ولقد كانت لمصر أفضال الريادة فى مجال رعاية وتأهيل المتفوقين فى العالم العربى إذ بدأت فى منتصف القرن الماضى إهتماماً كبيراً بهذه الفئة تمثل فى جهود وزارة التربية التعليم حيث أنشأت أول "مدرسة للمتفوقين التجريبية الثانوية للبنين" بالمعادى وإنتقلت عام 1960 إلى مبنى خاص بحى عين شمس وتستقبل الخمسة الأوائل من الناجحين فى الشهادة الإعداديـة من كل محافظة كمعيار أساسى (وحيد) كما أنشئت عدة فصول للمتفوقين فى بعض المدارس الثانوية ولاتزال التجربة تسير كما بدأت منذ أكثر من نصف قرن،ويؤخذ عليها نواحى القصور ما يلى :
1- أنها تستوعب عدد محدود من المتفوقين لا يزيد عن 1750 حالة من بين ما يقرب من 400 ألف حالة محتملة فى مصر .
2- أنها تعتمد فى إختيار المتفوقين على معيار واحد هو التحصيل المدرسى مع إختبار شكلى للقبول .
3- أنها لا تهتم بتفريد التعليم الذى يفرضه الإختلاف النوعى الكبير بين أطفال التفـوق .
4- أنها تستخدم نفس المنهج والكتاب المدرسى العـادى .
5- أنها لا توفر متطلبات التفوق من وسائل وتجهيزات وتكنولوجيا متطورة أساسية لتنمية القدرات العالية .
6- أن الجدول المدرسى لا يتيح فرص ولا توقيت زمنى للمتفوق لممارسة أنشطته الأكاديمية والتجريبية للبحث العلمى .
7- أن من يقوم بالتدريس هم مدرسون عاديون غير مؤهلين تربوياً للعمل مع المتفوقين فى ضوء التطور المعاصر فى الدول الصناعيـة .
8- أنها قاصرة على إستيعاب البنين دون البنـات .
والواقع المذهل أنه مع غياب البرامج العلمية الفاعلة لإكتشاف وتنمية ثروتنا القومية النادرة من المتفوقين والموهوبين فقد دخلت هذا المجال منذ مطلع التسعينيات بعض الشركات الأجنبية الكبرى متعددة الجنسيات- مثل شركة منتورجرافيكس العالمية العاملة من خلال فرعها فى مصر فى ميدان إنتاج برمجيات تصميم الدوائر الإلكترونية- وحيث بدأت تنمو ظاهرة البحث عن الموهوبين فى أى مكان فى العالم وإلتقاطهم وتوفير فرص علمية مجانية فريدة لتنمية قدراتهم الإبداعية فى مجالات محددة حيث أن العصر الرقمى الذى نعيشه الآن والذى تتلاحق فيه بسرعة المستحدثات التكنولوجية من أجهزة ومعدات وبرمجيات وتطبيقات قد دفع تلك الشركات إلى إحراز كسب السبق فى إثبات تواجدها بقوة فى الأسواق العالمية وإحتكار منتجاتها من خلال إستقطاب الموهوبين المنسيين من شباب الدول النامية والذين يستطيعون بفكرهم الجديد وإبداعاتهم أن يضيفوا إلى إنتاج شركاتهم نوعيات وميزات جديدة لم تعرف من قبل تدفع قدراتهم التنافسية بين غيرهم من الشركات الأخرى.
وإذا كنا ندرك أن برمجيات التصميم الإلكترونى هى عصب صناعة الإلكترونيات فى العالم ففى ذلك تفسير لإهتمام شركة مثل"انتل" لتصنيع الميكروبروسسر داخل الحاسب الآلى التى تشارك فى إنتاجها عقول مصرية صميمة لصالح عدد من الشركات العالمية إكتشفتهم الشركة (كما اكتشفت غيرها من الشركات أمثالهم من الهند والصين وغيرهما) وبالمثل فإن شركة نوكيا لأجهزة التليفون المحمول تشترى البرامج التى تصنع فى مصر بأيدى موهوبيها كما تستدعيهم لفترات محدودة للإستعانة بهم فىحل بعض مشكلات التصميم التى تواجه مهندسى الشركـة .
هذه نماذج ناجحة لعلها توجهنا لبذل أقصى الجهود لإكتشاف تلك المواهب النادرة وإعداد البرامج الكفيلة لتنمية تلك الثروة القومية من العقول المبدعة الخلاقة