، وهما غفلانين نقدر نفهم اتجاه تفكيرهم ،مثلا لو اليسار بيقول ماركس ولينين وستالين،يبقى لسه متحجر،وإذا قال بورستريكا،وجوربا وخرشوف يبقى (تصفيق حاد) يعنى بالمعنى البلدى،إحنا بنساهى المتهم ونسأله،بنساهى الكذاب ونسأله(تصفيق حاد) .
ثانيا: هذه المجلة رجعية ولاتؤمن بجماعتنا هذه لأننا جماعة علمانية ثورية تقدمية .
ثالثا: لما كانوا رجعيين فقد وضعوا تلك المصطلحات والأسماء الرجعية المتعفنة،التى بالتأكيد ستغيب عنا نحن رئيس وأعضاء هذه الجماعة ،فبالطبع ما يريدوننا نصل إليه يعتبر اسما أو وصفا مهجورا بالنسبة لنا نحن على الأقل.
رابعا : رغما عن هذا فقد قبلت بالأصالة عن نفسى وبالنيابة عنكم أقول قبلت التحدى( تصفيق حاد .. وصفير استحسان).
خامسا : أحب أن أطمئنكم،أنه لولا هؤلاء الفوضويون من الطلاب،الذين أشك أنهم اختاروا هذا الوقت بالذات ليشوشوا علينا،أقول لولا هؤلاء لأمكننى بفضلكم وبعون الله ثم بعونكم،أن أنتهى من تلك المسابقة فى ساعات أقل ومجهود أوفر .
سادسا: واخيرا وليس أخرا،من اجل مصر ومن اجل العروبة ومن اجل حياة أفضل ومن أجل إمكانية حل تلك المسابقة يجب أن يتسلم أحدنا القيادة،ويتسلمها بالاقتراع الحر السليم .ترى من ستختارون؟! من ستختارون ليكون القائد؟!.
صفى وأصوات كثيرة من الموجودين: دكتور سليمان دكتور سليمان؟! ماذا تقول؟! ماهذا؟! أنت ..أنت بالطبع ..انت الزعيم .
د.سليمان: (فى تواضع جم) الموافق يرفع يده.. ترفع جميع الأيدى)
د.سليمان: الكل موافق إذن لكننى.. لكننى سأعتبر نتيجة التصويت 99،9% .
صفى: لالا مستحيل، لماذا هذا يادكتور ؟!
د.سليمان: أنا ديمقراطى ، هل نسيت زميلك الذى قال (ولكن).
الدكتور الذى قال ولكن : لالا انا أعترض كيف تعتبرنى معترضا،هذه إهانة لى،أنا اختارك أنت،وليس أحد سواك ، أنت أنت عمرى، أنت الأمل.. أنت الحب ..
د.سليمان: (مصرا)99،9% انتهى التصويت، بالتأكيد حالفكم الحظ من جديد، كنت متأكدا من حسن اختياركم ،والأن إلى معركتنا المنتظرة والتى لن تكون الأخيرة مع هذه الصحيفة الرجعية والتى تتعامل مع الأسماء والمصطلحات المهجورة دكاترة اللغة العربية ؟ .
مجموعة العربى : لبيك .. لبيك ..لبيك ياعلم العروبة كلها لبيك . (16)
ويستمر الحوار المسرحى على هذا النسق الذى يجعل من الصراع عملية استقراء للواقع والمجتمع، وبناء وانطلاق الشخصيات على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم،وهنا تبدو الشخصية المسرحية ثابتة غير متحولة،ويكمن التحول فى تطور الحدث والفكرة ونمو الصراع،وقد يعتبر هذا التصرف ضد عملية التطور والبناء التى يجب أن تكون عليها الشخصية المسرحية،وهذا يعنى أن هناك شيئا موضوعيا انتباب هذه الشخصيات،والحقيقة أن المسرحى كامل الكفراوى قد لجأ إلى ابتكار الشخصية من توالى الصراع الاجتماعى،وتوالى المسيرة الموضوعية التى يحاول من خلالها أن يقدم الصورة الحقيقية للواقع،وقدتم له هذا التصرف وتم تقابل الواقع من خلال الصراع مع الشخصية، حتى بدا كل منهما لاحقا للأخر ومكشوفا عاريا لايسبق الفعل المسرحى،حتى أن عملية الانتقال التدريجى لم تتم كما هو معروف حسب قوانين الطبيعةالفنية والموضوعية والعرف المسرحى،بل إنها جاءت نتيجة لتوالى الصراع والشخصيات حسب تدرج العمل نفسه وحسب تدرج الفكرة فيه،فمثلا شخصية الدكتور( سليمان) لم تتقدم فى الفعل منذ أن قدمها الكاتب فى صورتها الأولى،كرمز للتسلط والاستخفاف والقهر والتبعية والسلبية والجهل الإدارى والبيروقراطية والروتين،حيث تتولى القيادة بطريقة إسقاطية تتطابق مع الواقع السياسى الذى يحاكيه الكاتب وينطلق من محاورته،وهنا تتشابك الشخصية مع كثير من ملامحه النفسيةالعامة التى تشغل باله (الكفراوى) بطريقة جعلته يبحث عن الثقافات والتكوينات السياسية المستوردة (الماركسية والرأسمالية والشيوعية والليبرالية... وغير ها) ويسوقها كنمط تعبيرى يطرح العديد من الشخوص والنماذج.
وعلى ذلك فإن الصورة الخارجية هى محور الصراع عند الكاتب وهى التى تنتج الشخوص وتنتج المواقف والأفكار الاجتماعية،حيث تعطى للنص قدرا كبيرا من الملامح الحقيقية التى تعين الواقع وتعين الفكرة الاجتماعية والسياسية،وتعطى وضوحا للفكرة الإدارية فى عمومها وفى مراحلها المختلفة، بعدا سخريا ليس فيه غاية جمالية موضوعية بقدر مافيه ملمحا ابتكاريا نقديا، للفكرة والشخصية،وإن بدا غير ذلك .
وهذا يعطى تشكيلا خاصا للصورة الافتتاحية التى تؤدى دورا وظيفيا للنص المسرحى،حيث تتكون من الفكرة والصراع والشخصية ويلعب المنظر فيها دورا توجيهيا ينعكس أثره على عناصر البناء الأخرى التى منها الشخصية وقد توالت الشخوص المتصارعة ليس مع نفسها فقط،بل مع التعبير عن فلسفة الكاتب،ورغبته الواضحة فى تقديم النماذج التى يستحيل معها فض ملامح البعد المفقود من الوطنية والقومية،من ذلك شخصية (صفى ) التى تمثل قدرا كبيرا من الامتداد للشخصية التابعة المعاصرة التى تقف عند حدود التبعية ولاتغادر موقفها وفاء لأستاذها فى دلالة نقدية صارخة،وكذلك (مجموعة العربى ) و(المجموعة التاريخية) وأساتذة (علم النفس).و(الفلسفة المادية) و(المثالية) و(المخرج) و(والهتيف) و(العامل) و(أستاذ الفلكولور) و(رئيس قسم الجغرافيا) و(الطالب) و(محمد) وغيرها من الرموز والشخصيات التى بلغت مايقرب من أربعة وعشرين شخصية قد توالى ظهورها تباعا حسب مقتضيات الحوار وانتقالات الصراع من مرحلة إلى أخرى،وحسب مراحل الحل التى اقتضتها عملية البحث عن الحرف المفقود فى الكلمتين(طُز.. طَر)، والمتأمل فى طبيعة هذه الشخصيات يجد أنها ليست أوصافا بشرية بقدر ما هى دلالات وعلامات تجاوز بها الكاتب المألوف فى طرح النموذج الشخصانى،حيث اهتم بالصفة وبعملية التمثيل التى تبحث فى علاج الفقد والضياع للفكرة القومية والوطنية،التى باتت من ملامح التراث الذى تجسد فى ( زرار ) جد محمد المفقود والذى اقترن البحث عنه بالبحث عن الحرف المفقود فى الكلمتين (طُز.. طَر)،يقول الكفراوى فى اللوحة الثانية التى اندلعت فيها المظاهرة وتشعب فيها الصراع الاجتماعى مقدما الحركة المسرحية التعبيرية على الوصف المادى البشرى :
(يدخل محمد عامل البوفيه نوبى يعرفه الطلاب)
محمد: يخرب بيتك ولد، قطعت ليه الزرار، تسمح ،تسمح .
الهتاف : أوعى تقولوا مات مشنوق واحد ميت رأسه لفوق .
( الأفراد باقى الهتافات كما هى) الجهاد .. الجهاد ..
محمد: رجلك، تسمح، رجلك،ياأستاذ .
طالب: فيه إيه؟ .. فين ..؟
محمد: أنا محمد .
طالب: يخرب بيتك،إيه اللى بتهببه فى الهيصة دى؟ أنت حسابك مش خلصان.
محمد: زرار؟زرار دلوقت يامحمد؟ أنت إيه .
محمد: وانت مالك، وانت مالك ياخى زرار من ريحة جدى .
صفى: جدك؟!
الهتيف: الجهاد .. الجهاد
محمد: آه جدى ياخويه، جدى كان فى جيش عرابى مات فى بور سودان.
صفى: والله زعلتنى يامحمد، والله انت ابن حلال انا هدور معاك .
محمد: عنك انت بس اوعى رجلك حبه .
صفى: والله ما أسيبك لوحدك فى الهيصة دى لازم أدور معاك (وينثنى متخليا عن
حمل الهتيف الأول، فيسقط الهتيف على ظهره فوق الأرض) (17)
ويقول الكفراوى فى اللوحة الثانية:
الأستاذ العجوز: استقر الرأى على أطز.. بعد ما استبعدت كثير من الكلمات لاتبعث فى الذهن أى معنى،الأمر إذن كالأتى أطز – يطز فهو طزطاز،ولقد وجدت الهيئة الموقرة أن الطزطاز اسم لمستحدث حضارى،يسميه العامة والسوقة الموتسيكل،ونعتقد جازمين أنه لاقائد فى التاريخ العربى كله – يسمى-الموتسيكل-من الممكن أن يسمى العامة أحد لاعبى الكرة-موتسيكل-أو مجرى أو نفاثة،لكن ليس هناك قائد اسمه الموتسيكل .
الأستاذ العجوز: بعده – ب- تضاف إلى فرضية الجرنال ويعنى-بَطُزَ- أيه بَطُزَ.
أستاذ أخر: طُز براحتك،طُز ياحبيبى محدش ها يحبك .
الأستاذ العجوز: أيها السوقى، أيها الدهم من دهماء نحن لانتعاطى العامية . (18)
ويقول من نفس اللوحة:
أستاذ لأستاذ أخر: ططَرَ طَطَرَ
الأستاذ الثانى: يهيأ لى أنها تتر .تتر
الأستاذ الأول: طَطَرَ
الأستاذ الثانى: تَتِرَ
الأستاذ 1: طِطِرَ
الأستاذ 2: طرَ
د.سليمان: فيم الجدل؟!
الأستاذ الثانى: أنا ترن فى أذنى كلمة (تتر) احس أنها معقولة وهويعتقد
أنها(ططر) ( ظطر) ماذا ترى أنت ؟!.
د.سليمان: (فى ثقة) افتحوا القواميس .
ويقول فى اللوحة الثالثة:
د.سليمان: عين فتحة عَ.. عَ طَ زَ على وزن زَان فتح زَ رَاء فتح رَ عين فتح زَرَعَ
زَرَعَ عَطَز،عَطَز.
الأستاذ العجوز: هذان الفعلان لم نسمع بهما من قبل .
د.سليمان: باقى الحركات .. هيا .
أستاذ الفلسفة المادية: كيف نمر مرور الكرام على كلمة عِطر هكّذا وهى كلمة فى الأذن معقولة، وفى الشارع معروفة.. كيف؟!
الأستاذ العجوز: هل تعتقد أنها من الممكن أن تكون اسم قائد؟!
أستاذ الفلسفة المادية: ياسيدى يبدو أنك تزدرى فكر غيرك.
الأستاذ العجوز: أنا يابنى ، حاشى أن أفعل هذا،كلا وألف كلا ..
أستاذ الفلسفة المادية: إذن فماذا تقول فى قوانين الجدل الأربعة؟! ماذا تقول فى القانون الأول منها وهو يقول: لايوجد شىء فى الطبيعة أو فى المجتمع منعزل أو منفصل عن غيره من الأشياء أوالظواهر الكل مترابط والتأثير متبادل باستمرار.(19)
ويقول الكفراوى فى اللوحة الثانية أيضا:
د.سليمان: الفاء .. ف ،أدخلتها اللجنة على طز، فلم تنتج شيئا معقولا،وأدخلتها اللجنة على طر فأنتجت (فطر) وبعد البحوث، والجدل العنيف بين أساتذة اللغة العربية وحماتها وبين غيرهم من الأساتذة استقر الرأى بالاقتراع الحر المباشر على أن (فَطَر) ترادف خلق،خلق على الفطرة وأغلق باب النقاش،واما كلمة فِطر فلقد رأت اللجنة أنها كلمة طيبة ولذلك تم على ما يلى بإجماع الآراء:
أولا: بناء على اللجنة يتم استدعاء لجنة طبية
ثانيا: هذا الرأى أخذ بناء على حجة أساتذة الفلسفة المادية ة والفلسفة المثالية فالأمر لايستبعد أن يكون هناك آلاف الفطريات أو الأدوية أو الأمصال مسماة باسم مكتشفها أو مخترعها .
ثالثا: ربما يكون أحدهم كان قائدا وابن فى مصر،وأسلم مثل مينو وساعد جيوشنا،ويكون هو المقصود .
رابعا : لكل هذا رأت اللجنة استدعاء لجنة طبية . (20)
ويقول فى اللوحة الثالثة:
د. سليمان: وبتجربة القاف وجد الأتى القائد اسمه إيه
الجميع: ق طُز
د. سليمان: البلد اسمها إيه
الجميع: قَطَرَ ..
د. سليمان: وانتصرنا،وانتصرنا،وانتصرنا، والأن اخلدوا للراحة، حتى نستعد لباقى الكلمات تستطيعوا أن تغيروا ملابسكم،أو تغسلوا وجوهكم إلى أن يشترى لنا صفى ،خروفا نجهزه للعشاء،هيا ياصفى هيا فأنا أكره أن يستغلنا جزار (21)
مما سبق ومن خلال هذه المشاهد والمقاطع المسرحية نستطيع القول أن الشخصية المسرحية عند كامل الكفراوى فى مسرحيته (طز.. طر) هى شخصية الواقع وهى ملامح المجتمع،وهى البعد المفقود فى الحياة العامة وقد نجح الكفراوى فى دمج الفكرة بالشخصية المفقودة، التى هى أصل الصورة الموضوعية وأصل الشخصية المحورية رغم أن الإعلان عنها أخذ مرحلة طويلة من البحث، وهو فى سبيل ذلك قدتناول ملامح الشخصية المصرية فى علاقاتها وتعاملها مع القضايا الوطنية والقومية، والشخصية هنا هى شخصية اللامنتمى الذى يبحث عن الانتماء فى تقديره المتراجع،وفى ذاكرته التى اختفى منها الفعل البطولى، وتراجع فيها الهم النفسى العربى الجماعى،وما يلفت الانتباه أن الكاتب قدم تصرفا فنيا جديرا بالبحث والتأويل وهو عملية البناء الفنى والموضوعى للشخصية المسرحية بواسطة النمازج الاجتماعية المتصارعة وصولا إلى الشخصية محل العمل ومحور الفكرة المسرحية وهى شخصية (قطز) القائد العربى المسلم الذى انتصر على التتار،وذلك مقابل التطور الخارجى للصورة والفكرة الموضوعية التى تسير جنبا إلى جنب مع معطيات الواقع الشخصانى،والتى تتمثل فى تهاوى الفكرة العربية والتوجيه السياسى،الذى حل محله التوجيه السلبى للنموذج البطولى،ويمكن تفسير البحث عن الحرف المفقود بعملية تمثيل حقيقية للمتخيل البطولى الذى انتصر سابقا فى أشد المعارك قوة وتحديا،مما يزيد الأمر تعقيدا على مستوى التفكير النفسى المسرحى، وعلى مستوى الدلالة العربية المعاصرة
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:13 am

وفى مسرحية الكاتب المسرحى على محمد الغريب " المضحكة" تواجهنا مجموعة من الشخصيات المركبة من فكر الكاتب ومن دمج النقد الاجتماعى بالتفاعل المسرحى، الذى اعتمد التناص النقدى الاجتماعى بطريقة مبتكرة، أنتجت الشخصية والواقع والرؤية المسرحية التطبيقية، التى تشمل طريقة العرض ومحاورات النص المسرحى فى جملة من المراوغات الفنية والموضوعية،مما يعنى أن الشخصية المسرحية ذات الأبعاد الفنية والموضوعية لاتأت بمعزل عن الفكرة الأصلية التى تشمل الواقع والخيال والتصور المتخيل للعالم والحياة الخارجية .
وقد حاول الكاتب تجاوز الدلالة المباشرة للفكرة التصويرية فاعتمد على المفارقات النفسية والوجدانية التى تبدو فى ظاهرها نمطا من الضحك والسخرية،لكنها تشير فى باطنها إلى الشخصية الأصلية التى تختبأ فى ضمير الشخصية المطروحة،وتشير إلى النص الأصلى الذى يطرح النقد والنموذج الشخصى المعاصر فى وجوه عديدة،على المستوى السياسى والاجتماعى والفكرى والاقتصادى،والذى لايبعد عن تقديم التصور النفسى للمجتمع والحياة من زوايا مختلفة،تتفق مع طبيعة النص المسرحى وطريقة العرض،وتتفق مع محاولة الكاتب فى معالجته وتقديمه للإشكالية الاجتماعية.
وقد يفرض هذا التصرف الفنى والموضوعى نوعا من الجدل الفكرى حول فلسفة النص المسرحى والإبداع والعلاقة القائمة بين الكاتب والنص من جهة، وبين طرح النموذج الشخصى من خلال الرؤية المزدوجة التى تجمع بين ثقافة الكاتب،وبين موقفه العام وطموحاته المختلفة،التى لاتبعد عن الانعكاسات الاجتماعية التى يريد الكاتب معالجتها .
واعتقد أن على محمد الغريب فى طرحه لهذه النماذج الشخصية قد تجاوز مسألة البحث عن العلاقة بين الواقع الاجتماعى والنص وفكرة الجمال الفنى التى تعينت فى الجانب الساخر المسيطر على الفكرة العامة،وذلك راجع إلى فكرة البناء المركب للشخصية وبعدها عن النمطية رغم أنها ليست بعيدة أو غريبة عن الواقع القريب،وقد استقل (الغريب)بهذا التصرف عن الفكرة التعبيرية فى المسرح والتى سادت فترات طويلة،والتى كانت تنطلق من دلالة أن النص إحدى أيدلوجيات الحياة الاجتماعية،وبالتالى فإنه يفسر حسب محتواه الاجتماعى بالدرجة الأولى،وهنا تتراجع النزعة الجمالية المتضمنة معنى المتعة بصفتها من خصوصيات التمثيل المسرحى،وتحل محلها الفكرة التنظيمية للأركان والعناصر التى تقوم عليها العملية المسرحية .
وقد أدى هذا التطور الفكرى لعملية التمثيل المزدوجة التى تجمع بين عناصر الفن والواقع وطموح الكاتب إلى أن تعدى النص مرحلة الفردية التعبيرية إلى استلهام النموذج الشخصى فى إطاره الكامل وليس منعزلا عن بيئته،مما يجعل عملية التمثيل والتخيل لأبعاد الفكرة الاجتماعية تتشكل حسب فكر القارىء،دون أن تأخذ بعدا أيدلولجيا خاصا،ويصبح الاتجاه النقدى هو الأقرب إلى فكرالكاتب وطرح النص ،وهنا تبدو العملية الإبداعية المسرحية وقد تحقق لها الجانب الجمالى الفنى الممتع والجانب الاجتماعى الذى يعبر عن قضايا الواقع ، وذلك عن طريق الشخصية وكيفية بنائها، والسيطرة على أركان التزاوج بين الدلالة الموضوعية والتصويرية، حتى تبدو الصورة المسرحية والمنظر المتكامل فى الوظيفة الفنية التعبيرية .
ورغم أن النص قدم شخصيات عديدة تمثل اتجاهين مختلفين نتج عنهما الصراع الكلى للنص إلاأننا سنلقى الضوء وسنتوقف أمام النموذج المضاد للتيار الفكرى المسيطر على الصورة الخارجية للمسرحية والذى يمثل الوجه الصريح للعملية النقدية،ويمثل الرمز الاجتماعى المناهض لفكرة التحول والتبدل التى طرأت على الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية فى العصر الحاضر،وتلك عملية قد تبدو مكررة ومفتعلة فى مواقع كثيرة من التعبير الأدبى،إلاأن النص المسرحى (المضحكة) قدم الفكرة النقدية العامة من وجهة نظر خاصة،تقوم على الشخصية ذاتها،وتعتمد على التكثيف والحضور للدلالة البعيدة والقريبة للتوجيه السياسى الداخلى والخارجى،وكأن التأثير ناتج عن التراكمات الخارجية وتواليها من عصر إلى أخر، وهذه الإشكاليات وغيرها تمثل ضمير الكاتب فى العديد من المواقف وقد انحصر ذلك فى شخصية (زارع) ــــــ و(خضرة)وهما يمثلان الصورة الداخلية للنص والفكرة الموضوعية التى يعالجها الغريب مقابل شخصيات عديدة تشكل اتجاهات أخرى لاتقل فى عرضها وتفاعلها المسرحى عن هذين النموذجين،وتمثل الصورة الصورة الخارجية فى نقدها للواقع وفى رمزيتها ودلالتها وقد تعين ذلك فى شخصيات (العمدة،ونديم ومايكل النموذج الإسقاطى، وسويسى أفندى،وطائفة الفلاحين) وغيرهم من النماذج الإسقاطية المباشرة .
زارع : شخصية ذات خصوصية عامة تشكل كثيرا من ملامح الفكرة الواقعية رغم بساطتها وانحسارها فى أوصاف قريبة جدا من الواقع،فهى تمثل الفلاح فى صورته الفطرية الدقيقة،وتمثل الضمير النفسى والاجتماعى المناوىء لمتغيرات التطور الاقتصادى والزراعى والسياسى الذى يلقى بظلاله على الحياة العامة مسببا تراجعا فى أنماط الحياة وخللا فى التوجيه الإدارى للفكرة الاجتماعية الناتجة عن الفكرة السياسية،والتى يحاول الكاتب عن طريقها أن يسقط كثيرا من اتجاهات الواقع الخارجى المتمثل فى محاولات السيطرة الأجنبية على المجتمع المصرى عامة والقرية خاصة،حيث جاءت فكرة (المضيفة) وتحويلها إلى (المضحكة) كدلالة على تطور الحياة وانتقالاتها العلمية والاجتماعية،فى طريق مختلف لطبيعة الشخصية المصرية المتمثلة فى نموذج الفلاح الذى يمثل صلب الحياة وكيان الواقع المصرى،يقول الكاتب فى حوار دار بين "زارع" و "سويسى أفندى" صراف الجمعية الزراعية:
زارع : كل حى معلق من عرقوبه .
سويسى: يعنى أنت تخالف قرارات الوزارة وتمتنع عن أداء الحق العام ؟
زارع : أنا لم امتنع .. انا أطالب بحقى .
سويسى: حقك فى زراعة "لب التسالى" بدلا من القطن .. المحصول القومى للبلد؟
زارع : عجبت منكم .. الوزارة هى التى تدفعنا إلى زراعة لب والشمام،لتمتلىء دورنا باللب،فنتسلى ونبصق فى وجوه بعضنا كالقرود والوزارة هى التى منعتنا عن زراعة القطن،وهى التى تحاسبنا لأننا لا نزرعه!.. الوزارة تريد خسارتنا مرتين!
سويسى: أنا موظف فى الوزارة منذ ثلاثين سنة،ولم أر قرارا واحدا يمنع الفلاحين من زراعة القطن .
زارع : (يضحك ويقهقه) المصيبة هنا .. نحن لم ننه عن زراعته بقرار.. نحن نهينا بالإكراه !
سويسى: بالإكراه؟!!
زارع : نعم بالإكراه .. وكل هؤلاء الناس يفهمون كلامى.. تكلموا ياناس .
فلاح : زارع كلامه صحيح .
سويسى : صحيح ؟!
فلاح أخر: نعم .. كلامه صحيح .
زارع : أنت نفسك تعرف أن كلامى صحيح،لكنك تخالف ضميرك!
سويسى : أخالف ضميرى؟ هذا اتهام خطير!
زارع : لاتدع الغفلة ياسويسى أفندى
سويسى : أدعى الغفلة ؟!!
زارع : نعم وإلا بماذا تفسر علمك وعلم المهندسين فى المنطقة بمعاناتنا طوال السنوات الخمس الماضية مع محصول القطن ..نزرعه فنكتشف أن البذرة فاسدة، ندور على التجار ونشترى تقاوى جديدة لندرك الموسم فينبت إنباتا مريضا، نلاحقه بالمبيدات والأسمدة فيخضر ويورق .. نفرح لكن فرحتنا تخطفها أيام ما قبل الجنى عندما يسقط النوار ويموت المحصول وكأن عفريتا ركب الزراعة! كل هذا والوزارة تعطينا أذنا من طين وأذنا من عجين فلاهى التى تدعمنا وتساعدنا فى تحصين المحصول ولاهى التى تتركنا فى حالنا.. كلامى صحيح ياناس ؟
الفلاحون : كلامك عين الصح ".(22)
وفى هذا المشهد تبدو النزعة المسرحية التحاورية وقد تجلت فى الصراع الخارجى الذى تعين من دلالة الصورة الخارجية،وانحسر فى العملية النقدية للسياسة الزراعية كإحدى دلالات الفكرة الاجتماعية العامة فى الحياة الخارجية،وهنا تتشكل الشخصية المحورية وتأخذ بعدا محوريا متصارعا مع الواقع الخارجى الذى يتنامى بنمو الشخصية، ويتصارع بتصارع الفكرة والحدث .
وفى حوار أخر بين "زارع - ونديم" يقول على الغريب:
نديم : يازارع أنا لست دكتورا فى الطب!
زارع : ففى ماذا؟
نديم : فى الفلسفة وعلم النفس
زارع : حاوى يعنى؟
نديم : لالا .. كيف أفهمك؟
زارع : أنا فاهم كل شىء .. المسألة واضحة كالشمس .. أنت تكلم رجلا يجلس طوال الليل على قهوة"أبو نوسة" ويشاهد الفضائيات ويعرف أين يخبىء العفريت
ابنه .. إن لم تكن دكتورا تعالج المرضى فماذا تكون؟ (23)
ويستمر الكاتب فى هذا التوظيف الذى جعل الشخصية تقوم بعدة أدوار موضوعيا وفنيا،حيث تصطدم مباشرة بالشخصيات الأخرى،ويبدو منها التصارع والاشتباك مع الواقع الذى يمثل الأخر ويمثل الحياة الاجتماعية العامة سياسيا واقتصاديا وعلميا،حتى يتسع الصراع ليشمل المتخيل السياسى الخارجى،وتصبح القرية هى النموذج الصغير للواقع الخارجى الممتد الذى يحاكى الوقائع والأحداث الخارجية، وهنا تتحول الشخصية التى يريد الكاتب طرحها إلى وسيلة مباشرة لمناقشة الأفكار النقدية الاجتماعية،وفنيا فهى تتطور بتطور النزعة الفنية المسرحية التى تنبع من داخلها،حيث تصبح تيارا فكريا مستقلا تبدو عليه الدلالات المتعلقة بقدرة الكاتب فى تقديم الواقع من خلال النموذج الشخصى، والمواقف المسرحية فى تسلسل الأحداث فى تعددية تشمل جميع الشخصيات وتشمل الحركة والبناء والتخطيط ونقطة الهجوم والدخول والخروج، وعملية التحويل التى انطلق منها الكاتب منذ مفتتح المسرحية،وإشاراته ( المضحكة) فى الضحكة (المتموجة) والضحكة( الهادئة) وتحليل الفكر السياسى وترجمته فى نوعين من الضحك والسخرية التى شملت "العمدة" الذى يمثل أوجه السلبية الإدارية،وهذا يجعل من هذه الشخصيات وجوها وأفكارا ونماذجا متصارعة مع ذواتها، ويجعل استخدام الشخصية مقرونا بقضايا الواقع.
خضرة :
وهى زوجة زارع والوجه الأخر المناهض للتيار الاجتماعى والمتشابك مع النماذج الأخرى بغية إحداث تطور موضوعى يجمع بين فكر الكاتب وأصالة الواقع،وهى من أركان الصورة الداخلية المتصارعة مع الأحداث والواقع،والتى يعول عليها الكاتب كثيرا فى كشف صفات وميول الشخصية المحورية(زارع) وذلك نظرا لما قدمه فى طبيعة هذه الشخصية على المستوى النفسى والرمزى .
وتشمل الصورة الخارجية الأشخاص الذين يديرون حركة النص ويشغلون الفضاء المسرحى ويشكلون كثيرا من ملامح الفكرة الموضوعية فى بناءاتها المختلفة،وقد اعتنى بهم الكاتب، فجعل وجوه الواقع ممثلة فيهم من حيث العرض الموضوعى،ومن حيث العرض الفنى الداخلى وسيكون لنا وقفة مطولة فى استجلاء معالم هذه الشخصيات على المستوى الفنى المسرحى،وعلى المستوى الموضوعى النقدى .
وفى مسرحية (الغائب والبركان) الشعرية للكاتب المسرحى محمد سعد بيومى جاءت الشخصية محملة بصفات المسرح الحديث الذى يعتمد على التقنيات الفنية الحديثة،ويجعل من الإبهار والجذب محورا يسيطر من خلالهما على حواس المشاهد،فالضوء يمثل مدخلا مهما من مداخل العرض،ومن محاور الرمز المسرحى حيث اهتم به الكاتب ووظف درجاته المختلفة وألوانه كمحاور استقرائية،يقرأ بها المنظر المسرحى،وفى ذلك يقول: تلعب الإضاءة دورا هاما فى هذا العمل المسرحى الشعرى فسحب الإضاءة يشير إلى اغتيال اللحظة المشرقة ولتكثيفها مدلول ولمزجها مدلول،ولبقائها مدلول،فى حالتى المزج والنقاء،كما يلعب الديكور التراثى دورا مؤثرا إلى جوار لون الديكور وقدمه وحداثته،ويؤكد العمل دور "المكياج" ومؤثرات الخيالفى التأثير على المتلقى،كما يسعى إليه العمل المسرحى الشعرى،وكما يختلج فى صدور الشخصيات..) (24)
وفى مواقف كثيرة من النص لجأ الكاتب إلى هذه الخاصية بطريقة مباشرة كوسيلة مساعدة فى تحقيق الانتقال التدريجى للفعل ونقل التأثير من المباشرة إلى الدلالة الرمزية،وذلك بهدف توجيه المتلقى وجهات فنية تأثيرية مختلفة، تجعل الحركة السريعة للشخصية محاصرة بهذه المؤثرات التى جاءت لتقدم جوانب خفية فى الشخصية.
وقد اعتمد الكاتب كذلك على تشكيلات عديدة تتناسب مع الإيقاع العام لحركة الشخصية،وحركة الوحدة الموسيقية التى اعتمد عليها فى بناء الحوار وتراكيب اللغة (فاعل) وهى تشير إلى بحر المتدارك ،وهو من البحور الصافية التى تصلح لهذا النسق المسرحى المتداخل،وحيث توحى برمزية التكوين ومشاركة المنظر المتكامل كإحدى أوصاف الشخصية الخارجية، من ذلك ماجاء فى تقسيمات النص أوما يسمى بالبناء والتخطيط،حيث جاءت المسرحية فى ست لوحات كان الديكور وتقسيمات المسرح والألوان والظلال هى القاسم المشترك بين خيوطها بالإضافة إلى الرموز التى أشارات لها الرسومات والأشكال الدلالية الأخرى،التى تساعد فى نقل المنظر على المستوى المكانى والزمانى .
وتنقسم الشخصيات من حيث الصراع إلى قسمين الأول يضم: زاهر وزهرة وشمس ونادر ونور وعبدالله الصابر وأمه حياة، والثانى يضم: الضبع ورجاله والمقنعون،ويمكن حصر البطولة والصراع فى (الضبع/ وشمس) والباقى شخصيات مساعدة أو من دعائم الحركة المسرحية، ومن ملامح التكوين النفسى للصراع الذى يشير إلى( شمس /والضبع)،وحركة الفعل الانتقامى الرمزى الذى قامت على أساسه العملية المسرحية .
واعتمد الكاتب كثيرا على حركة الدخول والخروج فى استظهار الشخصيات،فرأينا دخولا وخروجا مكررا لكنه يفصح عن توظيف خاص ورؤية فنية تبدو متناسبة مع الفعل الدرامى المتجدد فى النص والذى يدل على صفات الشخصية من حيث السرعة والانتقال والمهارة التى يريد الكاتب أن يقنعنا بها فى نقل الحركة النفسية الداخلية وترجمتها إلى وقائع وأحداث تبدو فى ظاهرها أفعالا مسرحية،لكنها تعكس سيطرة الكاتب على تدرج الحدث وبناء المشاعر وتوظيفها فى تطور الفعل والشخصية.
والمتأمل فى الصورة الخارجية لحركة هذه الأشخاص يجد أن الأهمية المسرحية نتجت عن الدلالة والحركة فى تكوين المتخيل النفسى العام الذى يشمل النص وحواراته ويشمل الشخصية فى بعديها المتصارع والمضاد وما نتج عنهما من مواكبة الفعل الخارجى ومطابقة الواقع،فمثلا (شمس) مع أبنائها زاهر وزهرة ،بداية من دلالة الاسم وحركة الرمز تشير إلى النموذج المقهور الباحث عن العدل فى صورة انتقامية متباينة فعلا وحوارا وإيقاعا،وكذلك (الضبع) ورجاله وتباين أفكارهم وتكويناتهم الذاتية،يشكلون تيارا خارجيا مستهدفا،ورمزا للصراع الحقيقى الخارجى،وهذا يؤكد حقيقة البناء فى تلك الشخصيات،حيث تبدو (شمس) وجماعتها فى تنامى وتصاعد وتطور يقوم عليها الحدث وينتظر منها الظهور والحركة نظرا لما تتمتع به من دوافع تبدو متشابكة مع حركة النص والواقع الخارجى،لذا فقد استغل الكاتب هذه الخاصية فعكف على تضمينها بعض الامتيازات النفسية والموضوعية،التى ترجمت فى انتقالات الحدث إلى حركة مفاجئة،ومن ثم انعكس ذلك على عملية الدخول والخروج والظهور والاختفاء،فهى تملك قوة فى الإرادة وتملك دافعا وحدثا قويا،يؤهلها للقيام بمثل هذه الأداور،وهذا لايعنى أن كل ما قامت به كان مقنعا نظرا لطبيعتها الأنثوية مقابل الحركة المركبة للحدث والفعل الذى صدر عنها.
هذا بخلاف (الضبع)ورجاله الذى يشكلون نموذجا جاهزا يسير فى طريق النهاية،ويقدم وجهة نظر النص والكاتب،التى تتطابق مع منطق العرف والعادة،وتتشابك مع طبيعة الفعل الانتقامى الخارجى الذى يشكل كثيرا من ملامح الحياة عامة،وقد فرض هذا أن انشغل الكاتب برسم المسار الذى يراه هو والذى يناسب فكرته الجاهزة،ويكون محلا لتنامى الفعل المتطور فى الشخصيات المقابلة.
يقول الكاتب فى حوار ضم شمس وولديها زاهر وزهرة:
شمس : زاهر ،زاهر ، هل أعطيه المكنون؟ يارب.. أعنى.. ولدى يتمزق ماذا
أفعل؟(وفى لحظات مرت كالبرق يدخل زاهر وقد استل سكينا..وتدخل وراءه زهرة وهى ترتعد، وتقف فى جانب أمها، وقد اتخذ زاهر الجانبالمواجه لأمه وشقيقته )
زاهر:( وقد تحفز بالسكين) ما عدت أطيق الكتمان..فقد أكل الشك فؤادى.. أقسم بالله سأغرس هذا السكين بأحشائى..إلم أسمع منك جوابا يشفى غلى.. عن عبدالله الصابر/ ( يضع السكين خارج البطن فى منطقة
موازيةللحجاب الحاجز،وموسيقى الرعب تعلو ..ودائرة الضوء الأحمر مركزة على زاهر،والتوتر يسيطر على الألم والخوف يكاد يلجمها هى وابنتها )
شمس : حسن ياولدى هل هذا أخر مافى جعبتك المشحونة ؟! ما كنت أصدق أن تفعل هذا أبدا هل كنت تشك فى طهر أبيك .............
زاهر : ما عدنا نتحمل بوحى وأريحينا......................................
شمس : تقترب من ابنها فى ثقة ، والابن لايعترض، تأخذ منه السكين والإضاءة دائرية على مكان ومزيج من اللونين الأخضر والأصفر والموسيقى جنائزية موزعة أوركستراليا، وكأنها آتية من البعيد البعيد/ الأم شمس تتصدر واجهة المسرح يتطاير من عينيها الشرر،والحقد الكامن والغل يسيطران عليها تماما والضوء يتابعها أكثرتوهجا،وولداها يتابعانها خطوة خطوة وهما فى قمة الشوق لسماعها والاهتمام بما ستقول.) عبدالله الصابر لم يتركنا لحظةلم يترك هذى الأرض ليأتى بالسحر ..من الشرق أوالكنز من الغرب فعبدالله الصابرنبت قانع كان عفيفا يأتى باللقمة كى يأكل غيره وكثيراماكد وماكل ولابث بشكواه لإنسان نبت شفاف جاء من الأرض .. وذاب مع الأرض .
زهرة وزاهر: (منفجرين) مات ؟!!
شمس : مازلت أعانى لفراقه ماذا تفعل أنثى للأوغاد؟
زاهر : ( فى قمة الثورة والانفعال) كيف تلاشى نبض الصابر؟ غدرا حقدا ؟..ضربة سيارة ؟قولى يأمى فقد اعتدنا الحرمان ومارسنا الحزن كثيرا .
شمس : الموقف لايتطلب أن تنفعل الأن فأنا أخشى البركان
زهرة : من اطلق حربته .. فى ظهر الصابر؟ قولى يأمى
شمس : لأبيك الصابر أم يانعة..يكسوها الإشراق وأصابعها تمطر عطرا فاجأها .. شرير يدعى عوض الضبع تزوجها بالقوة وافقت المغلوبة خوفا ..من هذا المتسلط ..كانت تخشى من بطش الشرير..بعبدالله الصابر وتكدر حال الأم.. وظلت تتنازل ..والشرير أكول لايشبع والطامع لاتكفيه حدود وتواثب فوق الأملاك وتجرأ مرات بالسلب ..من الحورة والرابية البكر.. وكم من صفعات سددها ..لينال مراده لكن الصابر قاوم ..كان يدافع عن أمه فى يوم الغدر.. تجرأ هذا المبتز ومد إلى تاج الأم الذهبى يديه ..وثارأبوك .. وهاج وماج وطار إلى الأم .. كنسر ثائر وأناخلفه أصرخ.. صابر ..ياصابر ..يا ( تخفف الأضواء شيئا فشيئا .. وتسحب) (25)
وفى هذا الحوار الذى يشهد تناميا للفعل والصراع والشخصيات تبدو الدلالة والحركة المسرحية من مركبات النص وتبدو الشخصية متصارعة داخليا تنتج الحدث وتتنامى مع انتقالات النص ،وهى تتوافق مع منطق الكاتب،ومع رؤيته الخاصة التى يغلب عليها الجانب التطهيرى والتوسع فى البحث عن العدل والمنطق،والشاعر المسرحى هنا يجسد الصراع فى أشخاص تتفق مع طبيعة النص الاجتماعية الميتافيزيقية،ومع طبيعة أفكاره وثقافته الخاصة التى ينطلق منها،معبرا عن الصراع النفسى الإصلاحى الذى يدور فى وجدانه فالشخصية تصارع الواقع وتصارع التراجع النفسى والمجتمعى،وتصبح الصورة الداخلية فى توهجها وحركتها ترجمة للصورة الخارجية التى يحاكى بها الشاعر المتخيل النفسى والاجتماعى .
وفى مسرحية "عودة أصحاب الرؤوس السود" للكاتب المسرحى عبدالله مهدى،تواجهنا مجموعة من الشخصيات التارخية التى تمثل تيارا رمزيا من وحى التراث السومرى، كما أشار الكاتب صراحة، فى مفتتح النص مقدما الإهداء إلى شعب العراق راجيا عودته،وفى ذلك دلالة واضحة تشير إلى اتجاهات النص، وتشير إلى ملامح المكون النفسى والتاريخى للشخصية على اختلاف مستوياتها،مما يساعد فى توضيح عملية الاستدعاء والتوظيف،وتفسير مدلولات الرمز المختلفة،والتى تتطابق مع منطق الواقع على مستوى الفكرة،وتتفق ضمنيا مع هدف الكاتب من استدعاءاته لهذه الطائفة من الشخصيات .
وهذا التصرف الموضوعى الذى انعكس أثره على النص فنيا أدى إلى عملية توظيف لأركان الصورة الخارجية انحصر فى التاريخ الحضارى عامة ومحاولة التقريب للمتخيل النفسى المتعلق بالشجاعة والتفوق المادى ،والذى حاول الكاتب رصده وصنع معالم موضوعية رمزية إسقاطية،وموازة الواقع النفسى العراقى المعاصر،وقد تجلى ذلك فى أسماء الأشخاص التى انطلق النص معبرا عن صراعها المتشابك فى دلالته مع وقائع الصراع العراقى، وجاءت الأماكن والأحداث والصراع من واقع التراث الحضارى الذى حاول الكاتب محاكاته،وكلها تنتسب إلى ذلك التاريخ السومرى البعيد،الذى ارتبط بتاريخ بلاد الرافدين .
والجدير أن التاريخ الحضارى السومرى ارتبط بوجود حركة عمران وتفوق إنسانى فى منطقة جنوب العراق حيث تشير الآثار إلى أن " الحضارة السومرية هي حضارة لمجموعات بشرية في جنوب شرق الهلال الخصيب (بلاد سومر) في العراق اليوم، خلال الألف الرابع قبل الميلاد، سمى السومريون بلادهم كن-جير ولغتهم إمِ-جير ، والتسمية شومر (سومر) هي تسمية أكادية لمنطقة جنوب العراق وسكانها، والتي تكرس استخدامها، من قبل الباحثين، مع إعادة اكتشاف الكتابة واللغة والثقافة السومرية، في القرن التاسع عشر الميلادي. حتى اليوم لم يتم الكشف عن علاقة وطيدة أكيدة للغة السومرية مع أي من اللغات المعروفة، وبالتالي لايمكن تصنيفها ضمن العائلات اللغوية المدروسة (مع وجود العديد من الفرضيات حول ذلك)، وقد بقيت السومرية حية في جنوب بلاد الرافدين حتى 1700 ق.م تقريباً " (26)
وقد انتهى الكاتب من ذلك إلى تقديم صورة خارجية قوامها الشخصية والبيئة والتاريخ العريق،وانعكس ذلك على أركان العمل المسرحى وخاصة الشخصية فى مجملها وتكوينها وماتحمله من رؤى وأفكار استطاع الكاتب أن يوظفها مسرحيا،وقد انحصرت هذه النماذج فى أربع عشرة شخصية،تصارعت فى ثلاثة فصول،(جاء الفصل الأول فى ثلاثة مشاهد(1/5 ش) (2/8 ش) (3/5ش)،تخللتها عمليات دخول وخروج مرتبة ترتيبا فنيا حسب تداعيات الحدث والصراع،وحسب تداعى الفكرة الموضوعية التى استعار لها الكاتب هذه النماذج، ومن ثم تهيئة المسرح بواسطة الإضاءة والمكونات المساعدة) التى استطاع النص الاستفادة منها وفق مخطط الصورة التاريخية التى لم يبعد عنها الكاتب ولم تتأثر سلبا بتقنيات العملية المسرحية،يقول الكاتب فى مفتتح المشهد الأول :
يرفع الستار ويضاء النصف الأيمن من المسرح حيث تظهر قاعة العرش والتى زينت جدرانها بلوحات مطعمة بأصداف ومناظر ترمز إلى انتصارات أصحاب القصر وجانب مما يجرى فى ضياعهم وقد نفذت بعض هذه الأشكال بإتقان وعلى كرسى العرش يجلس" أوركلجينا" لابسا معطفا فريدا مزركشا يتصل طرفه بشريط أسفل الرقبة، ويجلس فى مكان منخفض عنه ابن عمته نائبه" سنجا" لابسا عباءة واسعة يلتفع بها تغطى الكتف الأيسر وجزءا من زراعه وتمر من تحت إبط الكتف الأيمن .
أوركلجينا(بأسى): تراكم الوحل فى أنهار لجش أضحت جحور ثعالب،وما عاد الماء يجرى فيها،ولم تتبق غلال فى حقول "لجش" وهجرها مزارعوها ضاعت "لجش" وتحولت لأطلال قامت مدينة غير المدينة ودار غير الدار .
سنجا : مولاى الرحيم زعيمنا المصلح دع اليأس وهيا نسبح فى فرات الإصلاح.. أنت أعلمنا بموطن الداء .. فلتقتلعه زعيمى ..
أوركلجينا : لست يائسا ابن عمتى المخلص، ولكننى أعلم عظم المشكلة وقوى الظلام التى ستواجهنا .
سنجا : سيكون كل الأحرار معك لنهاية مولاى( يقف الملك أوركلجينا ويتحرك فى القاعة ويتحرك سنجا أيضا)
أوركلجينا : عمتى القديسة ننماخ نحتاجها بجوارنا
سنجا : توسلت إليها مرارا.
أوركلجينا : إنها تعشق الاستقرار بضواحى "جوسو " المقدسة.. ولكن بعد أن تربينا تربية القديسين تتركنا وسوط بحوار الفساد..
سنجا : لقد أراد خالى أن يبعدك عن براثنهم..
أوركلجينا: كان يود الإصلاح ولكن
سنجا(مقاطعا): حينما علموا بنيته الإصلاحية ..اغتالوه.
أوروكلجينا: هذا أسلوبهم دائما .. وسيفعلون ذلك معى إذا علموا بنيتى .
سنجا : لقد قلبوا موازين القيم فى "لجش" أصبحت كل شىء مشايخ ..الحرف التحمت أملاكهم مع املاك المعابد وأضحى الشعب لايملك شيئا
سنجا : سنعمل بكل وسيلة مولاى المصلح لاسترجاع الحكم الصالح فى "لجش" (27) ومن خلال ما سبق ومن خلال استعراض الصورة الافتتاحية للنص المسرحى واستظهار الشخصيات، يتضح أن النص يقدم صراعا متناميا بواسطة الأشخاص وبواسطة الفكرة الموضوعية التى تدل على أهمية الإصلاح فى حياة الشعوب،وأن الإصلاح السياسى أساس التفوق والنبوغ فى شتى مجالات الحياة .
ويقول الكاتب فى مفتتح الفصل الثانى:
(يرفع الستار ويضاء الجانب الأيمن من المسرح حيث تنجلى قاعة سجلت على جدرانها أحداث "لجش" وخيراتها، يجلس بها جمع من مشايخ "لجش"،وأمامهم على مكان مرتفع"أوروكاجينا" وعلى يمينه على مكان أقل ارتفاعا"سنجا"و"لوماخ")..
وهنا تبدو الدلالة التصويرية لمحتويات المكان رمزا لاستعارات الكاتب وتداخلا موضوعيا وفنيا لتقديم ومواصلة الصراع الخارجى الذى انطلق منه فى بداية العمل يقول:
أوركاجينا : نشكر جد المعبودات "آن" العظيم ونحمده على كشفه لنا مخططات "هواوا" واتباعهم واستقرار أحوال البلاد بعد أن عمت العدالة بين أهلها ( يشر"أوركاجينا" لـ" سنجا" بالحديث) .
سنجا : بعد أن طهر" آن" العظيم "لجش" من دنس أتباع "هواوا" بفصل كاتبنا العظيم" لوماخ" كما علم شعب "لجش"كله سنبدأ فى خطة جديدة وخطيرة . (28)
ويقول الكاتب مختتما النص المسرحى فى حوار دار بين " زاجيرى" و"أوركاجينا" :
أوروكاجينا : لنكن صرحاء .. أنت تطمح فى ملك أصحاب الرؤوس.
السود" وأنا
أؤيدك..
زاجيرى : تؤيدنى..
أوروكاجينا : وأبايعك.. ولكن بشرط.
زاجيرى: توهمت زهدك فى السلطة وسعيك للإصلاح من أجل خير أصحاب
الرؤس السود".
أوركاجينا : ثق فى ذلك لا تسلم عقلك للوهم ..
زاجيرى : وما شرطك؟
أوروكاجينا: تمنحنى السلطة لتنفيذ إصلاحاتى فى سومر كلها..
زاجيرى : لولا معلمى بنقائك وصفاتك لما وافقت، ولكن حرصى على خير أصحاب الرؤؤس السود وثقتى فى نيتك الإصلاحية ..موافق .. ولنبدأ فى التنفيذ
(تعاود أغاني الوحدة فى الظهور)
(إظلام) (تسدل الستار) (ستارة) (29) وفى هذه المحاور الثلاثة السابقة التى احتوت النموذج الشخصانى الذى حاول الكاتب تقديمه وبناء الصراع وحركة النص حول تداعياته النفسية والموضوعية فى تضمين مسرحى قائم على توالى المقاطع والمشاهد التمثيلية،تبدو عملية البناء والتداخل التى تحولت بفعل الصراع إلى نموذج إسقاطى،حيث انشغل الكاتب بتحقيق الإصلاح وتنفيذه فى مضمون النص،مما يؤكد على أن النص المسرحى التاريخى كما ذكر "باكثير":يقوم على تصوير الحقيقة بصفته أرحب وأوسع من الواقع.. " (30)
وقد استفاد الكاتب من عرض أحداث التاريخ التى أمدته بالأشخاص والأحداث والصراعات والأماكن والحقائق التراثية والأسطورية، فتحقق الإسقاط وأخذ أشكالا موضوعية تتفق مع طبيعة ما أشار إليه فى الإهداء وفى مفتتح النص حيث ذكر( مسرحية من وحى التراث السومرى" إهداء إلى شعب العراق عله يعود") وقال: " استرجع "أوروكاجلينا" الحكم الصالح فى (لجش) ووجه همه للإصلاحات الداخلية، فأصدر قرارات عدة تعتبر بداية متواضعة لتشريعات العراق .." (31)
واعتقد أن هدف الكاتب لم يبعد عن ذلك حينما جاء بهذه الشخصيات ووظفها فى هذه التركيبة المسرحية التى تطابقت مع الدلالة الإصلاحية التى عمد إليها فى طرحه،وإن جنحت للمباشرة والتقليد فى مناطق ليست بالقليلة،ولكن يحمد له أن خاض غمار هذه التجربة التى قدمت أسماء جديدة لأشخاص وأماكن ومعالم تبدو مناسبة للتوظيف والإسقاط،ومن معالم النص التاريخى السومرى الأماكن التى عرضها النص وأهمها : (لجش) أو لكش وهى مدينة أثرية في العراق كانت تعتبر أحد أقدم مدن السومريين. تعرف أيضا باسم تل الهبة. تقع لجش غرب منطقة الكرمة القريبة من البصرة وشرق مدينة أورك.(32) وبذلك تكون مسرحية "عودة أصحاب الرؤس السود" قد تكونت من ملامح التاريخ القديم فقدمت الشخصية التاريخية الإصلاحية فى دلالة سياسية تمزج بين الواقع والتراث ،وتربط بين أحداث الحياة المعاصرة وبين وقائع الماضى
وفى النهاية فإن الشخصية المسرحية من خلال سلسلة " أصوات معاصرة" ومن خلال النماذج التى تمت معالحتها نقديا عند كامل الكفراوى ورفاقه يمكن تحديد الصفات العامة فى عدة نقاط أهمها :
1-أن الشخصية المسرحية عامة تحمل العديد من ملامح وصفات الواقع والحياة الخارجية فى الفترة الماضية مما يعنى أن الحركة الثقافية التى عايشتها "أصوات" قد تم رصد معالمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية مسرحيا على المستوى الموضوعى،وعلى المستوى الفنى فإن هذه الشخصيات وخاصة المحورية منها تحمل العديد من الأفكار التى تجعلها مرآة تنعكس عليها شخوص عديدة تتشكل منها الصورة الخارجية للواقع والحياة .
2- ظاهرة الرمز ومحاولة بناء متخيل ثقافى ونفسى جديد خاصة عند الكفراوى وبيومى والغريب ،حيث جاءت ملامح الصراع بداية من أسماء الأشخاص ترصد العديد من الأفكار والطموحات الفنية لهؤلاء الكتاب .
3-الفعل المسرحى المتضمن معنى السعادة والشقاء اقترن فى معظم المواقف بالشخصية وهذا يدل على الحركة الإيجابية للنموذج الذى قدمه الكتاب،وحاولوا معالجته وطرح أفكاره وخيالاته فى ضوء الرؤية المسرحية .
4- الأركان العامة للمسرحية ومحاولة التجديد فى الحركة والانتقال التدريجى والظهور، كانت سمة عامة من سمات المسرح الأصواتى المعاصر،واتسم الكتاب الأصواتيين أيضا بالنقد الاجتماعى والتوجيه من خلال عرض الشخصية الإيجابية ومحاكاة الحياة العامة فى مختلف وجوه وأنماط الواقع .
وبعد عزيزى القارىء فإن الدراسة مازالت تطمح إلى المزيد من التحليل والعرض ونظرا لضيق المقام فإنى أعد بتقديم رؤية عامة شاملة لأركان العمل المسرحى من خلال مواصلة دراسة الشخصية المسرحية فى النصوص السابقة وفى غيرها خاصة التى أصدرتها سلسلة أصوات أدبية، وأسأل الله تعالى أن يتاح ذلك فى الوقت القريب .. إنه نعم المولى ونعم النصير ..
. الهوامش :
1) فن المسرحية من خلال تجاربى الشخصية على أحمد باكثير ص 64مكتبة مصر ط3 يناير 1985.
2) أركان الرواية إ.م فورستر ت. موسى عاصى . مراجعة د/ سمر روحى الفيصلى ص 37.
3) الصورة والقصة د. نادرعبدالخالق ص 45.
4) فن كتابة المسرحية لاجوس اجرى ت/ درينى خشبة ص113 الهيئة المصريةللكتاب 2000.
5) السابق ص 113-114 .
6) الصورة والقصة نادر عبدالخالق ص 46
7) فن كتابة المسرحية لاجوس اجرى ص114
علم النفس الفسيولوجى د/احمد عكاشة .
9) النقد الأدبى الحديث د/محمد غنيمى هلال ص 568.
10) أركان الرواية إ.م فورستر ص65.
11) مختار الصحاح مادة "طر"
12) لسان العرب مادة "ضحك"
13) لسان العرب مادة "ضحك"
14) مسرحية طز ..طر /كامل الكفراوى ص 7.
15) السابق ص8/9/10/11.
16) السابق ص12/13/14/15/16/17 .
17) السابق ص .62/63.
18) السابق ص 65/66.
19) السابق 77/78.
20) السابق ص82/83.
21) السابق ص 85/86.
22) "المضحكة" على محمد الغريب ص 29/30/31.أصوات معاصرةالسنة 24/العدد 121/يناير 2004م.
23) السابق ص39.
24) الغائب والبركان محمد سعد بيومى ص5 سلسة أصوات العدد 170/2005 السنة 26.
25) السابق ص18/19/20/21/22.
26) موسوعة ويكبيديا .
27) مسرحية"عودة أصحاب الرؤس السود" عبدالله مهدى ص36/37/38سلسلة أصوات معاصرة العدد ( 47 ) السنة ( 1999) .
28) السابق ص 57.
29) السابق ص 81/82 .
30) السابق ص33.
31) السابق ص 34.
32) موسوعة ويكبيديا


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:18 am

" الســــــــــرد المضنـــــــى "
قراءة فى أعمال قصصية
إبراهيم محمد حمزة
إضاءات :
إن القانون الأدبى الذى جذب اهتمام " أرسطو " لم يكن قانونا وضعه ، بل قانونا اكتشفه " ت . س . إليوت
" أعيش غريبا .. أكثر من الغرباء أنفسهم "
كافكا
" إن الطبيعة جميلة فى نظر من يتأملها بعين الفنان "
كروتشى
" فى الأبراج العاجية ، يصاب الفن بالوهن "
روبين جورج كولنجوود
كتابه " مبادىء الفن " .
ما يشبه التقديم

تحتفظ أي سلسلة إبداعية محترمة ، بحد أدنى من " أدبية " النصوص التى تنشرها (شعرا ونثرا ) فى محاولة مضنية للجمع بين النموذج وبين التشجيع ، بين كبار الكتاب وبين الأصوات المبشرة ، ورغم أن سوق النشر فى مصر يعانى تخمة المطروح ، فإن بعض السلاسل الأدبية تقوم بدور غاية فى النبل ، وعلى رأسها "أدب الجماهير " و" أصوات معاصرة " و" إبداع الحرية " وعشرات السلاسل التى توقفت ، والتى قامت بدور شديد النبل ، لأنها سلاسل غير معنية بالربحية ، بل هى تقوم على عطاءات متعددة فى الوقت والمال أحيانا ، وفى المراجعة والتوزيع ، خاصة هذا الأمر .. التوزيع ، وكلمة أستاذى الجليل فؤاد حجازى لا تفارقنى ( لو أن سيزيف قد أعتق من موضوع الصخرة ، وقالوا له وزع الكتب يدويا ، لهرب وعاد إلى صخرته بكل حب ) ويبدو عبء المسئولين عن السلاسل القائمين بدور الوسيط الأدبى ، يبدو كبيرا بداية من التواصل مع الكتاب ، واختيار النص والعنوان ، ثم الكتابة ثم المراجعة ، وحتى نصل لمرحلة استلام الكتاب وتسويقه أدبيا عبر جلسات وندوات وأخبار .....
*********
من هنا فالتحية واجبة لهذه السلسلة المقاتلة القديرة ، ثلاثون عاما من الصبر والعمل والدأب والعطاء ، تحية لهؤلاء الذين تحملوا رسالتهم بجدية وبمثابرة وبتضحية .. والحق أن الكتابة رحلة مضنية مضنية ، ومحاولة مخيفة للوقوف تحت شمس يبتغيها كثيرون ، لكنها لا تتسع سوى لقليلين ، تعب الكتابة ، وتعب تسويق ما يكتب ، وتعب القراءة .. رحلة مضنية هذه الكتابة .

ثم ..
إن كانت المسئولية كبيرة فإنها تضغط بثقلها على المسئولين ، ليتحملوا أيضا تبعات الرسالة (شكلا ومضمونا ) لذا تقدم الصفحات التالية محاولة متواضعة للنظر فى خمسة أعمال هى :
- بسمة على وجه مالك الحزين للأديب محمد حجاج عام 2005م
- جملة اعتراضية للأديبة سهام العربى عام 2006م
- وفى الليلة الأولى قالت شهر زاد للاديب عنتر مخيمر ط 2-2005
- وللجبل أغان أخرى للأديبة هيام صالح 2001م
- الجدار السابع للأديب أحمد محمد عبده ط ثانية 2002م
وأظننا نتفق جميعا على شقاء الكتابة ، عمل حقا يضنى الكاتب ، ويضنى القارىء أيضا ، إنما هى لوعة الولادة وروعتها ، هذا الألم النبيل المعذب ، أظننى أذكر لأراجون بيتا من الشعر فى ديوان الوداع يقول فيه (ياله من ألم ألا يكون لك ألم ) .

ـ محمد حجاج ... شاعرية القضايا الكبرى :
ـ قراءة نص أدبى مسألة تتخطى معرفة مضمونه ، بعدما صارت القراءة (مفهوما أوسع من الدراسة بعد أن صارت شأنا علميا ، وليس مجرد عمل فردى قائم على الذائقة الخاصة والانطباع ) (1)
ومجموعة الأديب محمد حجاج ـ بسمة على وجه مالك الحزين ـ تؤكد امتلاك صاحبها أسلوبا خاصا مميزا له ، ولديه إحساس بمعنى القصة القصيرة ، وله مفهومه الخاص عنها ، فالمجموعة التى تضم خمس قصص أقدمها 79وأحدثها 1988م تقدم نصا سرديا مكتوبا بوعى شديد بفنية القص ، أما الملمح العام الذى ينشر ضياءه على أرضية المجموعة ، فهو شاعرية التعبير عن القضايا الكبرى ، قضايا الوجود والسعادة والعدالة والحياة ... وفى تعبيره عن القضايا الكونية يقدمها بشكل شفيف شديد النعومة ، من خلال لحظة قصصية ممتدة ، بل شديدة الامتداد ، لذا فاللحظة القصصية المعبر عنها هى لحظة نفسية ، حيث هناك دائما رحلة ، ودائما للرحلة امتداد تأويلى يسير ، فى قصة " المرايا " نجد أنفسنا فى المترو ( أظنه يقصد المترو القديم وليس مترو الأنفاق ) القصة منشورة عام 1983م ولذا نجد السارد يتأمل الدنيا حوله بمبانيها وبتغيراتها ، وهذه الرحلة اليومية المعتادة حدث بها جديد ، وهو ما أهل العادى ليصبح غير عادى ، ومن ثم يصبح مادة قابلة للقص ، إنه يتذكر راكبا يرافقه رحلته ، وبين خجله وفضوله ، يقطع الصمت بالكلام ليقول :
ـ يبدو ..
ـ ... يبدو ما ... ماذا ؟
ـ أن المترو ....
ـ ماذا ؟
ـ ينطلق بنا بسرعة .
ـ هو دائما .. كذلك صـ 13
حتى يصل الحوار إلى غايته الأساسية ، ويتعارفان ، ويعرف كلاهما أن الآخر كان زميلا له ، ويندهش الرجلان من حجم التغير الذى حدث للآخر ، ويبدو أن كلا منهما لم يشعر بما حدث له من تغير ، لكنها اللحظة الفارقة ، تأتى المغادرة سريعا .
لتبدأ رحلة أخرى فى أعماق النفس ، وليكتشف الراوى مقدار التغيرات التى أصابته ، ومقدار الغربة التى يعيشها حتى داخل ذاته ، وحين يمسك بالمرآة وينظر فى مرآة أخرى فى نفس الوقت ، يكشف عن خارجه وداخله فى الوقت ذاته ، مما يجعله يكسر المرايا حوله بعنف ( ثم انطلق نحو بقايا المرآة ، ضرورة عندى أن تتكسر كل المرآة ، وأنا أضرب كل جزء منها بمعول ثقيل ، أراه اللحظة فى يدى ، وزجاج المرآة يتفتت ويتطاير ، ويفترش المكان .. كل المكان " صـ 22
***
الحقيقة أننا أمام كتابة منقوعة بكفكاوية عربية بامتياز ، سيطرة تامة على الحدث ، وضوح فى الرؤية ، قدرة على منح الحدث دلالات تأويلية متسعة ومقبولة ، فالقصة ـ كما يشير – فوكنر فى مقدمة " الصوت المنفرد " تمثل موقفا من الحياة احسن مما الشعر والمسرح " (2) لذا يشير فوكنر إلى معقولية الفن ، أى إلى مدى إقناعه للقارى بقبول بعض الحيل الفنية ، أشخاص محمد حجاج كأنها من عائلة واحدة ، جميعهم وحيد خائف متردد تائه ضائع ، هذا الشعور بالاغتراب الذى يتلبس شخوص قصصه يتيح له طرح قضاياه الكونية طرحا شاعريا مقبولا ، هنا مثلا ، فى قصة "المرايا " سنجد قضية الزمن وتأثيراته على الإنسان ، كذلك قيمة المرء وسط رتابة الحياة ، التى تجعلنا ننسى أنفسنا ونتوقف أمام الآخرين راصدين التغيرات عليهم ، متناسين تأثيرها القاتل علينا نحن .
سنجد فى قصة " الزلزال " قبضا فنيا على لحظة حالية ، ينطلق منها لقضية تاريخية شديدة الضخامة ، هى تاثيرات الحملة الفرنيسة على مصر ، منبها لطبيعة التغير الزمنى الذى وقع فيه المصريون وقتها ، حتى صاروا ( هم ومحتلوهم ) فى عصرين مختلفين ، وقد اختار الكاتب التعبير بالأنا ، بل إنه قد استخدم " الأنا " فى كل قصص المجموعة ، وإن كان أحد الباحثين العرب الكبار يرى أن الهو والأنا والأنت [ جميع ضمائر السرد ] ضمائر تعادل فى حقيقتها وجود المؤلف الذى يبدع ويهندس وينسج الأشكال اللغوية ...."(3)
فإن ذلك لا يعنى المساواة بين هذه الضمائر فى الاستخدام ، بل إن الباحث نفسه ـ دكتور مرتاض ـ يرى فى ضمير المتكلم (قدرة مدهشة على إذابة الفروق الزمنية والسردية بين السارد والشخصية والزمن جميعا ، إذ كثيرا ما يستحيل السارد نفسه إلى شخصية مركزية ) (4)
ولذا فالأنا تحيل على الذات .
نعود على قصة " الزلزال " وقد أسفت لإشارته فى نهاية الكتاب أنها مكتوبة بمناسبة مرور مائتى عام على الحملة الفرنسية ، القصة تبدأ بلحظة يبحث فيها السارد عن "عم بكير " البواب الطيب للعمارة التى يقطن الراوى فى دورها الأول ، وحين لم يجد العم بكير ، ارتقى المصعد ، ليبحث عنه فى الشقق العليا ، وفى هذه اللحظة يمر بالشقق ويرى أمام كل شقة مشهدا يحكيه ويحكى تاريخه ، وقد لاحظنا أن الثوانى التى يشغلها المصعد قد استطالت بشكل مذهل ليمر على الأدوار كلها (خمسة عشر دورا ) ويتوقف أمام كل شقة ( ففى أحد الطوابق لمحت السيدة "ل" وهى امرأة فى حوالى الخامسة والأربعين ، متوسطة الطول ........... وقد فتحت أبواب مسكنها ، وأضاءت مزيدا من المصابيح وجلست على أحد المقاعد تحتفل بزواج لها جديد ) صـ 39
ويمتد الارتفاع حتى قمة البناية ، وتتوقف اللحظة ، ليتحول المشهد إلى لحظة عبثية ، حين يتحول المبنى إلى قوس يتأرجح إلى كافة الجهات ومع كل ميل لهذا القوس ، يشاهد الراوى مشهدا من مشاهد الحملة الفرنسية ومحاولتها احتلال مصر ، وبعد صفحات طويلة يستطيع الراوى أن يخرج من المصعد ، ليعرف فى النهاية أن زلزالا قد حدث فى اللحظات التى شعر فيها بحركة المصعد والبناية ، حين يجد العم بكير يطرق بابه قائلا :
ـ ألم تكن على سطح الأرض ساعة حدوثه [ يعنى الزلزال ] ؟
ـ ربما .
ـ عجبا ، فأين كنت إذن ؟!
ـ لست أدرى .. صـ 56
هذه القصة اصطنعت حيلة لا لزوم لها ، وهو ما أفسد جمالها – فى تصورى ـ
يظل تصورا غير ممكن التحقق فى عقل القارىء ، فالقصة القصيرة – كما يقول د. حسين على محمد – تهدف إلى تقديم الإمتاع والإقناع لقارئها .................. والإقناع يأتى من محاولة القصة القصيرة التوجه إلى عصرها من خلال مناقشة هموم الواقع أو الاقتراب الحميم منها ، وطرح آمال الإنسان العادى الصغيرة وإحباطاته المروعة أمام عينيه " (5)
إذن فمسألة الإقناع العقلى لها قيمتها ، وقد أطل ساراماجو على التاريخ من خلال حيلة فنية مقبولة ، حينما جعل بطل " تاريخ حصار لشبونة " مصححا لغويا بمطبعة ، فأتيح له عرض تاريخ لشبونة ، وطرح وجهات نظر فيه .
ورغم ذلك تظل لهذه القصة تفردها فى المجموعة ، حيث انتقل فيها من الخاص إلى العام ، وعالج قضية شديدة الصعوبة ، طرحت ذاتها فى هذا الوقت على المثقفين المصريين ، ألا وهى كيف نحتفل بمحتل ؟ وقد جاءت القصة لتدين الفكرة بشكل واع وذكى ، أما القصص الأخرى فمهمومة بالذات ، التى نراها حزينة فى " بسمة على وجه مالك الحزين " وخائفة فى " فجوات ، ومهمومة بائسة فى " تراكمات " ....
سنجد تصويرا لقدرة الإنسان الفذة ، تأتى بسلاسة عبر قصة " مالك الحزين " وقدرته على صنع البهجة مهما كانت الآلام ، وفى قصة " الفجوات " سنرى قدرة الإنسان الفذة على عبور الفجوات التى تصادف حياته طالما امتلك يقينا وإرادة ، مثلما رأينا بطل " الزلزال " يصل الماضى بالحاضر شاهدا فذا على غشم المحتل وظلمه ، وعلى تخلفنا وغبائنا ..
ومثلما ازدهى المضمون ، ارتفعت سبل التعبير عن هذا المضمون ، فكان الحوار طابعا أسلوبيا مميزا للمجموعة ، حيث اعتمد على البتر والإيحاء ، فلعبت علامات الترقيم دورا دلاليا ، خاصة النقاط التى انتشرت فى الحوار لتمنح إحساسا بالتوتر الساكن نفوس شخصياته ، كما جاء الحوار دائما قصيرا غير مكتمل ، مثبتا حالة افتقاد التواصل بين البشر فى هذا الزمان .
وفى قصة " الفجوات " تتألق جماليات قصص "حجاج " وتظهر خصوصيته ، فإن كنا نتفق جميعا أن" الأسلوب هو الرجل " كما يقول " الناقد الفرنسى " سانت دينيف" . فإن لهذه المجموعة سماتها المميزة ، التى تخرجها من سياقات قائمة لا تشبهها ، نعود لقصة " فجوات " إنها قصة قدرة الإنسان على مقاومة هذا السقوط مهما كانت المشهيات والضغوط ، فالراوى تجذبه كل الأشياء للسقوط فى الفجوات ، خاصة حين رأى أباه ذاته قد سقط ، وهم يزينون له هذا السقوط ،وكأنه قدر حتمى ، فلا يجد حلا سوى الرحيل ، وفى هذه الرحلة الطويلة ، تتاكد طريقة " حجاج " فى القص ، من خلال اصطناع رحلة ، دائما هناك رحلة كما قلنا ، ودائما فى الرحلة لحظة عبثية خارجة عن النظام الكونى الطبيعى ، دائما البطل وحيد يواجه قدرا صعبا غير مفهوما ، أبطاله كأبطال الأساطير ، ربما نتذكر قصة "كافكا " الأحراش المتأججة " فى مجموعة " سور الصين " ونقرا فيها ( وقعت فى أحراش معقدة متشابكة ، لا مخرج منها ، كنت أتجول فى هدوء وأنا مغرق فى التفكير ، وإذا بى أقع فجأة وتحاصرنى الأحراش من كل جانب ، لقد سقطت فى أسرها وضعت ) ويعلق رجاء جارودى على مجمل قصص كافكا قائلا " إنها أسطورة موحية ، أى صورة للحياة تضم السماء والأرض فى وحدة واحدة ، صورة للحياة بكل أبعادها " (6)
إن تعليق جارودى كأنه كنب تعليقا على أعمال محمد حجاج ذاتها ، فالعوالم التى يصطنعها الكاتب تنقل إحساسه بتوتر هذا العالم ، ومدى شعور الإنسان بالرعب والوحدة والخوف ..
إننا أمام كاتب يمتلك رؤية ووجهة نظر وتماسك حاد فى سردياته ، ربما طغى الوصف قليلا وزاد ، لكنه كاتب - بالفعل - قدير .
ـ أحمد محمد عبده : صياد اللحظات القصصية :
حين يبتعد أحمد محمد عبده عن ميدانه الأساسى يصبح أكثر تألقا ، حين يترك رواية الحرب ، وقصة الحرب ، وأدب الحرب ـ مع إنجازه الطيب فيها عبر أعمال مثل "نقش فى عيون موسى ، وثعالب الدفرسوار " حين يترك مجال الحرب وأدبه تتألق كتاباته ، إنه يعود لدار هى اول منزل ، فأدب الحرب محاط دائما بمزالق فنية كثيرة أخطرها بلا شك المباشرة ، وضعف الخروج من النظرة الداخلية للحدث ، وسيطرة الوصف والمعلوماتية على العمل الأدبى وضعف الخيال ، كل ذلك وغيره يجعل القارىء لأدب الحرب يجد عسرا ، رغم أن كاتبنا قد قدّم فى مجموعة " نقش فى عيون موسى " وهى صادرة أيضا عن أصوات معاصرة عام 2002م قدم ملامح إنسانية ، وتوظيفا للقصة التجريبية ، لكن مجموعة " الجدار السابع " تقدم صورة أمينة لقيمة كاتب متفرد ، لأن إدراك الكاتب لمفهوم وطبيعة القصة القصيرة ، يتحد مع مراعاته لقارئه وإصراره على الإمتاع والإقناع معا ، ورغم أن مفهوم القصة القصيرة مفهوم مراوغ، فإن مشكلة التجنيس الأدبى أكثر وعورة من الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى مثلا ، لأن تعريفها كجنس أدبى يرتبط بمفهومنا نحن للأدب بشكل عام ، وكما يتساءل جان مارى شيفر ، نتساءل معه : لماذا يتركز الاهتمام النظرى بالمسألة الجنسية – أى المتعلقة بالأجناس الأدبية والأنواع الفنية – على الأجناس الأدبية ؟ مؤكدا – جان شيفر – أن مشكلة الأجناس الأدبية فى الفنون الأخرى جامدة ، بينما النوع الأدبى يرتبط بمفهومنا المباشر للادب ، انطلاقا من مفهوم تكون الجنس الأدبى ، ثم السعى لتثبيت هذا الجنس ، ثم القدرة على تغيير هذا الجنس الأدبى " (7)
" إنها لحظة تنبثق كالنار " " إنها محور ارتكاز " " هى فكرة يتم البناء فوقها " هذه التعريفات التى طرحها مبدعون عاكسين مفهومهم للقصة القصيرة ، تؤكد الوعى التام لكاتبنا بفكرة اللحظة لقصصية ، وكيفية اصطيادها ، وقدرته على اصطناع لغة قصصية مناسبة ، فى القصة الأولى من المجموعة (الملائكة ) نجد تعريضا بفريقين يدعى كلاهما فهم الدين ، جماعة متشددة يدعون كل الناس لصلاة الكسوف ، وجماعة أخرى تراه فرض كفاية ، وفى المولد يحدث التصادم لدرجة أن يقول أحدهما ( من قال بأنها فرض كفاية ، سنقلع له عينه ) فيأتى الضرير مستنجدا بقوله (اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا ) هذه المقابلة الذكية بين الضرير الذى يبصر الأمور وبين المبصرين الذين لا يدركون أى شىء ، يؤكدها انشغالهم بأمور شكلية ( عمائم خضراء ، بيارق خضراء ذات رؤوس مدببة / جلابيبهم البيضاء القصيرة ، ذقونهم السوداء الشابة ) وينهى قصته قائلا ( راحوا يعلقون المصابيح ، وذلك بعد أن قال لهم المشرف بأن القمر – هو الآخر – سوف يصيبه الخسوف ) صـ 10
إن الواقع الدينى يتجلى بين التبسط والتشدد ، وكلاهما مرفوض ، ولذا فالمستقبل مظلم مع خسوف القمر .. إنها لقطة مصنوعة ، لتجميل واقع فكرى ، لذا فهى بعيدة عن السرد الريفى المشهدى ، الذى ميز المجموعة ، والذى تجلى فى قصص متعددة مثل(الظل – العقدة – الملعون )
تلك التى تمثل قمة الفنية فى إبداع صاحبها ، فأقصوصة مثل "الظل " يمسك فيها الكاتب بتلابيب اللحظة القصصية ، مقدما لقطة مرض الأم ، عبر ثنائية بنائية (الماضى / الحاضر ) (تذكرت يوما كانت فيه أمى الطول والعرض والنضارة والشطارة ، كانت الشجرة الوارفة التى كنا نقيل تحت فروعها الخضراء ) صـ 12
موسيقا تنساب مع التصوير ( النضارة والشطارة ) واللون وتأثيراته ، ثم ياتى الحاضر (لحظة نهاية الأم ، وعبقرية استخدام الأفعال فى لغة تصويرية عاكسة لنفسية اللحظة وكآبتها ، ومدى تحالف الكون مع لحظة موت أم ( أوشك الليل أن يتكور على النهار ، يدفنه تحت عبءته السوداء ، وفى مراسم جنائزية وطقوس التوديع... سقطت الشمس خلف المقابر)
لحظة قصصية عبقرية انعكس مرض الأم على جنبات الدنيا ، ليرى الراوى بمشاعره وليس بالواقع ذاته ، وكاتب نفسه كاشف عن عاطفيته الشديدة ، ربما من الإهداء ذاته ، وقبل النزول للمعترك ، ( إلى ملائكة الإنس : أمى .. أبى .. زوجتى ) .
ـ صناعة الشخصية :
إحدى القدرات الخبيئة لدى كاتبنا ، قدرته على صنع شخصوصه القصصية ، بما يضمن موضوعية فن القص ذاته ، إن ما يلح عليه " فرانك أوكونور " فى " الصوت المنفرد " هو فكرة موضوعية القصة القصيرة ، بدون أن يرهق ذاته المبدعة بمحاولة" سبك " تعريف لهذا الفن . فهو يراها تتخلى منذ البداية عن حيل الفن الشعبى ، الذى يفترض فيه القاص موافقة الجمهور الجماعية على ارتجالاته البالغة الغرابة مثل " وقد حدث له شىء غريب فى ساعة متأخرة من إحدى الليالى " إنها تبدأ وتستمر (يعنى القصة ) فى آداء وظيفتها كفن خالص ، قصد به إشباع مستوى القارىء الخاص المتوحد الناقد "
ثم يرصد " اوكونور " طبيعة المادة الخام التى تشتغل عليها القصة ؛ إنها – فى رأيه – الناس المغمورون والجماعات المغمورة قد تكون مغمورة ماديا أو روحيا لكنها فقيرة مهمشة – بتعبيرنا المعاصر (8)
يستخدم الكاتب بافتنان حيلة " التساذج " أى اصطناع السذاجة ، فى رسم الشخصية ففى قصة العقدة نجد رسمه لشخصية البنت القصيرة جاء مدهشا من خلال لغة كاسرة للحاجز النفسى بين القصة والواقع ( خوفا من واحدة من نسوان الحارة تكب تحتها -النخلة - ماء الغسيل المخلوط بالصابون )
(هذه الفارعة من أين طلعت لى ) ( وكأن عفريتا فى داخل النخلة يشدها من شعرها ) هكذا ساهمت اللغة فى " سبك " حيلة التساذج هذه ، كما كانت موسيقية اللغة من خلال إيقاعية اللفظ والجملة ، وبعض صور الجناس العفوى والاتكاء على بلاغة شعبية ، وشجاعة استخدام اللفظ المأهول لغة ملكت القارىء ( مفاتيح مملكة الكاتب السردية ) بتعبير الناقد عبد الله إبراهيم (9)
الملامح النفسية التى التقطها الكاتب لفتاة قصيرة جاءت بيت العَدَل ، وعقدت صداقة ما بينها وبين النخلة ، وكأنه تعويض عن قصر قامتها ، ثم تأتى زوجة ثانية لأخ أخر ، على عكسها ، كانت فارعة فبدأت المقارنة ، ليتسع الماضى برحابته ، ويضيق الحاضر أمامها ، لكن الزمان يمضى ، وتطول النخلة ، وتصبح الفارعة غير قادرة على قطف البلحات لابنها المولود ، لكن القصيرة تحلم بابن لها (تمنيت لو كان لى أحمد أو حمدية ، فأقطف له بلحات ) ملامح من شخصية " يرما " بطلة مسرحية لوركا الشهيرة التى ترجمها وحيد النقاش وصلاح عبد الصبور ، أمل الإنبات وألم الجدب ، قصة غنية ثرية راقية .
فى قصة "الملعون " ننتبه إلى قلة الوجود الحيوانى فى الأدب العربى ، لقد تنبه لها المرحوم محمد مستجاب ، بروحه الساخرة قائلا : لا تزال نواتج الأدب العربى تكاد تكون خاوية من حيوانها الخاص ، ويعلل مستجاب ذلك بسبب وحيد وجيه هو إقامة المبدعين فى المدن ، وتحول الريف إلى المدنية ، فلا يتصور أحد أن الحوت سوف يواجه نجيب محفوظ على شاطىء الاسكندرية ، او أن جملا هائما سوف يداهم بيت جمال الغيطانى ، أو أن يوسف القعيد سوف يدخل الحمام قبل الفجر ؛ ليفاجأ بقرد يعبث فى رافعة السيفون " (10)
لكن أحمد محمد عبده يقدم لنا حيوانا فاعلا ، الكلب هنا كلب قابل للتأويل ، فبعد أن ركّب له الراوى ذيلا طويلا عدلا ، صار متوحشا ضابعا ضاربا ، إن الكاتب هنا يجعل الراوى مسئولا عن توحش الكلب ، وكأننا نصنع طغاتنا ، ومن هذا المفهوم يمكن تقبل آليات تأويل جيدة لنص جيد مثل الملعون ( ويبدو أن سعار الغرور قد أصابه حينما كبر ) ولذلك ( عقر خمسين طفلا ، وعشرين امرأة ورجلين ، وعشرة كلاب وعددا كبيرا من القطط ) صـ21
يبدو كاتبنا قديرا وهو يكتب عن قريته ، لكنه قدم فى هذه المجموعة ( بها عشرون قصة ) ألوانا متنوعة للطيف السردى ، لقطات ريفية وأخرى عسكرية ، وأحيانا فلسفية ، هذا الخليط السردى لم يجمعه رابط فنى واحد يحيى فيه فكرة المجموعة القصصية ، لكنه قدم أحيانا لمحات عابرة قائمة على ومضة لغوية ، وفى أحيان أخرى قدم مشهدا كاملا مشبعا بلغة شديدة الشعبية ، ولذا فنحن أمام قصة تحمل أطيافا متعددة ، سنجد تكثيفا هائلا ، ونقرأ قصة كاملة تقول ( لمّا هجم الليل علىّ ، وانا فى الساحة وحدى .. هرولت مذعورا فى اتجاهات شتى .. انزلقت إل إحدى الكهوف ، وعندما وجدتنى غارقا فى الظلام .. أغمضت عينى ورحت أنظر إلى نفسى ) هذه قصة كاملة بعنوان " تقوقع " نحن أمام واقعة لغوية جمالية فى قصص ( كابوس – تقوقع الاتجاه نحو الجمال ) ورغم أن القصة القصيرة جدا تتألق بشدة ، خاصة فى المغرب العربى ، إلا أنها محكومة بمحظورات فنية شديدة الصعوبة ، على مستوى الرؤية والتشكيل معا ، حيث لا تعتمد على الحكى ، إنما تعتمد على لقطة شديدة التركيز ، تتراجع فيها الوصفية ، لحساب التتالى الحدثى للأفعال ، وتأتى المفارقة بشكل شبه أساسى ، لتصير سبيلا بنائيا ، وإن كانت المفارقة تصلح للرواية ، فإنها تتألق فى القصة القصيرة جدا ، يذكر د. محمود الضبع أن المفارقة لها مستويان :
ـ مستوى البناء العام .
ـ مستوى بناء الموقف الجزئى . (11)
لذا فالقصيرة جدا هذه تصنع أسسها واعية لأهمية :
ـ الجهاد اللغوى للوصول لأقصى طاقات التكثيف الكتابى .
ـ الحاجة للرمز ، أو لإعطاء بعد يمو على المطروح . ويبقى للفن سحره الرافض للقولبة النقدية ، يبقى التوقف أمام صورة السجين وتأمل بعض ملامحها البنائية . وقد جاءت صورة السجين بشكل تأويلى وبشكل مباشر .. ففى قصة العقدة جاءت فكرة السجن النفسى ، حتى أنها كانت ترفض الظهور فى وجود الأخرى الطويلة ، كما حبست نفسها فى سجن تكوينها ، كذلك فى قصة " قطعة من الأرض " ظل عواد سجينا لفكرة القناعة والرضى ، دون مقاومة تذكر لنيل حقه ، ( كتب عليه أنه لن يملك مترا واحدا فى ملك الله الواسع ) لذا نجده يردد ( المندرة والمقبرة ) صـ 30لكن الخاص يأتى على يد من لا ينتظر منهم الخلاص ، كذلك كان " حسيب " فى قصة " سمك فى ماء " الذى حبس نفسه فى سجن الوهم ، فظل يطارد مغربى ليخلصه من ضعفه الجنسى ، ولما قضى عليه أخذ يبحث عن "مغربى آخر.
أما فى قصتى" قطعة من الدنيا والجدار السابع " فالكاتب يقدم صورتين للسجن الفعلى ، مؤكدا على اتساع الرؤية ليتوازى السجن والدنيا أحيانا خاصة فى قصة " قطعة من الدنيا والتى قدمت صورة شديدة الرقى للسجين المحروم من البوح والثرثرة ، وما أن ياتيه سجين جديد ، حتى يأخذ فى الحديث معه فى مونولوج طويل ، بلا ردود من الطرف الآخر ، مقدما صورة إنسانية مخالفة لطبيعة السجين النمطية ، حيث لعب تكنيك " التكرار " دورا بنائيا رشيقا :
ـ قل لى : القمر لا يزال يخسف ؟ إذا ما أراه صحيح .
ـ قل لى : الأطفال لا يزالون يبكون ؟ إذن ما سمعته كان صحيحا .
ـ قل لى : القطارات لا تزال تأكل الناس ؟ إذن ما سمعته كان صحيحا .
قدم أحمد عبده عملا تمنيت لو قصره على السرد الريفى ، غير ان الحق كل الحق أننا أمام كاتب متنوع التجارب والسبل والخبرات الإبداعية ، مخلص لفنه تمام الإخلاص ، قادر على تطوير أدواته ، وصولا إلى رواية لا مثيل لها أذهلتنا ، هى رواية " "مكاشفات البحر الميت " .
ـ عنتر مخيمر .. فى مديح التقليدية :
يحتل الحكى المكانة الأولى فى مجموعة " وفى الليلة الأولى قالت شهرزاد " للأديب عنتر مخيمر ، وهى مجموعة تسبح وسط تيار دافق كان نجمه الأول كاتبنا العظيم إحسان عبد القدوس إماما لكثيرين ، وهى مدرسة تهتم بالمضمون على حساب الشكل ، وتهتم بالقارىء وإمتاعه بحكاية يحبها ، وهم يرون أن التجريب هوس لا طائل وراءه ... وقد قدّم الكاتب تسع قصص فى خمسة وسبعين صفحة ، أعاد فى الأولى تأمل حكاية أمنا الأولى " شهرزاد " سيدة الحكى ، منتجا خطابا فكريا جديدا بهذا الشأن ، من خلال تكريس فكرة الحب التى شكلت طبيعة العلاقة بين شهرزاد ومليكها ، فما دفع الفتاة للارتباط بالملك ، وعشقها له ، وقرارها الزواج منه ، رغم أن مصيرها سيتحدد بعد الليلة الأولى ، وستلحق برفيقاتها اللواتى سبقنها ، لكنها فكرة مجابهة المستحيل التى تسيطر عليها ، فضلا عن الحب ، ثم يبدأ حوار طويل بينهما :
ـ اسمك جميل .. شهر زاد .. نعم اسمك جميل حقا .
اكتسى وجهها بلون أرجوانى عذب خلاب ، رنت إليه فى افتنان ، همست فى رجفة خفيفة عذبة :
ـ واسمك أيضا يا مولاى .
ثم يمتد حبل الحوار بينهما ودودا منها شاكا متعجبا منه ، حتى تفجعه بشجاعتها ، وهى تقول :
ـ معذرة يا مولاى .. الناس يرون أنك شرير بعشق سفك الدماء .
تطاير الغضب من عينيه حانقا :
ـ الأنذال .. أنا شرير أعشق سفك الدماء ؟
ـ مولاى الملك .. معذرة يا مولاى صـ 23
إننا أمام عمل مسرحى بامتياز ، اعتماد تام على الحوار ، مع وصف عابر لبعض ردود الفعل ، ارتفاع بالحدث إلى أقصاه ، رغم أنه لم يعبر بالحوار عن أهم سبب نفسى فى القصة أى خيانة الزوجة الأولى للملك له مع عبده ، ولو تحولت هذه اللحظة إلى حوار ، لكنا أمام عمل مسرحى مكتمل ، لذا فالخطابية فى القصة ـ وفى المجموعة ـ أعلى من إمكانات وطبيعة السرد ، إنها لغة رشيقة تليق بحوار مسرحى جذاب ،لكنها تثقل "سردية العمل " حيث القصة تلمح لا تفصح ولا تفضح ، القصة إضاءات إشارية يتقاسمها الكاتب والقارىء معا ، لكن العبء كله يقع على الكاتب فى هذه المجموعة .
فى قصتى " تلك الأيام " و" المفاجأة " نلمح – بشكل مباشر – تأثير الزمن ولعبته على الناس ، عمر عبد الله فى القصة الأولى يتذكر أصدقاءه ، ويقرر الذهاب لبعضهم ، يبدأ بـ "رياض " الذى يكتشف أنه سافر للخارج بعدما تزوج من حبيبته ، رغم ما تحملته هذه الحبيبة "سعاد " من صبر حتى يقوم بواجبه تجاه أسرته بعد وفاة الأب ، أما الصديق لآخر ، أو الوجه الآخر فهو منير الفاشل العاشق للنساء ، وحين يطرق الباب يلقاه والد منير ، وقد فعل به الزمان أفاعيله ، وحين يسأله عمر على منير ، لا يجد جوابا إلا البكاء المرير من الأب .
أما قصة " المفاجأة " فتدور حول مدير يلقى حبيبته القديمة بعد سنوات طويلة أمامه ، وقد أتت لتتسلم عملا فى إدارته ، تذكر لحظتها كيف اعترف لها بحبه ، وكيف ثارت وغضبت ، بل ووصفته بالغبى ، فكر أن يقول لها أن الماضى قد صار ماضيا وأنه تزوج زوجة جميلة يحبها ، وأنجبت له أبناء يعشقهم ، لكنه لم يقل ، واكتفى بتوجيهها لشئون العاملين ، لكى تتسلم عملها ، وقبل أن يصحو شيطان العشق الساكن داخله ، تتصل الزوجة لتعلن له ضرورة جلب هدية مناسبة لابنته التى نجحت ، فيضحك ويفرح من كل قلبه .
الحدثان عاديان مألوفان ، حدثان بهما إحساس بالمصرية ، قدمهما الكاتب بلغة عادية أيضا وإن مالت للبلاغة القديمة لفظيا ، ( كان تلميذا نابغا ـ سرعان ما طواه النسيان ـ فاض صدرى بحنين جارف ـ رابطة لا تنفصم عراها ـ كم هى قاسية هذه الحياة ـ تمزقها شر ممزق ـ خيم الصمت علينا ـ شملتنى بنظرة مشوبة بالدهشة ـ اكفهرت أساريره ) ثم ( ألفاها تحملق فى وجهه ـ كم فى الحياة من عجائب ـ لم تتغير قط ـ عيناه ضارعتان ـ جعل يرمقها ذاهلا ـ آلام كنار تتلظى )
هذان العملان اللذان اصطنع الكاتب لهما لغة لا تختلف كثيرا عن لغة عصر محمود تيمور وعيسى عبيد وشحاتة عبيد ومعاصريهم ، وباستثناء بعض الحيل الفنية فى قصة المفاجأة " مثل المخالفة الزمنية والخاطر الداخلى حيث خطر للبطل أفكار داخلية ثم تراجع عن البوح بها ، هنا صار القارىء شريكا فى أسرار يعرفها ولا تعرفها بقية شخصيات القصة ، ,,
أما ما يلفت النظر فى القصتين ، وفى قصص المجموعة كلها ، فهو الحس الأخلاقى الواضح ، سواء فى تقديمه لشخصيات نبيلة (شخصية الراوى عمر عبد الله – شخصية رياض – شخصية سعاد – شخصية المدير فى قصة المفاجأة ) أو فى معارضته للشخصيات المنحطة التى لاحظناها فى " الخنزير والفاجرة ، والتى جاء تحليل د. حسين على محمد لها مفسرا وموضحا لطبيعة تناول الكاتب للشخصية الساقطة فى الأدب القصصى ، بداية من العنوان ذاته ومرورا بالأحداث والنتائج ، وهو عين ما نلمحه فى " سهرة فى بيت موسيقار لامع " و" أمْ خديعة شيطانية " حيث سنجد الراوى فى الأولى يمثل وحده الشخصية المستقيمة ، ويراهن الآخرون على سقوطه فى نهاية السهرة ، بينما نجد بطلىّ الخنزير ولافاجرة " و" أم خدعة شيطانية " لديهما حس أخلاقى كاذب ، فهما على أتم استعداد لاقتراف الذنب ، واتهام الطرف الآخر بالفجور ، وكأن مشاركتهما لهما من باب التجريب ، فكيف اثور على ساقطة ، ثم أرتمى فى أحضانها وأظل شريفا ؟!!
لذا فكلاهما شخصية مزدوجة يدافع عن الفضيلة بشق ( وتحتي شقها لم يحول) .
أما أخطر ما فى القصتين – فى تصورى – من مزالق ، فى أنهما لم يقدما صورة مغايرة عن المنتظر ، فما يملكه العامة من فكرة وانطباع عن مجتمع افن هو ما كرس له الكاتب ، وبشكل يقارب الصورة المأهولة لهذا المجتمع فى الأفلام العربية ذاتها . وهو ما أضعف القصة فنيا .
فى قصصه الأقصر ( الناس وجنونه ـ أحزان – الموت فجأة ) لا يلجأ الكاتب لبؤرة الحدث بشكل مباشر ، إنما يمهد له تمهيدا يخفف الدفقة الشعورية لدى القارىء ، ويدفعه لحالة من التأمل والانحياز ، فى قصة " الناس وجنونه " نحن مع شخصيتين تتحاوران ، لا ندرك فى أى زمان ولا مكان ولا نعرف عما يتحدثان سوى أن هناك عمل غير شرعى يقنع أحدهما الآخر به فى سبيل الثراء الفاحش ، ورغم ذلك يرفض صاحبنا الشريف ، فيهدده الآخر ، ويسمه بالجنون ، فيتمنى أن يكون الجميع مجنونا مثله إن كان الشرف والأمانة هما الجنون .
الحس الأخلاقى والأبوى أيضا لم يفارق هذه المجموعة الممتعة للقارىء العادى ، خطابية اللهجة هنا لا تعنى السطحية ، إنما تعنى اصطناع أساليب تجعل القارىء شاهدا على الحدث ، متنبها لطرائقه .
نحن أمام كاتب يستطيع أن يكتب للطفل بهذا الحس الأبوى التربوى النادر ، فإن كان كثيرون يظنون الكتابة للطفل سببا لنشر أو مال ، فإن أقل القليل منهم من يجد قارئا له ، لأن الكتابة تفتقد الصدق ، وهو ما يميز كاتبنا عنتر مخيمر .
ـ وللجبل أغان أخرى .. وسلطان المكان :
القيمة الأكثر أهمية لهذه المتتالية القصصية ( وللجبل أغان أخرى ) هى اعترافها بسلطان المكان على الحكى ، وهو ما أرسى تقاليده اللغوية والحدثية والتشكيلية على السرد ، وقد كشفت د. هيام صالح على صدق انتمائها وعمق اطفيتها ، فالرواية والقصة رحلة فى الزمان والمكان معا كما هو معروف ، القصة هنا تشبه الفنون التشكيلية من رسم ونحت فى تشكيلها للمكان كما يقول " ميشيل بوتور
" فى "المكان الروائى " وهذا المكان يتخلق عبر كلمات ، مما يتيح له مقوماته الخاصة ، وأبعاده المتميزة " (12)
ومن هنا نجد أنه “إذا كان الزمن يمثل الخط الذي تسير عليه الأحداث؛ فإن المكان يظهر على هذا الخط ويصاحبه ويحتويه ، حيث “المكان هو ذلك الحد الفاصل بين الشعور واللاشعور، والداخل والخارج والفصل بين المشاهد التي تروي التجربة الذاتية والمشاهد التي تروي تجربة الآخرين”(13)
نحن أمام كتاب قصصى انقسم جزئين : الأول متتالية قصصية من تسعة اجزاء أو تسعة ظلال وهى متصلة منفصلة ، لكن عوامل الاتصال أقوى بلا شك ، بل إن نشر بعض أجزائها فى الصحف مسألة تخضع لإمكانيات الصحف فقط ..
أما الجزء الثانى ، فيحمل قصصا وأقاصيص قصيرة ، ولأن الجزء الأول يحمل خصوصية الكاتبة ، فهو أحق بالتأمل ، كونه أقرب لتمثيل مبدعته ، إنها تقدم تعديدة طويلة متصلة على الزمان والمكان ، بكائية على شجن التحولات التى دهمتنا ، وقتلت براءة البشر ، حتى نصل لدرجة (الحياة بلا موت عذاب ) على لسان الجدة صـ 36
تقدم د. هيام فى ظلالها رواية بشكل ما ، الراوى واحد فى كل الأجزاء ، المكان يضم نفس أبطال المكان الأول (الجبل ) حتى لو انتقلوا للخليج ، والحدث متصل ، إنما هناك زحام غريب من التناصات والاقتباسات والافتتاحيات التى لا تتوقف الكاتبة عن الزج بها ، وهى مسألة تستحق التوقف فى مكانها من هذه الورقة .
إن العمل يقدم لنا أسرة واحدة ( منصور – عمه – أبوه – صاحبه – حبيبته – زوج عمته – المرأة التى اشتهته ) إذن فمنصور هذا هو محور هذه المتتالية القصصية ، والتى تقدم بجلاء صورا من تأثير المكان على البشر ، خالطة بثقة بين شعبية القص وبين فنيته ، وربما منذ كتب " هنرى جيمس " فى كتابه " مستقبل الرواية " أن هناك شقا ينمو بين الوظائف الشعبية للرواية وبين وظيفتها الفنية " وهناك إيمان بقدرة الأشكال الشعبية على منح العمل الفنى الحديث طزاجة واتصالا ودلالات جديدة .
فإن كان الشكل السردى مسألة اختيار – كما يقول ميشيل بوتور – والأسلوب هنا أحد أركان الشكل – فإن تقبل العمل يصبح أيضا اختياريا لدى القارىء (14)
نحن هنا مع العم الذى دهمه الجبل ، فأصيب بالشلل ، لذا نما حقده على الدنيا ، وعلى الجبل ، خاصة بعدما فقدت زوجته ذكرها ، فبات الشك غرابا ينعق فى عشه دائما تجاهها ، وتشاركه الكاتبة شكه ، من خلال لمحات وصفية عذبة وموجهة .. ( من بعيد تتهادى زوجته آتية ، يشرق وجهها الصبوح وهى تحييه – منصور- باسمة ، مالها تزداد صبا مع مرور الأيام ) صـ 13
ثم ترد عليه زوجته (قبر يلمك) ( خصلات شعرها المتماوجة تتأرجح أسفل طرحتها ) لغة إيحائية رائقة ، تلمح ولا تفصح ,, لذا فالسؤال لم يغادر لسان العم منصور عما تقوله البلدة عن " مرت عمك " .
ثم فى الظل الثانى " وقائع سقوط منصور – لاحظ دلالة الاسم على المخالفة ، فى الخليج مع إحدى الثريات ، التى تضن عليه حتى بذكر اسمه ( اشرب العصير يا غريب ) ويمتلىء الجيب بالمال النجس ، فى الظل الثالث تظهر لـ منصور حبيبة – شمس – وصديق –جوهر – وتبدو شخصية جوهر ملائكية لا تصلح للغربة ، ومع مرضه فى الغربة وغربة زوجته فى وطنها لبعد حبيبها عن البيت ، يفقد جوهر كل شىء حتى الحلم ، ( كان جوهر يسألنى : لم أعد أحلم : هل أذهب لطبيب ) صـ 26
فى الظل الرابع ننتقل بمحاورنا هذه لكن العودة إلى الوطن تكون بمنصور يحمل صندوقا به جوهر ، تتحول الكاتبة فى الظل الخامس إلى الجدة التى تحكى لمنصور عن الناس والدنيا وتغيراتها مضفرة ذلك الحكى بحواديت شعبية متنوعة بشكل يقارب السيناريو ، لكنها فى النهاية لا تجد من تحكى له ، وتكتفى بالحكى للـبو *
فى الظل السادس سنى تحولات القلوب بين منصور و"شمس " وتدنى منصور بعد تجارب الغربة ( بما أنك تشترطين الحب فلم لا نعيش بفطرة الحب ) صـ 46 ثم تكتمل دائرة الفقد لدى منصور " عم مشلول ، صديق ميت ، حبيبة ضاعت ، أخلاقيات تهاوت ، ثم تكتمل الدائرة بفقد أبيه لوعيه وحضوره العائلى ، وسقوطه صريع الخرس النفسى ( كان أبى ذاهلا لا ينطق .. ولا يبدو أنه يسمع " صـ 49 وعبر تسعة اصوات يحاول أهل القرية تفسير ما حدث للرجل ، كل حسب عقليته واهتماماته ، لكنه فى النهاية يتحول غيابه إلى خروج تام بالجسد والنفس معا ( أبوك خرج يا منصور ، تراه يعود ؟ )
فى الظلين الأخيرين مع سعى منصور لتحقيق أى حلم ، يعمل فى الآثار التى اعتادت القرية العمل بها ، لكن الكاتبة تبدع خليطا سرديا ملفتا ، بين كل الأشياء الحبيبة إلى منصور ، وتضفر الحدث بالذكريات ، وترصد تغير الفتى ، حتى يصل إلى العرائس الذهبية التى يعطيها لزوج عمته الذى يناديه بـ " الخال " الذى يضيع ثمن العرائس الأثرية ويخدعه تاجر الآثار بالخمور والنساء ، وتضيع كل الأحلام على منصور ، ويعود لعمه كما بدأت الرحلة به ، سائلا النصيحة وكيفية الحفر فى الجبل ، يقل العم أن ينصحه ، فى مقابل أن يجيه ( لكن قل لى ورب العزة – ما يكونه عن زوجة عمك ؟ .
ومع الاعتراف أن كل اقتطاف اقتضاب بتعبير يحيى حقى – فحن أمام عمل شديد الأهمية على مستوى الشكل والمضمون معا ، لقد رصدت الكاتبة بوعى شديد بيئة لها سحرها ، كسحر بيئة أوروبا زمن الآباء الحكيم والطيب صالح وسهيل إدريس ويحيى حقى إلخ
رصدتها من الداخل عبر تشكيل جمالى راقٍ ، لعبت اللغة الدور الأبرز فى نقل واقع الجنوب وتراثه ( آه يا جبل صامت ، تعرف سرنا وجهرنا ، تبص علينا وإحنا عرايا ) صـ12
اللغة بصفتها ( بيئة حية ملموسة ، يعيش فيها وعى الكاتب ليست أبدا لغة وحيدة ) كما يقول باختين ، إن الكاتب يستثير الجواب المستقبل له ، ويستعمل جميع الأشكال البلاغية والمونولوجية بحكم بيئتها المركبة " (15)
هذا الزمن المواويلى – والتعبير لسمير الفيل – سيطر على هذه المتتالية ، حيث أعادت الكاتبة اصطناع أسطورة خاصة تتناسب والزمان والمكان ، هى تقدم شخوصها عبر راو – منصور- وهذاالراوى الشاهد لا يحمل ملامح مثالية ، بل يحمل إحباطات جيل ووطن ، دفع بأهله دفعا للخروج ، وعبر الخروج تتبدل الأخلاقيات وتنتهى الحيوات ...
الانتقال الزمنى أو التغير الزمنى ، صاحبه تغير مكانى ، شكل ما تحدث عنه النقد كثيرا عن اللجوء للاستعارة من لغة السينما ، كتعبيرات فلاش باك /مونتاج / مشهد/ تقطيع إلخ لتصنع الكاتبة تتابعا للوحدات الزمنية ( ماضى ـ حاضر ـ مستقبل ) فى صيغة تخضع لإيقاع خاص contrepoint temporel (16)
هنا تسلسل امتدادى للحدث الفنى الزمنى ، حيث تواجه الكاتبة مشكلة كبيرة ، لأن الأجزاء التسعة لا تقف على طريقة واحدة فى عرض الحدث بين حدث واقعى وحدث نفسى ، بين تغير مكانى وتغير ذاتى ، لكنها جعلت التخالف الزمنى ملتحما تماما مع سرديتها .
تبقى نظرة واحدة فى هذه الرؤية العجلى لنص يستحق تأملا طويلا ، إنها التناصات والاقتباسات والتضمينات غير النهائية للنص ، ودورها فى تشكيل النص الإبداعى ..
وبداية .. نحن مع المفتتحات الكثيرة التى تسبق كل جزء أو ظل بتعبير الكاتبة ، فى الظل الأول كتبت صـ11 ( وعلى هيئة دائرة ) كتبت فيها " حين مددت يدى لك يا قمر فى سمائك باعدت المسافات والجبل وآلاف الآهات بيننا ) والتوقيع : عم منصور الشاعر .
وعم منصور هذا هو شقيق والد راوى الحكايات كلها أى عم الراوى وليس كلمة عم هنا لقبا ، وهو على طول النص تتغنى بما يشبه المواويل الحزينة بلهجة عامية ( آه يا جبل صوان .. قلبك حجر وروحك حجر وحشاك حجر .. كيف حس بينا ) .
إذن فالمفتتح الفصيح لم يتضمن أى دلالة جديدة ، بل تمهيد رومانتيكى لمحتوى واقعى مخيف ، وإن حاولت الكاتبة أن تجعل القمر شاهدا ، فإن ذلك لم يخفف من دموية الأحداث ثم جدالظل الخامس تضمينا لمقتبسات من الحواديت الشعبية وظفتها الكاتبة بنائيا باقتدار كبير ، لأنها " لحمت " جسد السرد بجسد الحدوتة الشعبية ، فى تناسب مع لغة الجدة نفسها ، ثم جاءت شهادة الجدة على الزمان والمكان بالفصحى الرائعة ، كمونولوج داخلى ، والفصحى هنا قريبة من لغتها اللهجية ، مع ملاحظة أنها قامت باستعارة كبرى فى إطاركبيرة لقصة تشيكوف الشهيرة " لمن أشكو كآبتى " والتى تدور حول حوزى "سائق عربة " يود الإفصاح عن أحزانه بسبب موت ابنه ، فلا يجد فى النهاية سوى الحصان ، يبثه شكواه ( هكذا يا أخى يا فرس .. لم يعد كوزما أينوفيتش موجودا ، رحل عنا .. فجأة ، خسارة ، فلنفرض مثلا أن عندك مهرا ..................) مثلما وجدنا الجدة تحكى للبو
لكن الظل السادس جاء بتشكيل عجيب حين ضمنت بشكل أقرب للافتعال قصيدتين للشاعر منعم النوبى ، فبدت الاقتباسات وكأنها نتوءات خارجة عن النص ، وذلك رغم جودة القصيدتين ، إنما كثرة المقاطع واصطناعها جعل وجودها تحميلا على السرد مهما كانت الدوافع نبيلة .
نحن أمام كاتبة مقتدرة ، صاحبة صوت سردى باذخ أخاذ قادر مسيطر ، هى مشروع له قيمة تسمو مع الزمان .
ـ سهام العربى : أنثى تهجر أنوثتها :
"ثلاث عشرة قصة ضتها مجموعة " جملة اعتراضية " للأديبة سهام عبد السلام العربى ، جاءت على نقيض قصص د. هيام خالصة من كافة النتوءات السردية ، بداية من إهداء موجز ، حتى خلا من لفظ إهداء نفسه واكتفت بكتابة " إلى أسرتى الصغيرة : أمى وأبى وأخوتى " مدخل شديد الأهمية للكشف عن طبيعة الكاتبة ، وميلها لتحميل السردية كافة التجارب الحياتية ، بدون اللجوء للتشكيل الفنى الحداثى والتجريبى كما يبدو ميلها للتأمل ومن هنا مال السرد إلى الـ هو على حساب الأنا ،
(11 قصة بلسان الغائب فى مقابل قصتين فقط بضمير المتكلم ) وهو ما يمكن العودة له ، لكن الملفت فى المجموعة فهم الكاتبة لمعنى القصة القصيرة بشكل مغاير عن جيلها ، فهى تميل بقوة إلى " الميلودرامية " لكنها فى تشكيلها الفنى للقصة ، تمنح الوصف دورا شديد الأهمية ، فى أول جملة بأول قصة لها ، نقرأ ( وقف إزاء سلم المدرج الداخلى ينتظرها ) جملة مكتوبة بعناية كاشفة عن كثير من التفاصيل الخبيئة ، فنحن أمام حالة حب بطلاها جامعيان ، حددت الجملة المكان والزمان والأشخاص والحدث ، ثم تجلت كافة معانى المحبة فى لقطة عابرة من خلال تصوير غيرته على حبيبته ، حين يأتى المطر ، فيسقط على ملابسها التى تشف وتصبح فاضحة فيخلع معطفه ، ويغطيها به.. لمحة مفعمة بالحب الطاهر ، عين لاقطة وصافة لكنها تمد اللحظة وتمنحها أبعادا أشمل فى قصة " صرخة " حيث نكون أمام قصة تحول أنثى من الطفولة إلى الأنوثة ، أهلها يكتشفون أنها لم تختتن ، تجتمع العائلة فى لحظات لمواجهة هذه الكارثة ويتقرر إجراء العملية ليلة دخلتها ، نحن هنا لسنا هنا أمام أنثى تدافع عن حقوق المرأة وفكرة المواطنة إلخ . .. إنما أمام موقف إنسانى ، تختصم الكاتبة فيه جهالة المجتمع ذكرانا وإناثا ، تتوجع من وحشيته ، وتقوقع فكرة الشرف لديه والفحولة ، حتى أنها بدأت القصة بمفارقة بين الطفولة والصبا ، سنرى الفتاة – العروس – تلعب مع رفيقاتها فى الشارع ، وحين تأتى السيارات تقول لهم (الليلة حنتى ) صـ9 ثم تحدث المجزرة البشرية لفتاة تبدأ حياتها الجديدة ، وها هى الخالة والحماة فى الوقت نفسه ( عند باب الحجرة شدت الأم على ذراع ولدها ، طالبته فى صوت خافت ألا يقترب من عروسه لأيام ) صـ 12
كما سبق رأينا الكاتبة ذات ميل أسرى ، عائلى ، لذا عالجت موضوعاتها المخيفة برهافة عالية ، وبلا أى ميل للاستنزاف اللغوى الذى يصيب بعض الكاتبات ، كما أنها لم تصرح مطلقا بلفظ جارح ، ولم تعط وجهة نظرها ، إنما تركت للقارىء حرية اتخاذ الموقف الذى يتقبله .. لذا نجدها فى قصة " أول يوم فى العام الدراسى " ورغم رداءة العنوان مقاليته ، فقد قدمت مشهدا حيا منقولا بصدق من المدارس الحكومية ، فتاة فقيرة – أمل – تسير كيلو متر حتى تصل إلى مدرستها ، لكنها تحمل حميمية العلاقة بأبويها ، وفخرها بالأب البناء الفقير ، والأم التى تتمنى أن تعطى لابنتها الدنيا ، فى المقابل هناك "سامية " – لاحظ دلالات الأسماء المباشرة – ابنة الإقطاعى الجاهل ، والذى يأتى للفصل بصحبة الناظر ، الذى يتجاوز اختصاصاته ، ويعيث فى الفصل فسادا ، وحين يأتى وقت الراحة ، تحاول الفتاة أمل البحث عن من يقرضها لتشترى ساندويتش ، لكن يد أبيها تمتد بالطعام من بين قضبان الباب الحديدى ، وتحاول – هى المتفوقة – أن يدخل أبوها للمدرسة كما دخل والد سامية ، لكنها بالطبع تفشل ,,,
بناء شديد المتانة ، رغم تقليديته التى وصلت لتسمية الموجه مفتشا كما كان قديما ، لكنها أقامت البناء على عمودين متقابلين تماما ، الغنى والفقر ، البناء والهدم ، التعاطف الكاذب ، والجحود الظالم ، لكن نورا ضئيلا يشرق مع كلمات المدرس ( لم يبق إلا الإقطاعى الجاهل ) رغم أن كثيرين عايشوا هذه الحالة إلا أن الكاتبة نجحت فى اكتساب تعاطفنا معها ، واحترامنا وشفقتنا على بطلتها ، وانحيازها دائما ياتى عفويا ،والعفوية أجمل ما فى الفن .
فى القصة السابقة وفى قصة " جملة اعتراضية " تلجأ "سهام العربى " أيضا لضمير المتكلم ، بما يحمله من قدرة على الإقناع ، وكشف عن دواخل الناس ، ومن قدرة على إحداث التعاطف ، لأنه يجعل الحكاية المسرودة مندمجة فى روح المؤلف ، فيذوب الحاجز الزمنى ، بحكم أن المؤلف يغيب فى الشخصية التى تسرد عمله – كما يقول د. مرتاض .
ولذا فنحن مع الطفل وأبيه القاسى ، وهو يدفعه أثناء الأجازة للعمل تباعا ، فتبدأ القصة هكذا :
ـ دمنهور .. دمنهور .
ـ ارفع صوتك يا خرع .
صورة للأب القاسى ، فى أبشع حالاته ، سائق يجذب ابنه للعمل فى مجال غير متناسب مع الطفل ، بل يدفعه دائما لإشعال السيجارة ، وشد النفس الأول ، قبل أن يتلقاها الأب ، عمل الأب لا يعكس نظرة دونية لدى الكاتبة للمهنيين ، فقد رأينا صورة غاية فى النبل للأب البناء ، إنما القسوة تتعلق بمفاهيم تربوية لا علاقة لها بالعمل بالضرورة .
لكن الملاحظ أن الكاتبة تميل بشكل واضح للكتابة الميلودرامية الباكية الكئيبة الحزينة ، لمسة أنثوية ، رغم هجران الكاتبة لما سعت له بعض الكاتبة من " تأنيث كتاباتهن ، لذا فى قصة معذبة وعذبة مثل " أنا والعندليب " نرى الأم الأسيانة وهى تسعى لانتشال ابنها من الاستسلام للمرض والموت ، وتلذذه بألمه ، وهو يكتب فوق الأعمدة ( توفى إلى رحمة الله تعالى عصام درويش ويوقع بين قوسين حليم ) ولا أدرى سببا لهذه القصة التى ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:27 am

كما سبق رأينا الكاتبة ذات ميل أسرى ، عائلى ، لذا عالجت موضوعاتها المخيفة برهافة عالية ، وبلا أى ميل للاستنزاف اللغوى الذى يصيب بعض الكاتبات ، كما أنها لم تصرح مطلقا بلفظ جارح ، ولم تعط وجهة نظرها ، إنما تركت للقارىء حرية اتخاذ الموقف الذى يتقبله .. لذا نجدها فى قصة " أول يوم فى العام الدراسى " ورغم رداءة العنوان مقاليته ، فقد قدمت مشهدا حيا منقولا بصدق من المدارس الحكومية ، فتاة فقيرة – أمل – تسير كيلو متر حتى تصل إلى مدرستها ، لكنها تحمل حميمية العلاقة بأبويها ، وفخرها بالأب البناء الفقير ، والأم التى تتمنى أن تعطى لابنتها الدنيا ، فى المقابل هناك "سامية " – لاحظ دلالات الأسماء المباشرة – ابنة الإقطاعى الجاهل ، والذى يأتى للفصل بصحبة الناظر ، الذى يتجاوز اختصاصاته ، ويعيث فى الفصل فسادا ، وحين يأتى وقت الراحة ، تحاول الفتاة أمل البحث عن من يقرضها لتشترى ساندويتش ، لكن يد أبيها تمتد بالطعام من بين قضبان الباب الحديدى ، وتحاول – هى المتفوقة – أن يدخل أبوها للمدرسة كما دخل والد سامية ، لكنها بالطبع تفشل ,,,
بناء شديد المتانة ، رغم تقليديته التى وصلت لتسمية الموجه مفتشا كما كان قديما ، لكنها أقامت البناء على عمودين متقابلين تماما ، الغنى والفقر ، البناء والهدم ، التعاطف الكاذب ، والجحود الظالم ، لكن نورا ضئيلا يشرق مع كلمات المدرس ( لم يبق إلا الإقطاعى الجاهل ) رغم أن كثيرين عايشوا هذه الحالة إلا أن الكاتبة نجحت فى اكتساب تعاطفنا معها ، واحترامنا وشفقتنا على بطلتها ، وانحيازها دائما ياتى عفويا ،والعفوية أجمل ما فى الفن .
فى القصة السابقة وفى قصة " جملة اعتراضية " تلجأ "سهام العربى " أيضا لضمير المتكلم ، بما يحمله من قدرة على الإقناع ، وكشف عن دواخل الناس ، ومن قدرة على إحداث التعاطف ، لأنه يجعل الحكاية المسرودة مندمجة فى روح المؤلف ، فيذوب الحاجز الزمنى ، بحكم أن المؤلف يغيب فى الشخصية التى تسرد عمله – كما يقول د. مرتاض .
ولذا فنحن مع الطفل وأبيه القاسى ، وهو يدفعه أثناء الأجازة للعمل تباعا ، فتبدأ القصة هكذا :
ـ دمنهور .. دمنهور .
ـ ارفع صوتك يا خرع .
صورة للأب القاسى ، فى أبشع حالاته ، سائق يجذب ابنه للعمل فى مجال غير متناسب مع الطفل ، بل يدفعه دائما لإشعال السيجارة ، وشد النفس الأول ، قبل أن يتلقاها الأب ، عمل الأب لا يعكس نظرة دونية لدى الكاتبة للمهنيين ، فقد رأينا صورة غاية فى النبل للأب البناء ، إنما القسوة تتعلق بمفاهيم تربوية لا علاقة لها بالعمل بالضرورة .
لكن الملاحظ أن الكاتبة تميل بشكل واضح للكتابة الميلودرامية الباكية الكئيبة الحزينة ، لمسة أنثوية ، رغم هجران الكاتبة لما سعت له بعض الكاتبة من " تأنيث كتاباتهن ، لذا فى قصة معذبة وعذبة مثل " أنا والعندليب " نرى الأم الأسيانة وهى تسعى لانتشال ابنها من الاستسلام للمرض والموت ، وتلذذه بألمه ، وهو يكتب فوق الأعمدة ( توفى إلى رحمة الله تعالى عصام درويش ويوقع بين قوسين حليم ) ولا أدرى سببا لهذه القصة التى انتهت أزمانها منذ أكثر من ربع قرن زمنيا وفكريا ، والعودة بالقص إلى لغة المنفلوطى وعذرية لغته التى وصفها المازنى بالميوعة . أما لغة " سهام العربى " فهى لغة فصيحة راقية جدا ، بسيطة جدا ، لا تقف فصحاها عائقا أمام التلقى البسيط للقارىء العادى ، والحوار دوما فصيحا مختصرا مركزا :
قال من بين لهاثه :
ـ سمعتها تبكى .
سألته فى شك :
ـ هل صعدت فوقها ؟
قال : أجبرنى رفيقى على تسلقها معه .
ـ ألم أنهك عن الذهاب إليها ؟
ـ قال إن ثمارها لذيذة .
وفى قصة " من ثقب إبرة " يبرز عنصر الحكى رائقا عذبا لديها ، وبنفس قدرتها الواضحة على الوصف ، مع لغة إيحائية ذكية ، تستقطب وعى القارىء حتى يتابع سيل الضمائر التائهة ، كذلك قدمت صورة الفتاة المجنونة ، بشكل طيب ، ولم تسقط ضحية الاستسهال فى تناول شخصية الفتاة ، بل اكتفت فقط بجملة واحدة
ـ رب موت ؟؟ تقصد يارب تموت .
بهذا الرقى اللغوى والفكرى قدمت الكاتبة مجموعة مميزة ، كاشفة عن كاتبة لها مشروعها ، لكنها تحتاج توسيع دائرة وعيها عبر قراءة أكثر عمقا ، لتضفر لغتها ورؤيتها بوجهة نظرها .
الجمعة 18/6/2010م .













الهوامش والمراجع
(1) سيد الوكيل – أفضية الذات – س كتابات نقدية – المقدمة .
(2) وليم فوكنر ـ الصوت المنفرد – ترجمة دكتور محمود الربيعى - هيئة الكتاب – مصر – 1993م صـ 23
(3) د. عبد الملك مرتاض – فى نظرية الرواية – عالم المعرفة – الكويت ديسمبر 1998م صـ 264
(4) السابق صـ 184.
(5) نقلا عن أصوات مصرية فى الشعر والقصة القصيرة – س أصوات معاصرة – يناير 2002م صـ 84
(6) روجيه جارودى – واقعية بلا ضفاف – ترجمة حليم طوسون ومراجعة فؤاد حداد – هيئة الكتاب 1998م صـ 147
(7) جان مارى شيفر – ما الجنس الأدبى – ترجمة غسان السيد – مطبوعات اتحاد الكتاب العرب – دمشق – صـ 16، 17.
(8) الصوت المنفرد ـ سابق ـ صـ 26
(9) عبد الله إبراهيم – المتخيل السردى – المركز الثقافى اللبنانى – 1990 صـ 9
(10) انظر دراسة "الحيوان الروائى " للباحث منشورة بمجلة "الفصول الأربعة الليبية " أغسطس 2009م صـ65
(11) د. محمود الضبع –الشعرى فى السردى – ضمن كتاب أسئلة السرد الجديد – هيئة قصور الثقافة 2008م صـ 372
(12) عن د. سيزا قاسم – بناء الرواية - الهيئة المصرية العامة للكتاب – عام 2004م صـ 104
(13) سامية أسعد/ القصة القصيرة وقضية المكان/ مجلة فصول/ المجلد2 العدد4 السنة1982ـ صـ 191
(14) الاقتباس عن بوتوبر نقلا عن كتاب " الرواية ايوم " تحرير مالكوم برادبرى – ترجمة أحمد عمر شاهين – الهيئة 2005م – صـ 9 وصفحات أخرى – بتصرف يسير . * البو : جلد الجمل الصغير يحشى بالقش ويقام أمام الناقة لتعتقد أنه وليدها لتظل تحنو باللبن ، وفى القصة جلد العجل الصغير ، وقد ذكر هذا التعريف الكاتب الراحل محمد مستجاب فى قصة بنفس العنوان – البو – نشرت ضمن مجموعة "قيام وانهيار آل مستجاب " نشرت بسلسلة أصوات أدبية نوفمبر 95 صـ 79
(15) ميخائيل باختين – الخطاب الروائى – ت محمد برادة – دار الفكر – 1987م صـ 60
(16) بناء الرواية – سابق – 39




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:29 am

المؤتمر الأول لسلسلة " أصوات معاصرة "
الصراع في قصص مصرية معاصرة.
بقلم : سمير الفيل
السرد في بعض النماذج القصصية التي سنتعرض لها في هذا البحث ينهض على مستويين . المستوى الأول يخص الاستخدام المباشر للغة ، القريب لذائقة المتلقي وخبرته . أما المستوى الثاني غير المباشر فيظهر في اللعب الفني في التعامل مع اللغة مما يجعل المتلقي بحاجة إلى التأويل ومحاولة الوصول إلى صرة المعنى، ومما لاشك فيه أن قوة التوتر ومدى ما يحمله النص من تموجات سردية عميقة له أثر كبير في حمل الخطاب مع نشوء صراع قد لا يبدو ظاهرا بين المعنى السطحي والمعنى المضمر المتأصل في الجوهر ذاته.
يبدأ الناقد عمله بتفكيك بنية الحكاية ومحاولة الوصول إلى مادتها الخام مع تحليل أوجه الصراع بين الشخصيات ، والتي عليها ينهض القص بمفهومه الحديث.
ولاشك أن الصراع داخل النص القصصي هو عنصر حاكم وشديد الأهمية في تشكيل بقية العناصر الفنية ؛ فهو الذي يمنح العمل تفرده وتميزه، ويحقق نجاحه في الوصول للمتلقي .
• الصراع مع الماضي في " ابتسامة كريستال "(1) لسلوى الحمامصي :
هي دورة الزمن ما تقصه الكاتبة في عملها السردي فتبدأ اللقطة الأولى بمشهد الجدة ، وهي تجلس لتحيك من خيوط النسيج قطعة ملابس للمولود القادم . إنها الجدة التي عاشت لتجاهد الحياة كي تصل إلى لحظة الطمأنينة تلك فترى حفيدها الصغير يأتي إلى الدنيا وسط فرحة الأهل وبهجة الأقارب .
وهي لحظة نقيض لمشهد مغاير مر عليه خمسة وعشرين عاما لزوجة توشك على الوضع ، وحيدة في سرير أبيض ، يشعرها بالوحدة و الفراغ ، وحين يظهر الأب في اليوم الثالث من الوضع تشعر به يخطو في بركة فتوره البارد ، حتى أنه لم يؤذن في أذن الوليدة كما تقضي بذلك الأعراف الشعبية . ربما لأنه كان يريد الولد وهي لم تسعفه به ، وربما لأنه ارتبط بامرأة أخرى فانطفأت البهجة في صدرها .
وهو ما توضحه لقطة أخرى ـ مثيرة للحنق ـ للزوج حين يمد يده بصورة شخصية لامرأة غريبة ثم يخبرها أنها زوجته الثانية . لحظة كاشفة ، تخلو من الإنسانية واللياقة ، وتشي بدونية ، وتنم في ذات الوقت عن قلب قاس ، ووجدان خشن فهي لحظة خاصة ، تحتاج للدفء والحنان لا الخديعة والقهر.
لذا تنطلق الكاتبة في رسم ظلال المشهد المأساوي حين تعود إلى عملها بعد انتهاء إجازة الوضع فتأتي زميلاتها مهنئات مهللات بالمولودة الجديدة فتخفي عنهن نبأ طلاقها حتى لا تزعجهن وتقع ـ هي ـ في شباك الارتباك . تكون التهاني في ظرف كهذا أقرب ما يكون بطعنات دامية تتجه إلى قلبها.
يدور الصراع هنا بين طرفين : الطرف الأول يمثله الزوج بمكره وغدره وهو يسلب الزوجة بهجة الأمومة بالانسلاخ عن عالمها في أدق مرحلة من حياتها حين تكون الولادة مقدم حياة جديدة .
الطرف الثاني هو الزوجة المطعونة في كبريائها ، والتي تميد الأرض تحت قدميها وهي تواجه مصيرها التعس . يدخل بؤرة الصراع الطفلة التي هي ثمرة العلاقة بين الزوجين فهي تواجه مصير مظلم بالرغم من كونها ليست طرفا في القضية الشائكة؛ فهي بالكاد ترى الأشياء مضببة في لفافتها القطنية .
الجدة عبر تيار التداعي تستعيد الحكاية كأنها تقوم بعقد مقارنة ما ، بين زمنين وبين واقعين ، إحداهما لماض قد ولى ، والآخر لحاضر يتشكل في ظروف أفضل كثيرا.
فالأب هذه المرة ـ زوج ابنتها الوفي ـ يكون حاضرا للولادة ، وينحني ليطبع قبلة على جبهتها الدافئة في حين تدخل الممرضة حاملة لفافة بيضاء يبزغ منها وجه ملائكي صغير . حين تضعه بين يدي الجدة تحمله بحنان وخشية كقطعة كريستال نفيسة ، ترسل إنعكاساتها الضوئية في كل مكان.
من هنا تستعير الكاتبة عنوان قصتها ، وهي عبر هذا الاختيار تعلن أيضا عن نفوس كبيرة ، تمتليء بالوفاء والخير في مقابل نفوس أخرى صغيرة ، غادرة ، لا تبث السكينة والطمأنينة لدى من يرتبط بها برابطة قدسية هي الزواج .
الحس الأنثوي يسيطر على أجواء القصة ، وأغلب نصوص سلوى الحمامصي في مجموعتها بها هذا الإحساس الرقيق بمعاناة الأنثى وامتهان كرامة المرأة ، لكن سردها ـ وللحق ـ يتسلل برقة وعذوبة عبر حدث أو حكاية أو طرفة أو ملهاة ، لذا يمكن القول أن الصراع الذي تشمله تلك القصة يمكن أن نرصده عبر أكثر من محور ، كالتالي :
ـ صراع بين الماضي الحزين الذي يمتد للحظة الآنية بكل ترديداته ، وبين الحاضر الذي يختلف في الأسباب والنتائج ، في التوجهات والمصائر.
ـ صراع قديم بين الأم التي وضعت طفلها وبين زوج لا يجد غضاضة في إخبارها بزواجه من أخرى في لحظة تحتاج فيها المرأة لمن يحنو عليها بكلمة مشجعة حانية، تطبب أوجاعها .
صراع بين جيل قديم من النساء كان يركن للصمت كلما ألمت به ضائقة ، فيضع كل شيء في كفة " القضاء والقدر" والرضا بالنصيب والصمت الجميل ، وبين جيل جديد تكتشف فيه المرأة قدراتها المتزايدة في مقاومة العسف والقهر، وعدم السكوت على ظلم بيّن .
ما أعتقده أن البداية التي جاءت موفقة بمشهد الجدة وهي تغزل ثوب الحفيد القادم كان معاودة لنسج حكاية من حكاية ، وقد يكون من اللائق هنا أن نشير إلى نوع آخر من الصراع بين لغتين في النص الواحد : لغة السرد المتهادية السهلة ، ولغة تجنح إلى الخشونة في استخدام ألفاظ توضح معنى الفجيعة حين يطال امرأة مسكينة ، لا حول لها ولا قوة.
سلوى الحمامصي في نصها تكشف عن انحياز تام للمرأة ، وتفاعل حميم مع قضاياها لكنها لا تشتط في تعاملها مع الأحداث بقدر ما تصيغ مواقفها في صرة حكائية منتزعة من الواقع ، وإن كنت اتأمل الموقف فأجد الرجل قد خان نفسه حين فرط في عطية السماء بعدما منحه الله طفلة جميلة فرفس النعمة مفضلا متعة جسدية عابرة.
إنه صراع آخر ، محتدم داخل النفس الإنسانية ولا تخلو قصص سلوى الحمامصي من النزعة الأخلاقية فهي تساند قضايا المرأة ، وتكشف ما تمر به من محن وأزمات طبيعة للحراك المجتمعي ( 2) ونجدها في نفس الوقت تعلن عن مواقفها الواضحة عبر اختيار نهايات قصصها ، وقد وجدنا الجدة تحتضن الصغيرة في لفتها كتعويض حقيقي لسنوات الجدب ، جاء من السماء كمكافأة لها بعد حقبة طويلة من المكابدة والمعاناة والألم. هذا ما فهمناه من النص ، دون ثرثرة أو لغو لا طائل من ورائه.


الصراع مع الذات في " عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لحسين علي محمد:
يحرص فعل الحكي في هذا النص على أن يبرز كيف للحدث المحوري أن يأخذ شكل الصراع عبر بنيات حكائية صغرى تعيد ترتيب الوقائع وتنضيد المواقف من خلال عملية استرجاع يقوم بها الراوي من خلال استخدام ضمير المخاطب .
الحكاية تنهض في مادتها الخام على علاقة حب طاهرة وبريئة بين بطل النص وبين زميلته ، ابنة مدرس التاريخ الذي يشكل الوعي الجنيني للطلاب ، ومن المحتم هنا أن نرصد أهمية الفترة التاريخية التي جرت خلالها الأحداث فهي تشير إلى ما بعد هزيمة يونيو 1967 حين دنس العدو الإسرائيلي أرض سيناء ونزلت مجنداته للاستحمام في مياه قناة السويس . كان صوت المعلم الأب يأتي قويا ، متخطيا حالة الانكسار ، مبشرا بالانتصار القادم لا محالة.
البطل من قرية ريفية صغيرة ، ومرجعيته كما سنرى شعبية ، بسيطة ، لكنها ضاربة في عمق التاريخ ، والفتاة متفوقة دراسيا ، وهي زميلة في المدرسة الثانوية ثم في فسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة في وقت لاحق .
من خلال عرض الأحداث التي تبدو كشذرات مهشمة نكتشف أن " حياة " ـ وهذا هو اسم الفتاة ـ قد ماتت في 15 مايو 1971 وهو زمن يوافق ثورة التصحيح التي قادها السادات ضد مراكز القوى ، ونكل فيها بخصومه ـ وقد كان منهم الولد الشقي محمود السعدني الذي توفى منذ أسابيع قلائل قبل إعداد تلك الورقة البحثية ـ وحين يقف الطالب الزميل أي البطل على رأس المقبرة يسمع صوت أستاذه ، وهو يهتف بأسى بالغ : أين ذهبت وتركتنا يا حياة ؟
لنلاحظ دلالة الاسم ؛ فحياة هي التي تموت في مفارقة لفظية وحياتية مثيرة للدهشة ، فلقد دهمتها سيارة طائشة في ميدان رمسيس ، وهي في طريق العودة إلى القرية بعد أن انتهت الامتحانات . حاول الزملاء إنقاذها لكنها فارقت الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى .
ظل التساؤل الذي يطارد الأستاذ هو : لماذا لم تعط الحياة فرصتها ل" حياة " ؟ وهو سؤال كما نرى خارج نطاق القدرة على الإجابة . لقد أراد الأب لابنته أن تواصل مسيرته في البحث والتنقيب عن تاريخ مصر . كانت الفتاة واعدة ، واعية ، مدركة لأهمية ما تقوم به ، وكانت نشيطة ، ثورية ، ملتزمة في سلوكها ومواقفها ؛ فهي تحرر صحف الحائط ، وتعلقها على جدران الجامعة ، كما كانت قادرة على أن تبصر النصر قادما على بعيد ، وللأسف من بعده يأتي الانفتاح حيث يصعد نجم " القطط السمان " فيغتصبون خير الوطن . أبصرتهم بثاقب بصيرتها دون أن تعاصر حضورهم الذي جعل ملامح الحياة في المحروسة قبيحة ، متردية . إنها بهذا تشبه زرقاء اليمامة التي أخبرت قومها بالأشجار تسير فكذبوها ، ودخل الأعداء مدينتها وخلعوا عينيها.
السرد في النص يأتي متمهلا ،لكن بإيقاع متسارع ، به نبرة أسى ودفقات لوعة ، وسوف نعثر على ملامح فتاة ريفية ، مرحة ، مستبشرة بالحياة رغم كل شيء . فهل جاء الموت نذيرا بالكارثة المقبلة أو مرهصا بفترة تحولات سياسية وانكسارات اقتصادية لصالح شرائح من الانتهازيين والطفيليين ؟
يبدو أن هذا صحيح إلى حد بعيد فمثل هذه الطالبة المتفوقة في دراستها ، والرومانسية في قراءتها حيث كانت تميل لمطالعة المنفلوطي ومحمد عبدالحليم عبدالله تسقط تحت عجلات سيارة مسرعة في حادث سير عبثي ، هو إشارة للروح العبثية التي ستسود الوطن فيما تلا ذلك من سنوات .
حين تنقضي السنون يذهب البطل لزيارة الأب المكلوم فيلاحظ وجود تجاعيد حول العينين في صورة الفتاة المعلقة على الحائط إلى جوار أبطال وزعماء الوطن ، ربما من آثار التراب على الصورة التي يؤطرها الحزن.
يتساءل الراوي عن سر صمتها ونظرتها الساهمة التي لا تغادر أفق الحجرة ؟
بعد مرور ثمانية وعشرين عاما يعاود اكتشاف أنها لا تبوح وتفضل الصمت ربما احتجاجا على ما يحدث على أرض الواقع .
كان الحب الحبيس في الصدر ينتظر فرصة البوح ، وقد راح يؤجله إلى ما بعد التخرج لكن الحادثة تقضي على المشروع في مهده . إن الزمن ينقضي ، وها هو في سن التاسعة والأربعين لم يتزوج كأنه ينتظرها في عودة أسطورية قد تزلزل قوانين الكون.
حديثها القديم بعذوبته ينبعث فيكاد يشك في أنها حية وأنها ستواصل البوح بما ترى وراء طبقات الغيب ، حتى تنقذ بني جلدتها من مصير مظلم، مؤلم .
نكاد نعثر في النص على ثلاث مستويات من الصراع.
المستوى الأول : يخص تلك العلاقة المسكوت عنها بين البطل الذي يحب الزميلة وبين ذاته ، فهو ينتظر اللحظة المناسبة ليبثها عشقه .
المستوى الثاني : يتمثل في ذلك الصراع الضاري بين الموقف الوطني الذي تمثله " حياة " وجيلها وبين سدنة النظام الذين يحرصون على مكاسبهم الشخصية بغض النظر عن مستقبل الوطن.
المستوى الثالث : يتحدد في هذا الصراع التحتي السري العميق بين الماضي بكل تداعياته وحكاياته المتفجرة بالمشاعر العميقة وبين حاضر يخلو من الفرح والأمل والصدق . يتولد إحساس قوي بالمحنة التي واجهت جيل صدمته الهزيمة ولم تسعفه حرب أكتوبر كي يعود له الشعور بالكرامة الوطنية ،والعزة القومية ؛ فثمة أعداء من الداخل لا يقلون وحشية عن أعداء الوطن من صهاينة وأمريكان ، وإن لم يحدد الكاتب ملامحهم لكن تأمل الفترة الزمنية بقليل من الجهد تسعفنا بالإجابة.
القصة التي كتبها حسين علي محمد في الرياض في 15 مايو 1997 تقع بين مسافتين تجعل من الحتمي أن يرى البطل الموقف عبر صيرورة الزمن فالتأمل هنا يمنح الحدث بعدا تأويليا فكأن الكاتب يقدم مرثية للزمن الجميل ، وحتى على مستوى تقنيات الكتابة يخلص الكاتب لغته من المعاظلة ويتجه للبساطة في التعامل مع الحدث عبر عين بصيرة وقدر من الصدق الفني الذي يجعلنا نشعر معه أننا افتقدنا زرقاء اليمامة حيث تضببت المرئيات وسرنا لا نرى الأشياء في حقيقتها بعد أن اختلت النسب وغابت الرؤية تماما.
سنعود للعنوان فنتوقف أمامه قليلا فنزعم أن " العرض الموجز " يمتليء بتفصيلات تجعل الفتاة " حياة " حاضرة رغم موتها المادي ، وهذا متحقق بالفعل ، فلم يكن الموت نهاية لحضورها بقدر ما شكل تواجدا رمزيا للفكرة التي مثلتها كواحدة من بنات جيلها الرافض للهزيمة والمنتظر بكل عنفوان الإرادة لعودة الإحساس بالمعنى ، والقيمة ، والكرامة .
نص يبدأ بأداة الاستفهام " هل" فكأن الكون كله يبدأ بالأسئلة ، ولا ينتهي بإجابات محددة ، نهائية ، حاسمة.

* صراع الإرادات في " الحقيبة " (4) لمحمد الحديدي :
لأسباب كثيرة يمكننا اعتبار تلك القصة ممثلة لصراع الإرادات بين قوى مختلفة التوجهات رغم الانتماء الواضح لعالم الطفولة .
الراوي هو بائع مياه غازية في سيارة أتوبيس ، وبينما هو يتنقل بين المقاعد تقع عينه على زميل الدراسة بمدرسة المنشأة الابتدائية في إحدى قرى بلقاس . عبدالكريم الديب هو التلميذ النجيب الذي طالما أشبعه رفاق فصله ضربا بسبب أنه كان ذكيا يحفظ الدروس فيما ينالون الأذى بالضرب على أياديهم الصغيرة في عز طوبة لتقصيرهم وبلادتهم . يصبح عبدالكريم رئيسا للفصل ، وتختاره إدارة المدرسة طالبا مثاليا لتفوقه ، وهذا لا يمنع التلاميذ من إيقاع الأذى به ، فيوميا ، وحين يكون في طريقه للعودة إلى البيت متأبطا حقيبته المصنوعة من القماش الرديء يتقدم منه عادل مصطفى المسمى بالعفريت لشقاوته ويخطف منه الحقيبة ويرمي بها في بحر " السماعنة " . لا يجد الطالب النجيب مفرا من التدحرج عبر شاطيء البحر ليلقي بنفسه في الماء ولا يخرج إلا وبيده حقيبته .
تكشف القصة عن مفارقة غاية في الغرابة فالتفوق في تلك البيئة الفقيرة المعدمة يكون عقابه قاسيا وعنيفا ، وهي نزعة طفولية موجودة فعلا لدى بعض الأطفال الذين يدبرون المقالب والمؤامرات الصغيرة للانتقام مما يلحق بهم من أذى جراء شيء لا إرادة فيه للطالب المتفوق . وكأن عدالة السماء تقوم بفعل التعويض ، ومهمة الإنقاذ ففي إحدى المرات التي يلقى فيها الزملاء الحقيبة المصنوعة من القماش في البحر ينزل الطالب لينقذ أشياءه فتعلق يده بصرة من القماش ، وحين يعود بها إلى أمه وتفكها تجد كمية من المصوغات ، تبيعها وتترك الأسرة " فاقوس " ليستقر بها المقام في " الزقازيق " ، وبهذه المصادفة الغريبة تتحسن أحوال أسرة عبدالكريم ، وحين يلتقي به الراوي بعد سنوات طويلة ، يكون قد صار أستاذا بكلية الحقوق جامعة الزقازيق.
هي قصة تقترب في مصادفاتها القدرية مما نجده في حكايات " ألف ليلة وليلة " حيث يتداخل الواقعي بالخيالي ، وتقترب القصة في خطابها من نزعة الحكمة الأخلاقية حيث الخير العميم عاقبة الشخص الصابر المثابر في الوقت الذي يكون فيه الراوي مجرد بائع مياه غازية يقترب من حدود الكفاف.
في القصة جوانب مختلفة من الصراع تتداخل ، وتتشابك ، كما يلي:
وجه أول : الصراع بين الطالب الذكي من جهة وبين بقية تلاميذ الفصل المتبلدين من جهة أخرى ، والذي يصل إلى حد الإيذاء الجسدي حتى أن أمه تصرخ بهم، وهم يطاردونه : إنه يتيم ، إرحموه.
وجه ثان: الصراع الداخلي بين الطالب الذكي وبين نفسه حين يكتشف وجود " محمد الغلس " فلا يشحذ أفكاره للانتقام منه ، بل يتعامل معه تعاملا حضاريا حين يمنحه ورقة مالية فئة المائة جنيها. إنه يتعالى على جرحه القديم بنفحة كريمة تعلن عن معدنه الطيب.
وجه ثالث : يتبدى في محنة الفقير في القرية المصرية فهو يبحث عن تسريب مشاعره لدى خصوم افتراضيين حيث يمرر سخطه عبر أفعال المناوءة والإيذاء لدى من يقلون عنه قوة .
وجه رابع: يتشكل عبر الزمن فالحكاية الجنينية الصغرى تنفلت من داخل واقعة عصرية بعد أن دار الزمن دورته فيخلص الراوي الزمن من عكارته ويلج الماضي كذكريات مطوية محاولا بث روح الحياة فيه ، والمفترض أن يكون رد الفعل مساويا لمقدر الألم القديم غير أن التعالي على تفصيلات المحنة تحيل المسألة كلها لمنطقة الطفولة التي تحتمل كل النقائض من براءة وفظاظة ، من طيبة وشر ، من تعاطف ومكائد.
إن " الحقيبة " في نفس الوقت تمثل رمزا للحيلة القدرية التي تحدث انعطافة قوية في حياة الأشخاص لكنها تعبر في ذات الوقت عن عتبة لتجاوز الفقر كأنه نداء من السماء لمكافأة المجد عن جده ومعاقبة المخطيء على أفعاله حين يتحسر لعدم وصوله لنفسي المركز المرموق أو ما يقاربه قيمة ومنزلة .
يتوقف الأتوبيس في محطة الزقازيق ومع النفحة المالية يضع الأستاذ الجامعي قبلة حنونة على وجه الراوي ، وهو ما استغربه فعلا لأنني أتصور أن الوصول لهذا المنصب الرفيع له مقتضياته . ربما يصبح مدخلا للتعاطف مع من هم في أسفل السلم الاجتماعي لكن الأمر لا يصل إلى حد رفع الكلفة كما أعتقد.
ولا يغيب عنا النزعة الأخلاقية التي تؤطر القصة ، وتصب في تيار النصوص التي تحمل خطابا يقترب من حدود الحكمة التي تصبح مثلا شعبيا داعما لأفكارنا الأساسية عن العلاقة بين الأضداد فالخير يحقق لصاحبه الأمان فيما الشرير يحصد مرارة الحنضل ، قولا وعملا.
نأتي للعنوان الذي جاء موفقا ، وفيه شبهة ترميز ف" الحقيبة " هي الشيء المغلق الذي يحمل أسرارنا ، وأوراقنا وأقلامنا ، وهي في ذات الوقت دليل على الخصوصية التي ظلت تنتهك على يد الصغار حتى جاء الفرج بعد الشدة حسب التعبير الشائع في التراث العربي ممثلا في " ألف ليلة وليلة (5) درة الكتابات العربية الأصيلة.
* الصراع الداخلي في قصة " صفية " (6) لحسني سيد لبيب :
يمكننا تمييز الصوت السردي الرئيسي في النص عبر حكاية تقترب من مفهوم القص التقليدي . فبطلة النص مات أبواها وهي في سن الخامسة عشرة ، مما جعلها تذهب لتعيش مع عمها مجاهد الذي يربي خمسة من أبنائه تربية صالحة ، وقد تأقلمت في بيت العم ، وهو أراد أن يكمل رسالة شقيقه الراحل بمواصلتها التعليم.
لا يحب عمها أن يجرح كرامته إنسان ، وقد ظهر هذا عندما عاتبه جاره مسعود على معاكسة ابنه أحمد لابنة جاره، سعاد. لقد راح يؤنب ابنه على ما فعله ، وفي توقيت متقارب تتعرف صفية على صديقة لها اسمها ياسمين تسكن مصر القديمة حيث مسقط رأسها . تثور " صفية " على وضعها في بيئة محافظة ، مثقلة بالعادات والتقاليد ، وتنتقل للعيش مع عمها سعيد الذي يمثل الوجه الآخر من الحياة فهو متحرر من العادات الاجتماعية ، ويساير عصره كما يشغل مركزا مرموقا بصفته مديرا عاما بمخازن إحدى الشركات مما يدر عليه ربحا كبيرا. إنه يقيم الحفلات التي ترتادها الشخصيات البارزة ، وتبهرها الحياة الجديدة بصخبها وضوضائها وهنا تنتبه لأهمية التغيير بدلا من الحياة الرتيبة التي تعودتها في بيت العم مجاهد.
تسنى لها أن تتعرف على شاب اسمه " نبيه" يرافقها في حفلات السينما والمسرح ، ويخطف منها قبلة تجعلها تظن أن خطوبته لها قد صارت قريبة لكنه يواجهها بحقيقته المخادعة . لقد بلغت العشرين وتخرجت وعملت في الشركة التي يعمل بها عمها . هناك تلتقي مصادفة بزغلول الجار القديم ولا تحفل كثيرا بما يمثله من قيم مثالية قديمة كانت إلى عهد قريب تتمسك بها ، وصار لزاما عليها أن تهجرها لترقى لطبقة أخرى .
بعد تخلي نبيه عنها تنخرط في بكاء مرير ولم تجد من يخفف عنها أحزانها سوى زغلول الذي كان قد سبقها لاكتشاف خواء العالم الذي صدمه فانتبه لأهمية أن يخلص نفسه من شروره ، بالانحياز للقيم الأصيلة التي تربى عليها .
بضربة حظ تعتمد على المصادفة يقترب زغلول منها في لحظة ضياع أملها في الاقتران بالشاب الوسيم الذي يمثل لها الفتى العصري " المودرن " ، ويكون عرض الزواج الذي قدمه لها زغلول متسقا مع طبيعتها الفطرية فهي توافق على ذلك العرض ، وتنتشل نفسها من عالم الضجيج والنفاق حيث تخفي القشرة الحضارية الزائفة ممارسات عقيمة ترفضها من داخلها ، لتعود لبيت العم مجاهد بكل ما فيه من أصالة وصدق وقوة انتماء.
لا يغيب عن بالنا النبرة الوعظية التي تتسلل في فضاء القصة ، والنفس الروائي الذي شحن النص بتفصيلات عديدة ، كذلك السرد الخطي الذي يتمهل في تعقب الزمن وصيرورته ثم في ملاحقة الأحداث بحس تبريري ينفذ الفتاة من شرور أفعالها في اللحظات الأخيرة.
أما عن الصراع فيبدو عبر مستويات متشابكة ، تسير جنبا إلى جنب في النص ، قد تتلاقى ثم تعود للانفصال التلقائي:
المستوى الأول هو الصراع المعلن والواضح بين عالم العم مجاهد الفطري النقي ، الطيب ، المحافظ وبين عالم العم سعيد بتحرره وحفلاته وانطلاقاته.
المستوى الثاني ويتمثل في الصراع الداخلي بين الرغبة في الاقتران بزميلها القديم زغلول وبين رغبة مضادة توشك أن تسقط خلالها في براثن الشاب الوسيم الذي يتلاعب بقلبها ويعبث بمشاعرها.
المستوى الثالث ، ويتحدد في التساؤلات العميقة التي تصطرع في أعماقها حول مفهوم الحرية والشرف والرغبة العارمة في عدم الاستسلام لقدرها بالقفز فوق طبقتها والانتماء لطبقة صاعدة ترى فيها خلاصها غير أنها سرعان ما تخذلها، فتنفر منها تماما .
المستوى الرابع : يدور بين ولائها التلقائي للعم الطيب مجاهد وتربيته الواعية لأبنائه وبين نفورها من روتينية الحياة وضيق أفقها.
هنا يعلن الكاتب عن انحيازه للجانب الأخلاقي فهو يجعلها تخسر كثيرا بالتعرف على الشاب نبيه بوسامته وشعره الناعم الطويل وقامته الفارعة فيما يكون الحل الموفق مع زغلول الذي لا تصفه القصة بأكثر من صفات معنوية كالتدين والالتزام والحدب على معارفه القدامى.
العنوان الموجز والدال الذي اختاره الكاتب هو "
صفية " ، يحمل اسم بطلة النص ، وفيه إيحاء بالاصطفاء فبطلته تعبر تعبيرا واضحا عن مواقفه من القضايا المعاصرة فهي تجسيد حي لتلك المنطقة الغائمة التي تبحث فيها الفتيات عن اقتناص الفرصة المناسبة كي تعثر فيها على خلاصها الشخصي ، متخطية ظروفها وسقف معيشتها الواطيء .
اختيار أسماء الشخصيات الأخرى بالقصة فيها ايحاءات ودلالات لا تخفي عن فطنة القاريء فمجاهد تعبير عن مجاهدة النفس لكل المغريات فيما " سعيد" هو من يرفل في سعادة مزيفة بلا قيمة أصيلة . وصديقتها " ياسمين" تدل على رائحة ذكية ، وفي أفعالها إغراء ما ، وهكذا. النص الذي نشر في مجلة " الثقافة " بتاريخ يونيو 1978 ينتصر للقيم الأخلاقية ويرفض المغامرة غير المأمونة العواقب ، ويتصف بتقليدية الحكي وخطيته ، وبتنامي الصراع عبر خيوط متشابكة ألمحنا إليها غير انه يلزم الاعتراف أن الشباب الذي يعيش اللحظة الراهنة في سنة 2010 ، والتي أكتب فيها هذه الدراسة قد صار أقرب للمغامرة واجتراح آفاق جديدة للتفاعل الحر مع العالم ، ونفض العوالم القديمة حيث الحياة مرتبكة والعلاقات الإنسانية قلقة ، وهذا لا يسقط بالقطع العنصر الأخلاقي ، لكن يضيف إليه وبقوة العناصر الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية ، وكلها عناصر مهمة ، ملحة ، تؤدي لمفاهيم جديدة في النص السردي ، وفي الحياة .
* صراع الموت و الحياة في قصة " نقوش على جبين الأيام " (7) ، لوائل وجدي
منذ الكلمات الأولى للنص يتمثل لنا الوجه المضيء للجد ، وقد راح الحفيد يستعيده متخطيا عتبة الزمن ، متوغلا في دقائق الماضي ، منحازا لتيار التداعي الذي تسوقه ذكريات لا يمكن أن تنسى جمعت بين اثنين من جيلين متباعدين : الجد والحفيد .
الزمن المراوغ ينصب شباكه وتبدأ الضربة الأولى للقص مع سقوط سماعة الهاتف من يد الحفيد الذي يقوم بدور الراوي فهو حين يعلم بالنبأ ترتعش أطرافه وتتشابك الرؤى في عينيه ويضع رأسه بين راحتيه وقد استسلم لمنطق الاستدعاء وصوت العجوز يترقرق متهاديا: متى تزورني؟
كان يعلم أن جده يستشرف دنو أجله ، ورغم ذلك فالابتسامة العذبة لا تغادر وجهه ، وهو ـ أي الحفيد ـ حين يمد يده بمفاتيح سيارته يقفز طاويا درجات السلم لتلسع وجهه نسمات الهواء الشتوية ، وبوصوله إلى الطريق الزراعي يبدأ المطر في الهطول ، وهنا تروح " المسّاحات " تزيل القطرات من فوق الزجاج ، الرؤية عن ذكريات عزيزة جمعت الجد بحفيده.
كانت البلدة في انتظار إجازاته الصيفية كي يأخذه إلى الحقول ويركب ( الحنطور ) ، مستنشقا نسمات الهواء المعبقة برائحة زهور البرتقال واليوسفي ، تطالعه الخضرة على امتداد الأفق .
الجد يمثل حياة فطرية عامرة بالمشاعر الودودة ، وهو يمتلك كنز لا ينضب من الذكريات ففي نفس البلدة يجلس تحت شجرة الجميز يرقب الساقية وهي تدور ، ويتصنت اندفاع الماء في " القناية " يصيخ سمعه إلى الخرير ويتساءل سؤال البراءة الأولى : هل يجد أسماكا؟
عالم الجد مكتنز بالسحر وبدايات المعرفة والحفيد يبدو في تأملاته متلمسا الحقائق في طلوعها وبوحها بأسرارها.
علاقة شديدة الخصوصية بينه وبين هذا الجد الذي يحمل داخله بكارة الأشياء ، ورقة الأحاسيس .
نتعرف على سمات الراوي فنكتشف انه يحب قراءة الروايات والقصص ، ففي يده كتاب يغذي وعيه وهو في هذه القصة بالذات يقرأ ملحمة " الحرافيش " لنجيب محفوظ بلغتها الرقراقة وما تتميز به من براعة في نسج الأحداث .
هنا إشارة إلى نوع من تواصل الأجيال فعلى المستوى الحياتي يتواصل الابن المثقف بالجد ، وعلى مستوى عوالم الابتكار والكتابة ثمة تواصل بين حكي وحكي مع وجود عنصر حاكم في العلاقتين هو شيوع نوع من التقدير والاحترام مع اختلاف سمات وملامح كل جيل عن الآخر.
الصراع في النص يمكن رصده عبر مستويات متدرجة نلخصها في الآتي :
المستوى الأول : وهو صراع شديد الوعورة بين الحياة بما تمور به من مسرات ومتع وبين الموت الذي يفضي إلى صمت لا كلام بعده.
المستوى الثاني : ويخص الأصوات التي هي إشارات وعلامات للتواصل بين الجد وحفيده وبين الصمت الكامل منذرا بفناء نهائي متمثلا في صمت الجد.
المستوى الثالث : ينشأ من لغة إشارية ، متقشفة ، مقتصدة ، يتوسل بها الكاتب ليشكل نصه السردي وبين مرجعية سردية ناجزة ومكتملة تطل علينا من بين ثنايا نصوص قديمة منها " الحرافيش " على سبيل المثال. وهو صراع مضمر وغير علني لكنه يتأكد مع نص قصير ، مكتنز بالمشاعر الفياضة ، يلمح أكثر مما يصرح ، ويبعث شفرته لكي نفهم ما وراء الكلام من معان جسورة.
في شهر رمضان ألف أن يتبع جده قبل الغروب وهو يعد أكواب العرقسوس ، وبعد الإفطار يتبعه وهو يقرأ القرآن ، ويقوم باصطحابه إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح عند العودة وقتها يجد الحجرة الكبيرة وقد امتلأت بالزائرين وثمة شيخ يتلو القرآن الكريم.
يستمع مع جده إلى المسحراتي بصوت الشيخ سيد مكاوي تلك الحلقات التي كتب أشعارها فؤاد حداد فالماضي لا يتجسد هنا مجردا من تفصيلاته بل يأتي معبقا بذكريات مشحونة بالدلالات وهو ما ينجح فيه نص وائل وجدي الذي يعثر في ثنايا الموت ذاته عن ظلال حياة . وتكون نهاية النص مع مشهد غاية في البراعة فقد بدا الطريق معتما مما يجعله يضيء المصابيح ويلمح العلامات الإرشادية التي تشي باقتراب البلدة . يهرع لداخل البيت الكبير ويتأمل الوجوه المألوفة ورائحة المسك تملأ المكان. يقترب من جسد جده المسجى ، يلثم جبينه ، والدموع تفيض من عينيه .
لقطة تحمل الخشوع وتفيض بكثير من المعاني النبيلة ، لقد رحل الزمن الذي كان يبعث داخله الاطمئنان والشعور بالأمن.
تبدو في طيات النص مرثية للزمن الآفل ، ومع هذا الرحيل يشعر بالاغتراب والوحشة فالزمن الذي يعيشه لا يحمل له خيرا كثيرا.
نتوقف أمام عنوان النص " نقوش على جبين الأيام " وهي جملة تجمع بين فكرة النقش القديم الذي يثبت تاريخ اللحظة وبين الأيام التي تراوغ البشر في تحولاتها المذهلة.
بنية النص الأسلوبية متقشفة لغويا ، مقتصدة في طرح العلاقات ، ولا تخلو من مسحة شعرية تميز كتابات وائل وجدي الذي يدعو في جل كتاباته لفكرة النبل الإنساني ، ومعنى التواصل بين مختلف الأجيال وهو ما يتضاد مع الأفكار السقيمة التي تقول بموت الأب وقتله إن كان ذلك ممكنا : بلاغة وترميزا.
تكاد النصوص السردية التي اختيرت من خمس مجموعات قصصية تشترك في بعض السمات المشتركة التي نحاول رصدها بقدر من الإحاطة والاجتهاد هنا ، مع وجود مساحات للاختلاف والمغايرة سنحددها في حينها : ـ إبراز جوانب التناقض في تحولات الحياة فالواقع غير ثابت والحركة تغير الكثير من العناصر التي كانت إلى عهد قريب لا تعرف التغير ولا تميل للتحول.
ـ الأحداث هي صرة العمل السردي ، وقد تأتي تلك الأحداث ظاهرة ، واضحة ، تحدد معالم الصراع وتجسده ، وقد تختفي وتضمر في نسيج السرد لكن آلياتها تعمل بجدارة.
ـ مازال عمود السرد قائما على الحكي الكلاسيكي وإن تفاوتت درجات إعماله داخل بنية كل نص ، وثمة تبيان للأزمنة والأمكنة مما ينحو بالنصوص التي تم اختيارها للجانب الواقعي مع عدم إسقاط الجوانب الأخرى المؤثرة .
ـ المرأة حاضرة في النصوص بشكل لافت فهي في " ابتسامة الكريستال " صاحبة القضية المحورية حيث لحظات الميلاد الصعبة ، ومساءلة الواقع عن لحظات شاحبة سابقة ، وفي " عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " نجد الفتاة الجامعية تقود محاولة للتغيير غير أنها تختطف بالموت ، وفي " صفية " تتحرك البطلة للبحث عن خلاص من فتور العلاقات الإنسانية لدى العم مجاهد محاولة التخلص من طبقتها لكنها تصدم بما تجده من تصدع عند العم سعيد فيكون الرجوع موقفا معلنا ، وفي " الحقيبة" تغيب المرأة إلا قليلا فهي تظهر في موقفين . الأول حين تزجر الطلاب الصغار حين تراهم يضايقون ابنها اليتيم ثم وهي تحصل من عبدالكريم على صرة المجوهرات ، فتذهب لبيعها وتفك كربتها منتقلة من شريحة اجتماعية فقيرة لشريحة أخرى أقل تعاسة ، وفي " نقوش على جدران الزمن" يحتل الجد بؤرة الحدث فيما يغيب الآخرون ؛ فالاصطفاء مقصود لغايات سردية.
ـ إن من ينعم النظر في تلك التجارب السردية يجدها تمتح من الحياة ، وتوظف الجانب المعرفي الذي سبق تمحيصه خاصة في النصوص ذات النزوع الاجتماعي.
ـ يستفيد كاتبان من لغة الشعر المكثفة ، وهما حسين علي محمد ووائل وجدي فيما تتسع قماشة السرد لدى سلوى الحمامصي للتأمل مع توظيف مفردات من الأغنية المصرية داخل نصوصها . أما حسني سيد لبيب فهو يتعامل مع القص بنفس حكائي يلخص ويوجز ، ولا يستقطر الدلالات ولدى محمد الحديدى قدرة على بسط لغة بسيطة بلا نتوءات.
ـ يبدو الموت حاضرا بقوة في نصوص كل من حسين علي محمد حيث تتشكل مادة القص بعد رحيل الفتاة وعند وائل وجدي تبدأ القصة بخبر موت الجد ، وربما بدا الموت معنويا كما نجد عند سلوى الحمامصي حين يهجر الأب زوجته لكونها وضعت أنثى، وعند الحديدي يكون الموت قد انتهى من عمله قبل القص بموت الأب وتيتم عبدالكريم .
ـ تسيطر المادة التاريخية كهزيمة يونيو 67 وحرب أكتوبر 73 على نص حسين علي محمد وهو جزء من النسيج السردي يمنح النص قيمة باعتبار المادة الوثائقية تشكل أرضية لإبراز الحدث .
ـ المفارقة سمة لدى بعض قصص الكتاب فعند محمد الحديدي يختفي الطالب الفقير سنوات وعندما يعود يكون أستاذا جامعيا فيما تبرز المفارقة بظهور رفيق دراسته كبائع " كازوزة " فقير. وعند حسين علي محمد تبدو المفارقة من منظور آخر ، ف" حياة " الطالبة الثائرة الرومانسية في قراءتها تموت ميتة دامية ، عنيفة تحت عجلات سيارة مسرعة ، وهكذا.
ـ يمكننا التعرف على معتقدات الكاتب وطريقة نظرته للحياة من خلال دراسة سلوك الشخصيات ، وتبدو القصص المختارة في غالبها محافظة في مضامينها ، أخلاقية في خطابها ، وشخصياتها لا تنحو لمغادرة المألوف وحين تفكر شخصية مثل "صفية " في ذلك تنال عقابها فورا فترتدع.
ـ البعد الريفي يظلل أغلب القصص التي اخترناها وقد يعود ذلك لجذور الكتاب فهم يغترفون من معارفهم والحقائق الأولى التي شكلت وجدانهم.
ـ تقدم القصص كلها بإيقاع متوازن وإن وجدنا عنصر التسارع في قصتي " ابتسامة الكريستال " و" عرض موجز لموت زرقاء اليمامة " ويرجع ذلك لطبيعة التقنيات التي يوظفها الكاتب في الانتقال السلس بين الأزمنة المختلفة وهو ما يتحقق إلى حد ما في قصة وائل وجدي .
ـ ما يثير الاهتمام أكثر من أي شيء هو اختلاف الكتاب في أدواتهم وأساليبهم وموضوعاتهم فلكل منهم سمته السردي ، وطريقة معينة في الأداء ، وهذه واحدة من الإيجابيات التي لمسناها في المجموعات الخمس . ـ تشكل أغلفة الكتب مادة جمالية إضافية للنص ، وقد رتبت المجموعات طبقا لمستوى التشكيل الجمالي للغلاف كالتالي : مجموعة " أنشودة الترحال " للفنان أحمد الجنايني ، ويتبعها غلاف مجموعة " صحراء الأربعين " لنفس الفنان ، و" الكرة تختفي في الأعالي " لذات الريشة المبدعة ، و" الحنين" بدون توقيع فني وإن كنا نتوقع أن تكون للجنايني أيضا ، أما مجموعة " الدار بوضع اليد " لحسين علي محمد فهي لا تحمل لوحة وتكتفي بدرجات لونية للأخضر الضارب للصفرة.
ـ خلت المجموعات من وجود دراسات تصحب النصوص السردية باستثناء مجموعة " الدار بوضع اليد " فقد تضمن الكتاب قراءة مستفيضة للأستاذ الدكتور خليل أبوذياب ، كما تضمنت قراءات منقولة من بعض المواقع الألكترونية لعدد من الكتاب مثل مجدي محمود جعفر ، وفكري داود، والأخضر العربي ، والدكتور محمد حسن السمان ولحقت بمجموعة " صحراء الأربعين " دراستان لكل من الأستاذ الدكتور حسين علي محمد ، والأستاذ الدكتور خليل أبو ذياب ، وفي اعتقادي أن النصوص يجب أن تدفع للقارئ بلا مقدمات نقدية أو دراسات تمهيدية ، لتمنحه الفرصة لقول ما لديه دون مصادرة قبلية خاصة إذا ما هم بقراءة الدراسة قبل القصص ، ووقع في أسرها .
..........
وأخيرا فإنه من الضروري في هذا المقام أن أوجه التحية لهيئة تحرير " أصوات أدبية " (8) التي تحتفل بمرور ثلاثين عاما على إنشائها ، وقد تمكنت من نشر 330 كتابا أدبيا في مجالات متنوعة كالشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح والنقد الأدبي ؛ فهي تقدم بذلك خدمة أدبية جليلة لأجيال متعاقبة من الكتاب ، وقد شرفت بمناقشة بعض الكتب الصادرة عن السلسلة في عدة مؤتمرات أدبية وندوات ثقافية ، وأعتبر هذا العطاء المتواصل بلا كسل أو توقف أمر جدير بالتقدير والامتنان.
هذا وبالله التوفيق..
دمياط في 21 /5/2010
هوامش :
1ـ من مجموعة " صحراء الأربعين " ، قصص ، سلوى الحمامصي ، أصوات معاصرة ، العدد 128، 2004.
2ـ سبق أن قدم الباحث دراسة حول تلك المجموعة ألقيت في مقر اتحاد كتاب مصر بمقره بالزمالك بالاشتراك مع الكاتبتين القاصة والشاعرة الدكتورة عزة بدر والروائية سلوى بكر.
3ـ من مجموعة " الدار بوضع اليد ! " ، قصص قصيرة ، د. حسين علي محمد ، هبة النيل العربية للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2007.
4ـ من مجموعة " أنشودة الترحال " ، قصص قصيرة ، محمد الحديدي ، أصوات معاصرة ، العدد 152، 2005.
5 ـ نكتب هذه الدراسة مع تردد أصداء الدعاوي القضائية التي رفعها مجموعة من المحامين تطالب بمصادرة نسخ "ألف ليلة وليلة " التي صدرت طبعتها الجديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وهو المطلب الذي نراه تعسفا في استخدام القضاء في محاولة لمحو صفحات مشرقة من ديوان السرد العربي الذي استفاد منه كتاب من الشرق والغرب على حد سواء.
6ـ من مجموعة " الكرة تختفي في الأعالي " ، قصص ، حسني سيد لبيب ، أصوات معاصرة ، العدد 130 ، 2004.
7 ـ من مجموعة " الحنين " ، قصص قصيرة ، وائل وجدي ، أصوات معاصرة ، العدد 94، 2002.
8ـ تأسست " أصوات معاصرة " سنة 1980 ، وقدمت للساحة الأدبية الكثير من المبدعين الذين ينشرون لأول مرة كما اهتمت في نفس الوقت بتقديم كتابات أدباء متحققين لهم حضورهم ، والسلسلة تصدر من " ديرب نجم " بمحافظة الشرقية ، وهي تذكرنا بسلسلة أخرى عريقة هي " أدب الجماهير " التي يصدرها فؤاد حجازي من المنصورة عاصمة الدقهلية .








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجدي محمود جعفر
المشرف على الأقسام الأدبية
مجدي محمود جعفر


عدد المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 05/08/2010

حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي   حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي - صفحة 2 Emptyالجمعة سبتمبر 24, 2010 6:32 am

الإبداع الشعري
في أصوات معاصرة



البنية الإيقاعية.. دراسة في دواوين شعرية
دراسة وصفية
بحث مقدم للمؤتمر الأول لسلسلة " أصوات معاصرة " بالشرقية
د. محمد سالمان

كثيرة هي السلاسل التي تهتم بنشر الإبداع الأدبي ، شعرا ونثرا ، فالمتتبع لحركة النشر في مصر – مثلا – يجد أسماء سلاسل اهتمت بنشر الإبداع الأدبي،ككتاب المواهب ،وكتاب الطليعة ، وسلسلة إشراقات أدبية ، وكتابات جديدة ، وكتاب الغد ، وسلسلة إبداعات ، .... الخ . وعلى الرغم من كثرة هذه السلاسل فإن قليلا منها ما زال يؤدي دوره في الحركة الإبداعية ، ومن هذا القليل كانت سلسلة " أصوات معاصرة " التي استمرت في السير على الرغم من وقوف الآخرين ، وقد استطاعت هذه السلسلة أن تقدم إبداعا يرقى لرسم خريطة إبداعية للقطر المصري ، كما استطاعت أن تقدم أسماء لمبدعين أصبحوا رموزا للحركة الإبداعية داخل مصر وخارجها .
وفي هذا البحث يمكننا قراءة بعض الأعمال الشعرية المنشورة في سلسلة " أصوات معاصرة " قراءة إيقاعية ، تهدف لرصد الحالة الإيقاعية في المنتج المنشور داخل السلسلة وصلته بالإيقاع الشعري العربي ، قديمه وحديثه .
أما عن المادة موضع الدراسة ، فتتمثل في الدواوين التالية :
1. "بداية وقوفي" للشاعر سعيد أحمد عاشور
2. "للصمت ... والرماد" للشاعر يوسف عبدالعزيز
3. "عبرات الفجر" للشاعرة ليلى العربي
4. "أكتب لكم من عينيها" للشاعر إكرامي قورة
5. "لن يجف البحر" للشاعر بدر بدير
6. قراءة إيقاعية لقصيدة "القبو الزجاجي" للشاعر الدكتور صابر عبدالدايم
قبل أن نتحدث عن الإيقاع علينا أولا أن نسلَّم بأن الإيقاع مصطلح يتعصي على التعريف الدقيق، الأمر الذي يجعله على صلة وثيقة بالمتلقي، فالإيقاع لا يُدرك إلا فرديا أو شخصيا ومن خلال اللحظة الآنية، فما يدركه المتلقي (أ) غير ما يدركه المتلقي (ب) ، بل إن الشخص الواحد لا يُدرك عادة في النص نفسه ذات الظواهر الإيقاعية في قراءتين مختلفتين، ومرجع ذلك أن القراءة ترتبط باللحظات التي تقرأ فيها، وبالأشخاص وحساسيتهم وثقافتهم وتأويلاتهم (1)
والإيقاع ليس مجرد الوزن الخليلي أو غيره من الأوزان، وهو ليس حلية يُستغنى عنها، إذ لا غنى للوجدان أن يعبر عن نفسه من خلال الإيقاع الصوتي. كما أن تأثير الإيقاع أسبق إلى نفس المتلقي من الجملة الغنائية، ولهذا اعتمد الكهان في الجاهلية على السمع لمعرفتهم مدى تأثيره على نفس المتلقي وميله نحوه وساعدهم على ذلك أن حروف اللغة العربية تفي بالمخارج الصوتية على تقسيمات الموسيقى، وفيها التناسب المتدرج بين الحروف المتقاربة في النطق، وفيها ارتباط بين الوزن والمعنى (2).
كما ان كثيرا من الأسس البلاغية تعتمد على أساس موسيقي وإيقاعي، كما في الترصيع والجناس، والمقابلة، ورد العجز على الصدر، والتكرار ... الخ .
كما يلاحظ أن فطرة الإنسان تتأثر بالإيقاع الصوتي أولا قبل أن تدرك معاني الكلام، ولقد وجد الإنسان لذة في الإيقاع منذ زمن بعيد، وربما كان ذلك قبل أن يفكر في نحت الأشياء .
وإذا كان الشعر يُصنع من الكلمات لا من الأفكار، فإن الشاعر يعد شاعرا لأنه عبَّر(3)،وتكمن عبقريته في تخيّره للكلمة الدالة على حالته الشعورية والنفسية، معنى هذا أنه يفترض أن القصيدة توجد من العلاقات بين الكلمات كأصوات، وأن معناها إنما يثيره بناء الكلمات كأصوات أكثر مما يثيره في بناء الكلمات كمعان، مع ملاحظة أن التكثيف للمعنى الذي نشعر به في أي قصيدة، إنما هو حصيلة لبناء الأصوات التي تثير في المتلقي المشاعر والأحاسيس فتذكي مشاعره وتلهب وجدانه، وهو ما أشار إليه حازم القرطاجني بقوله:"لشدَّة حاجة العرب إلى تحسين كلامها، اختص كلامها بأشياء لا توجد في غيره من ألسنة الأمم، فمن ذلك تماثل المقاطع مع الأسجاع، والقوافي .. ومن ذلك اختلاف مجاري الأواخر واعتقاب الحركات على أواخر أكثرها، ويناطقهم حرف الترنم .... " (4).
وعلى هذا فالإيقاع ليس عنصرا محددا، وإنما هو مجموعة متكاملة أو عدد متداخل من السمات المميزة تتشكل من الوزن والقافية الخارجية، والتقنيات الداخلية بواسطة التناسق الصوتي بين الأحرف الساكنة والمتحركة أو بين تضافر الحروف وتآلفها في المخارج والحركات ... الخ .




1 – ديوان " بداية وقوفي " للشاعر سعيد أحمد عاشور
يمكننا قراءة ديوان " بداية وقوفي " للشاعر سعيد أحمد عاشور على النحو التالي :
يضم الديوان ثلاثين قصيدة ، تتوزّع بين القصائد العمودية ونصيبها نحو عشر قصائد أي 33% من مساحة الديوان، بينما استأثرت قصيدة الشعر الحر بنحو 18 قصيدة بنسبة 60% من الديوان ، بينما انفردت قصيدتان بالمزج بين الشكلين ، وهما قصيدة " بركة من دماء الصبَّار " ، وقصيدة " قالوا" وذلك بنسبة تقترب من 7 % من مساحة الديوان .
ولو نظرنا إلى البناء العروضي للديوان لوجدناه على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
المتدارك 8 26.6%
الكامل ( بمجزوئه ) 7 23.3%
المتقارب 6 20 %
الوافر 3 10%
البسيط 2 6.6 %
الرمل قصيدة واحدة 3.3 %
الرجز قصيدة واحدة 3.3 %
إضافة إلى قصيدتين متعددة الأوزان ، تنتمي الأولى إلى بحر الرجز ، وبحر المتدارك وقد ازدادت مساحة المتدارك على الرجز.أما الثانية فتنتمي إلى المتدارك ومجوء الكامل، وقد ازدادت أيضا مساحة المتدارك (5) .
من خلال الإحصاء السابق يمكننا ملاحظة :
غلبة البحور الصافية على الإيقاع الشعري لدى سعيد عاشور ، إذ وردت نسبة البحور الصافية بنسبة 93.4 % من المساحة العروضية للديوان ، بينما وردت البحور المركبة بنسبة 6.6 % .
لم يستعمل شاعرنا من البحور المركبة غير بحر البسيط فقط
تمثل القصيدتان " بركة من دماء الصبار " و" قالوا " وهما ممزوجتا الوزن ، تمثلان صورة مصغرة للشاعر ، إذ احتل المتدارك فيهما الصدارة ، كما حدث في الديوان عامة .
ومن خلال الملاحظات السابقة يمكننا القول ، بأن الشاعر يمثل إيقاع عصره ، إذ أن المتأمل في الشعر المعاصر يلحظ سيطرة البحور الصافية على غيرها ، كما يلاحظ سيطرة الشكل الشعري – الشعر الحر – على الديوان، وهو ما يؤكد بأن الشاعر يمثل لبنة في جدار الشعر المعاصر .
وشاعرنا يجدد أدواته العروضية على الرغم من ثباتها الظاهر، آية ذلك قصيدة"حالة "وهي تنتمي إلى بحر الرجز ( /ه /ه//ه ) ( مستفعلن ) والمتأمل في القصيدة يلحظ أن شاعرنا يلجأ للخبن(حذف الثاني الساكن) فتصبح مستفعلن ـــــ مفاعلن .
والقصيدة سبع وعشرون تفعيلة، سيطر الخبن على عدد تفاعيلها بنسبة أكثر من 55 % من إجمالي تفاعيل القصيدة،أما التفعيلة الأصلية للبحر(مستفعلن )فلم تصل نسبتها إلى 25 % من عدد التفاعيل،إذ استعمل الشاعر تفعيلة(مستفعلان)كنهاية لبعض سطوره الشعرية، ومن هذه القصيدة قوله :
وكل ما نراه يوحي بالضجر
وكل ما تراه يوحي بالنفور
وكل ما حولي يدور
يا أيها المعلوم كن
كما تشاء أن تكون.
ومن أبرز عناصر الإيقاع في ديوان " بداية وقوفي " عنصر التكرار،وهذاالعنصر يمثل واحدا من أهم ملامح التشكيل الموسيقي في الشعر المعاصر، ويتخذ التكرار عند سعيد عاشور نمطين فقط، هما:نمط تكرار الكلمة،والآخر تكرار الجملة، ويمثل ذلك قصيدة "هل"التي يقول فيها :
لو أني قمت بوضع حصاة فوق الكف
وعكست أصابع كفّي الآخر فوق حصاتي
يأتيني إحساس أن حصاتي صارت إثنين
لكن العين تراها واحدة
هل تخدعني العين أم الإحساس ؟
وقديما قالوا إحساس اللمس يفوق
وكذلك إني والكون الماثل بين يديا
هل تخدعني العين أم الإحساس ؟
هل تخدعني العين برؤيا الليل ؟
هل تخدعني العين برؤيا الشمس ؟
هل ؟
هل ؟
هل ؟
الشاعر بدا في القصيدة متحيرا من زمنه ، بدا مشدوها ممن حوله، فلجأ للتكرار، تكرار الكلمة الواحدة وقد لجأ لتغير مكانها إيماء منه لتغير الأشياء، وتبدل الثوابت والمواقف .
لاحظ مثلا تكرار كلمة (الكف ) في السطرين الأول والثاني .
ثم لاحظ تكرار كلمة (حصاة ) في الأسطر الأول والثاني والثالث .
ولاحظ تكرار كلمة (العين) في السطرين الرابع والخامس .
ثم كلمة (الإحساس) في الأسطر الخامس والسادس والثامن .
ثم يلجأ الشاعر للنمط الثاني من التكرار، وهو تكرار الجملة، في الأسطر ( 8،9،10) حينما كرر جملة (هل تخدعني العين)، ولا شك أن الجملة المكررة تمثل شحنة شعورية ينطلق منها الشاعر،ثم يعود إليها ليؤكدها ويُلِّح في تكرارها عساها تصل للمتلقي كما في صدر مبدعها .
ويمكننا وفق هذه القراءة قراءة قصيدة " ستبحر روحي "و" بداية وقوفي " و"مرآة " وغيرها من قصائد .
ويبدو أن إلحاح شاعرنا على بنية التكرار أوقعته في عيب قافوي إذ كرر الكلمة الكلمة الواحدة ثلاث مرات في ثلاثة أسطر متتالية دون مبرر فني ، وذلك في قصيدة "ستبحر روحي"حينما قال :
إلى مقلتيك ستبحر روحي
ومن شفتيك بريق الكلام المحب لروحي
دعيني لصمتي وإبحار روحي
ليس معنى ذلك أن بالديوان هنّات موسيقية وهفوات قافوية،إنما هي في دائرة النادر الشاذ الذي يؤكد صحة القاعدة .

للصمت والرماد للشاعر يوسف عبدالعزيز :
يضم ديوان يوسف عبدالعزيز " للصمت والرماد " نحو سبع وعشرين قصيدة،من بينهم سبع قصائد عمودية، وذلك بنسبة 26% من مساحة الديوان، أي نسبة تزيد عن ربع الديوان،أما باقي الديوان فينتمي للشعر الحر، شعر التفعيلة .
وبالديوان قصيدتان تنتميان لقصائد تداخل البحور، أي أن القصيدة الواحدة لا تنسب لبحر عروض واحد إنما تنسب لأكثر من بحر، وهي سمة من سمات الشعر المعاصر، والقصيدتان هما، قصائد قصيرة التي تنتمي للمتدارك والرجز والكامل، وإن تفوق الكامل على الوزنين الآخرين، أماالقصيدة الثانية فهي قصائد قصيرة – للصمت والرماد – وهي تنسب للرمل والرجز، وقد تفوق الرمل على تفاعيل القصيدة .
أما باقي قصائد الديوان فهي كالتالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الرجز 12 44.4%
الرمل 4 14.8 %
المتدارك 4 14.8 %
السريع 2 7.4%
الكامل قصيدة واحدة 3.7 %
البسيط قصيدة واحدة 3.7 %
المتقارب قصيدة واحدة 3.7 %
المتأمل في النسب السابقة يلحظ ما يلي :
سيطرة الرجز على تفاعيل الديوان، وهي سمة يشترك فيها شاعرنا مع معظم شعرائنا المعاصرين، إذ غلب الرجز على ما عداه من أوزان في شعرنا المعاصر، وهي نتيجة توصل إليها كثير من النقاد (6).
غلبة البحور الصافية – أحادية التفعيلة – على البحور المركبة،إذ وردت البحورالصافية في الديوان بنسبة 88.9 % ، بينما وردت البحور المركبة بنسبة 11.1 %،ولم يستعمل شاعرنا من هذه الأوزان غير بحري"السريع" في قصيدتين وبحر" البسيط"في قصيدة واحدة،ويوسف عبدالعزيز في هذه النتيجة أيضا يمثل أبناء جيله من شعراء العرب، إذ سيطرت البحور الصافية على الساحة الإبداعية العربية وعلى قرائح الشعراء في هذا الزمن، وقد أشار إلى هذا غير واحد من النقاد كـ "نازك الملائكة" وغيرها ..
يلاحظ أن قصائد البحور المركبة في الديوان"ثلاث قصائد" وردت على الشكل الشعري العمودي، وهي أيضا ملحوظة ذكرتها نازك الملائكة أن الشعر الحر تجود فيه البحور الصافية دون المركبة .
القصائد العمودية بالديوان وعددها" 7 قصائد" انتمت قوافيها إلى حروف( ب – م – ر) وهي أكثر الحروف دورانا كقافية الشعر، وهو ما أشار إليه د .إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر .
وحيث أن الرجز هو الإيقاع المسيطر على أوزان الديوان،نلاحظ أن شاعرنا استفاد من كثرة زحافاته وعلله،الأمر الذي جعله يستعمل ضمن تشكيلاته " فعولٌ – فعو – مفاعلن –مستعلن – فعلان ... وغيرها"ويلاحظ أن الشاعر لم يستعمل التفعيلة الرئيسية للرجز إلا قليلا، ففي قصيدة "أغرودتان للحزن الأخضر"وصل عدد تفاعيل القصيدة نحو ثمان وثلاثين تفعيلة توزعت على النحو التالي :
21 تفعيلة مفاعلن //5 //5، و6قصائد مستفعلن بينما توزعت التفاعيل الباقية إلى تشكيلات أخرى،مثال ذلك قوله :
وبسمة ٍ
سكبتها في بهجة المساء
فأينع الخواء
بنفسي الجرداء
وبددت سيماءها الأنداء
وما صنعه شاعرنا في الرجز صنعه في المتدارك، ففي قصيدة " قصائد قصيرة "في المقطع الأول منها يقول :
( موجة )
موجة تحمل الزبدا
ورمال الشط تمدُّ يدا
تحتوي الكمدا
المقطع السابق يضمُّ تسع تفعيلات وتوزعت كالتالي :
5 فعِلن، 3 فاعلن (التفعيلة الرئيسية) وتفعيلة واحدة فعْلن .
مما يؤكد سيطرة الحروف المتحركة على المقطع ربما يوحي ذلك بتحرك الأمواج وعدم سكونها، وهو ما جعل الإيقاع يعضد الناحية الدلالية ويؤكدها .
والشاعر حينما يستخدم بحر المتدارك نراه يلجأ لتفعيلة مستحدثة على عروض الخليل، ولكنها تفعيلة شاعت في عصرنا الحالي ، وهي( فاعلُ /5 //) وينبغي القول أن كثيرا من النقاد يقبلون( فاعلُ) في حشو المتدارك وإن اختلفت رؤاهم حول تفسيرها (7)، ومن ذلك قول الشاعر :
ممتشقا صمتي ، ممتطيا ألمي
أدلف من باب الدمع
إلى بهو الحزن المتملك
كل بقاع حنيني وأهازيجي .
ومن التشكيلات الموسيقية في الديوان برز عنصر"التكرار"الذي يعطي دفقة شعورية من المبدع إلى المتلقي،مثال ذلك قوله في قصيدة "أطلي على"

أطلي علىَّ ببسمة عمري

أطلي على ببهجة صبري

أطلي ففي وجنتيك النهار

وفي مقلتيك قوافل نصري


لاحظ أن التكرار لم يتوقف على تكرار الكلمات فقط في (أطلي) إنما امتد إلى تكرار التركيب من خلال :
أطلي علىَّ ــــــــــ أطلي على
ببسمة عمري ـــــــــ ببهجة صبري
ففي وجنتيك ـــــــــ وفي مقلتيك
وهكذا لعب التكرار – أحيانا – عنصرا مهما من عناصرالتشكيل الموسيقي بالديوان،وإن كان أحيانا باعثا على الملل، مثال ذلك قوله في قصيدة " قصائد من وحي العصفور "
.....
ومعطي الأسماء رنة الحرية الحقيقية
يا سارق العصفور ، ساجن العصفور
قاتل العصفور
ناكرة
متى تجئ تحيى العصفور
تمنحه الحقيقة
إن تكرار الكلمات (العصفور – الحقيقة) إضافة إلى تكرار صيغة(اسم الفاعل) في ( سارق/ ساجن / قاتل / ناكر) يعطي إحساسا بالملل للمتلقي مما يبعده عن الدفقة الشعورية للمبدع.
وهذه الهنات لا تنقص من قدر شاعرنا، إنما هو يمثل بموسيقاه موسيقى شعرنا المعاصر،بما فيه من تجديدات وإيقاعات .

3 – " عبرات الفجر" للشاعرة ليلى العربي .
لست أدرى لماذا الشعر فن رجولي ؟! فقليل من النساء من يكتبن على أوزان الشعر المعروفة، وأقلهن من يكتبن شعرا بما تضمُّه هذه الكلمة من دلالات ومعان وإيحاءات، ومن بين تلك القليلات – ليلى العربي .
ويضم ديوان "عبرات الفجر" نحو إحدى وخمسين قصيدة .
وتنتمي معظم قصائدالديوان إلى الشعر العمودي،إذ وردت سبع وأربعون قصيدة من هذا الشكل الشعري، وذلك بنسبة 92.1 % من المساحة الكلية للديوان، بينما وصلت نسبة شعر التفعيلة إلى 7.9 % وذلك بعدد قصائد أربعة فقط، وهي رسالة الصمود "و"وداع"و" أسئلة "و"هراء" ، والطريف أن ثلاثا من هذه القصائد تنتمي لبحر الرجز .
ثم تأتي ملاحظة أخرى أن الشعرالعمودي من الديوان قد يأخذ شكل المقطوعات الشعرية لكل عدد معين من الأبيات قافية تغاير الأبيات الأخرى مع الالتزام بعدد التفعيلات الثابت لكل بيت شعري،كما في قصيدتي "أنشودة سحر وعزاء" و" مساء وخريف " ... وغيرهما . ففي قصيدة "نجوى قمر" – مثلا – تقول :
من شرفتي لاح القمر.. عذب الضياء
في مقلتيه عرائس ... ترنو صفاء
وبعدهما تقول: في ليلتي نسي الكرى ... شط العيون
فطلبت فجري ناعسا ... حلما حنون
ثم تنتقل لقافية (اللام) بعدها ثم (الراء) ثم تنتهي بال(القاف) .
وتارة تتخذ القصيدة شكلين مختلفين، وفق نظام هندسي ثابت ، من ذلك قصيدة " أشواق "، و" غروب ومطر" و " أنشودة البرق " و" أغنية الليل والفجر" ... وغيرها، ففي قصيدة "أشواق تقول: حبيبي يا منى قلبي ... تهادى العشق في دربي
ترفرف مهجتي تعلو ... على الآفاق والشهب
وتنهل من سنا فجر ... تألق بالهوى العذب
فأه منك أشواقي
ملأت الكأس للساقي
يلاحظ أن عدد التفاعيل في الأسطر الأولى ( أربعة ) ثم انتهت إلى تفعيلتين مع تغير القافية من (الباء) إلى (القاف ) ثم تكرر هذا الشكل ( تغير عدد التفاعيل في كل مجموعة معينة من الأبيات مع ملاحظة اتخاذهم قافية واحدة ) إلى أن تنتهي القصيدة
وتارة ثالثة تكون القصيدة العمودية كالشكل التراثي القديم الذي يلتزم عدد ثابت من التفاعيل في كل أبياتها مع الالتزام بقافية واحدة من أولها حتى نهايتها ، ويمثل ذلك قصائد " عبرات الفجر " و " نجوى قمر " و " دعني أحلق " و " رثاء شهيد " ... وغيرها ..
ولو جئنا إلى البناء العروضي في الديوان لوجدنا قصائده تتوزع على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الكامل 16 31.4 %
المتقارب 8 15.7%
الرجز 6 11.8%
الوافر 6 11.8%
الرمل 5 9.8%
البسيط 5 9.8%
المقتضب 3 5.9%
المتدارك قصيدة واحدة 1.9%
الخفيف قصيدة واحدة 1.9%
المتأمل في الإحصاء السابق يلاحظ ما يلي :
سيطرة البحور الصافية على إيقاع الشاعرة،إذ وردت نسبتها بنسبة 82.4% من إجمالي الديوان، بينما اكتفت البحور المركبة بنسبة 17.6 %،وهي في ذلك تمثل إيقاع العصر كما سبق أن أشرنا
على الرغم من أن شاعرتنا تمثل إيقاع العصر من سيطرة البحور الصافية على أوزانها الشعرية فإنها خالفت كثيرا من شعرائنا المعاصرين في اختيار الوزن الشعري، فإذا كان كل من الرجز والمتدارك يمثلان مكان الصدارة في الإبداع الشعري المعاصر(8). فإن ليلى العربي لم تركب هذين البحرين إلا في سبع قصائد وذلك بنسبة 13.7 % وهي نسبة قليلة مما يحتله الوزنان في الإيقاع الشعري المعاصر .
سيطرة بحر الكامل على إيقاع الديوان بنسبة 31.4 % تؤكد انتماء الشاعرة للتراث العربي القديم،إذ كان الكامل رابع البحور الشعرية استعمالا لدى الجاهليين، وذلك بنسبة 10 % ثم ثالث البحور استخداما في القرن الأول الهجري بنسبة 15.6 % ثم ارتقى إلى الثاني في القرن الثاني الهجري بنسبة 15.8 % ، ثم يصل أول البحور استخداما في القرن الثالث الهجري بنسبة 20.9 % وهو أول البحور استخداما لدى شعراء الإحياء بنسبة 26.33 %، وكذلك عند شعراء مدرسة أبوللو بنسبة 21.7 % (9) .
ملحوظة أخرى يلحظها قارئ الديوان، وهي وجود بحر المقتضب بنسبة 5.9 % وهو من البحور القليلة لدى الشعراء قديما وحديثا .
ثمة ملاحظة أخرى تجدر الإشارة إليها، وهي أن الشاعرة التزمت بالزحافات والعلل المجازة في كتب العروض، ولم تتعد – إلا قليلا – إلى تفاعيل مستحدثة، ومع ذلك، فقد اتخذت الشاعرة التفعيلة الرئيسية للبحر أساسا لقصائدها، وما عدا هذه التفعيلة يعد استثناءا، مثال ذلك قولها في قصيدة " أنشودة البرق والمطر "
دمدمي .. اعصفي .. يا رياح الشتاء
وانهمر يا مطر ... جاء وقت الخطر
ارعدي يا سماء ... ابرقي يا سماء
حان وقت الخطر... غاب حلم القمر.
* يلاحظ أن الشاعرة اتخذت من ( فاعلن ) أداة لبناء قصيدتها
ولم تتعدها إلى تفاعيل أخرى، على الرغم من أن المتدارك يجوز في حشوه ( فعْلن / فعِلن ) إضافة إلى ( فاعلُ ) المستحدثة كما سبق أن أشرنا .
وقد أولت الشاعرة القافية اهتماما كبيرا،فقد وردت نحو ثلاث وعشرين قصيدة من إجمالي الديوان موحدة القافية،وذلك بنسبة 45 % .
ويلاحظ أن حروف القافية وهي : ( ت 7 مرات ) ، و ( الراء 6 مرات ) ، و ( الهاء 3 مرات ) ، و ( الدال ، والهمزة مرتان لكل حرف )، و( الباء والنون والكاف مرة واحدة لكل حرف منها ) ... نلاحظ ان الحروف ( ت / ه / ك = 11 مرة، وهي حروف مهموسة ) . ، وحروف ( الراء /الدال /الباء / النون = 10 مرة، وهي حروف مجهورة ). فالشاعرة إذن وازنت في قوافيها بين حروفي الهمس والجهر، إيماءً منها بأهميتهما وتأثيرهما على المتلقي .
ومن ملامح التشكيل الإيقاعي أيضا – لدى الشاعرة – برز عنصر التكرار، والتكرار لديها يأخذ أشكالا عدة، أذكر من تلك الأشكال :
* تكرار صيغة حرفية معينة في القصيدة، كتكرار اسم الفاعل في قصيدتها "حلم .. بعيد السماوات " حيث تقول :
في خيالي هو نجم سابح في السموات
شاعر يسمو بأجنحة ندي الخفقات
فارس يروي جباه الأرض ينبوع الحياة
واهب العمر مخلد سامق لا للهنات
خاضع لله يخشاه ... رفيع الصلوات
لاحظ في المقطع ( سابح / شاعر/ فارس / واهب / سامق / خاضع ) ثم تستمر في صياغة قصيدتها معتمدة على اسم الفاعل في صيغته الثلاثية ( فاعل ) من خلال كلمات ( خاشع / حازم / فارس / شاعر / سامي / حائر / ساحر/ خالد ) . وهكذا فقلَّما يخلو بيت من أبيات القصيدة دون ذكر تلك الصيغة الصرفية .
وقد يكون التكرار تكرار صيغة صرفية أخرى ، كتكرار جمع التكسير في وزن (أفعال) كقولها في قصيدة " خفقات حائرة "
ويبقى الحب أنساما تريح القلب من تعب
وأزهارا بلا أشوك تهدي العطر للصب
وأقداحا لها أذنان مخبوءا بها طربي
وآملا .. وأحلاما .. وأنوارا من الشهب
فهل أصغى لنجواه .. وأحلام الهوى العذب ؟
لاحظ تكرار صيغة جمع التكسير بوزنها الصرفي (أفعال) في ( أنسام / أزهار / أشواك / أقداح / آمال / أحلام / أنوار / ... الخ "
وقد يكون التكرار بصيغة أخرى كتكرار الفعل المضارع في صيغته (أفعل) كما في قصيدتها "دعني أحلق"حينما كررت الفعل نحو ثلاث عشرة مرة. أو في قصيدة "رسالة الصمود"التي كررت فيها الفعل الماضي بصيغته (تفعَّلت) مضعف العين نحو إحدى عشرة مرة، من ذلك قولها :
تنبهَّت ... في هدأة الغسق
تأهبت ... تلملم الجراح
( ... ) تنفست ... تزيَّنت ...
ولا شك أن هذا الفعل بتلك الصيغة المضعفة ينقل الدلالة النفسية من المبدع إلى المتلقي لأنه يمثل رسالة الصمود بما فيها من تحديات وصعاب .
وقد يأخذ التكرار شكلا آخر - من ذلك – مثلا – اعتماد الشاعرة على الفعل الرباعي المضعّف ( أوله كثالثه، وثانيه كرابعه ) أمثال : هدهد / رقرق / رفرف / كفكف / زلزل / لألأ / لملم / دمدم / لؤلؤ ) وقد أحصيت هذه الكلمات بالديوان فكان عددها خمسا وثلاثين مرة ، ولا شك أنها نسبة كبيرة إذا ما قورنت بقلة هذه الكلمات في اللغة وكذا استعمالها في الشعر (10) ، ولا يخفى ما لهذه الكلمات من طاقات موسيقية وإيقاعية .
وإذا كان التكرار بصيغه المختلفة يعطي إيقاعا موسيقيا يجذب المتلقي ويثير اهتمامه،فإنه أحيانا أخرى يصيبه بالملل نتيجة الرتابة المملة،من ذلك مثلا قولها في قصيدة "مناجاة الحبيب " :
أهفو إليه .. أتوق ...... أرتوي أنسى الندم
وأطوف في شفق وسحب ... ومنى وذري أشم
أعلو .. أحلق .. أرتوي .. أمحو عذابات الألم
لا شك أن استعمال الفعل المضارع بهذه الكثرة في تلك المساحة الضيقة أصابت المتلقي بالملل والرتابة.
لا أخفي أن كثيرا من التشكيلات الإيقاعية بهذا الديوان أغمضنا الطرف عنها، ولكننا ربما نعود إليها في دراسات مقبلة، وهو إن دلَّ فيدل على تمكن الشاعرة من أدواتها الإبداعية ورؤاها الشعرية النقية التي تمثل امتداداللرومانسيةالحالمةالتي افتقدناها وسط ضجيج الحداثة وصراع النثريين .

4 – " أكتب لكم من عينيها " للشاعر إكرامي قورة .
ثلاثون قصيدة يضمُّها ديوان "اكتب لكم من عينيها "، ويضمّ بين دفتيه قصائد عمودية الشكل بلغت نحو تسع قصائد أي بنسبة 30%من المساحة الإبداعية للديوان، بينما انفرد الشعر التفعيلي /الحر بالنسبة الباقية أي إحدى وعشرين قصيدة، وذلك بنسبة70 % من الديوان .وقد استعمل الشاعر لقصائده العمودية نحو ستة أحرف كقافية لهذه القصائد، وهي على الترتيب(الدال 3 مرات)، و(التاء مرتان)، و( ع / ق /م /ن مرة واحدة لكل حرف منها ).
والمتأمل في هذه الحروف يجد أنها من أكثر الحروف العربية مجيئا كقافية، وهو ما أشار إليه د .إبراهيم أنيس في كتابه المهم "موسيقى الشعر " .
كما يلاحظ - أيضا – أن الحروف المجهورة وردت نحو ست مرات من أصل القصائد التسع، أي نحو 66.6%منها ، وهو بذلك تابع للدائرة الإبداعية العربية التي تؤثر استعمال الحروف المجهورة كقافية للقصائد، ويرجع ذلك إلى أن الأصوات المجهورة أوضح في السمع وأقوى من الأصوات المهموسة (11). ولذا عمد شاعرنا إلى المجهور حتى يكون إيقاع القافية واضحا بهدف إحداث التأثير على المتلقي وجذبه إليه .
أما عن البناء العروضي للديوان، فيمكننا قراءته على النحو التالي :
البحر عدد القصائد النسبة
الكامل 13 43.3 %
المتدارك 9 30 %
الوافر 3 10%
الرجز 2 6.6 %
الرمل قصيدة واحدة 3.6 %
المتقارب قصيدة واحدة 3.3 %
البسيط قصيدة واحدة 3.3 %
من خلال الإحصاء السابق يمكننا ملاحظة عدّة أشياء منها :
سيطرة البحور الصافية على إيقاع الشاعرة،إذ وردت نسبتها 96.7% من إجمالي قصائد الديوان، في مقابل3.3%للبحور المركبة التي لم يستخدم الشاعر منها إلا بحر البسيط، وذلك قصيدة واحدة، وهي قصيدة "نقوش "، إذن يمكن القول أن الديوان في مجمله من البحور الصافية عدا قصيدة واحدة .
يحتل بحر الكامل – وحده – نسبة تقترب من نصف الديوان، وهو إيقاع يختلف عما يستخدمه المعاصرون من الشعراء إذ يفضِّلون النسج على وزني المتدارك والرجز.ربما أراد الشاعر الخوض في بحر الكامل حتى يؤكد انتماءه للإيقاع العربي القديم، نظرا لما يحتله من مكانة في أوزان الشعر العربي، وربما أراد شاعرنا ان يعزف وحده لحنا يغاير في إيقاعه الآخرين.
وإذا كان بحر الكامل يحتل نصف الديوان – تقريبا – الأمر الذي أوقع الشاعر في نمطية الإيقاع وعدم تنوع الموسيقى إلا قليلا .
كثيرا ما يلجأ الشاعر في وزنه المفضل(الكامل) للإضمار، وبه تصبح (متفاعلن --- مستفعلن) فتختلط أحيانا بالرجز، مثال ذلك قصيدة "فتش عن رجل جديد" يقول فيها :
فلتبحثي إن شئت عني
في سطور الذكريات
ولتخرجي أوراق ماضيك التليد
ولتنفضي عنها الغبار
ثم اقرئيها من جديد
لاحظ أن الأسطر الثلاثة الأولى تشير إلى انتماء القصيدة لفن الرجز( مستفعلن )، ولكن ما أن يأتي السطر الرابع فإذا بنا في بحرالكامل، ولكن كانت تفعيلته مضمرة .
ويمكننا القول بأن نحو 60 % تفعيلة الكامل في قصائد الديوان جاءت مضمرة،الأمر الذي يدعو إلى الوقوف على ذلك وتحليلها !. والطريف إنه قد أشار إلى ذلك في قصيدته " للشعراء فقط " !!
هذا وقد برزت عدة عناصر إيقاعية في الديوان منها :
تكرار الحرف الواحد أكثر من مرة في مساحة صغيرة، ويمثل ذلك قوله في قصيدة "طوبى للغرباء" حينما لجأ لتكرار حرف (السين) :
ماتت
كسرت سنا من أسنان الحوت
كي تتسع الموجة
أملا أن تنبذها كف القدرة
أو في قصيدة " بين الطب والحب " حيث يقول :
الحزن يسكن مفردات كلامي ومن الهموم تعددت آلامي
لاحظ تكرار حرف (الميم) نحو ست مرات في بيت واحد
تكرار صيغة صرفية معينة في القصيدة مثل تكرار فعل الأمر في قصيدته "اغرسي عينيك أكثر" نحو تسع وعشرين مرة، ومن ذلك قوله :
أوقدي عينيك نارا
واملئي جفنيك جمرا
واصنعي هدبا كخنجر
واطعني صدري مرارا
وإذا صادفت قلبي
فاغرسي عينيك أكثر
ويمثل ذلك – أيضا – قصيدة " أحبك بالهيروغليفي "الذي كرر فيها الفعل المضارع في صيغته (أفعل) نحو سبع عشرة مرة، منها عشر مرات للفعل(أحبك)، وثلاث مرات للفعل(أفتش)، وانظر أيضا قصيدة "لك الاختيار " و" نفس السؤال " ... وغيرهما
ولكن التكرار،أحيانا ما يصيب المتلقي بالملل، مثال ذلك قوله في قصيدة " أنا لم أخن "
علمتني أن الرجوع لدولة العشاق عهد
علمتني أن الدموع لأجل من تهواه وجد
علمتني أن الخضوع أمام من نهواه مجد
فحفظته ... عهد الرجوع
ورويته ... وجد الدموع
وعشقته .. مجد الخضوع
( ... )
علمتني الأشواق كيف نحسها
علمتني الأزهار كيف نشمها
علمتني الأطيار كيف نحبها
لاشك أن تكرار الألفاظ بعينها، فضلا عن تكرار الصيغ الصرفية، وتكرار التركيب في تلك المساحة الضيقة يصيب بالملل، ولذا أدعو الشاعر التخلص منها .
بقيت ملاحظتان أخيرتان أود أن أشير إليهما، وهما :
1 – خاض الشاعر فن المعارضة الشعرية، وهو فن كاد أن يندثر، وقد تخيّر إحدى القصائد المعروفة والمشهورة للإمام الحصري فعارضها، فإذا كان الحصري قد قال :
يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده
ثم عارضها شوقي قائلا :
مضناك جفاه مرقده وبكاه ورحّم عوّده
فإن إكرامي قورة يقول :
يا بحر الشعر أتشهده لحنا والكون يردده
هذا وقد عارضها كثير من الشعراء أذكر منهم : أبو القاسم الشابي ، إسماعيل صبري، أنور شاؤل، ابن الأبار، ابن مليك الحموي، بشارة الخوري، جميل صدقي الزهاوي، خير الدين الزركلي، اسكندر المعلوف، فوزي المعلوف، محمود بيرم التونسي، محمود رمزي نظيم، ثم معارضة لكاتب هذه السطور ، ... وغيرهم كثيرون .
ولاشك أن فن المعارضات فن كبير، يدل على تمكن الشاعر من أدواته الشعرية ومهاراته اللغوية، فضلا عن ثقافته الأدبية الواسعة .
2 – أما الملاحظة الأخيرة، وهي تخرج عن مجال الإيقاع إلى حدِّ ما – وهي أن الشاعر يضمّن اسمه كثيرا داخل ثنايا القصيدة، فقد صنع ذلك في قصائد "أكتب لكم من عينيها "، و "بين الطب والحب " و " أنت معي " فإذا كان الشعراء العرب – في العصرين المملوكي والعثماني قد لجأوا لتلك الحيل فما أحرانا أن نبعد عنها لأنها تدل على فقدان العاطفة الصادقة وجفاف الإحساس الشعري، ولذا أشد على يد الشاعر أن يتخلص من تلك الآفة اللغوية وإقحامها في النسيج الشعري .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حصريا : أبحاث مؤتمر أصوات معاصرة على مراجع خارجي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مراجع خارجى  :: القسم الأدبى :: الدراسات الأدبية-
انتقل الى: